قدّمت ذاكرات هذا الأسبوع اعتراضها على هدم قرية صوميل. خلافًا لمعظم القرى التي تعرّضت للأذى في النكبة، فإن قرية صوميل تقع في قلب تل أبيب، بين شوارع ابن غفيرول – أرلوزوروف - جابوتنسكي، على بعد مئات الأمتار فقط من مكتب "ذاكرات".
تشكّل القرية اليوم نقطة ذاكرة للنكبة، وتقع إلى جانب نشاط مئات آلاف سكّان تل أبيب الذين يتجاهلون الجرح المفتوح في قلب مدينتهم. المفارقة هي أنه بعد نحو مرور 100 سنة على تأسيس تل أبيب، يختار مستثمرون محليون، بدعم من بلدية تل أبيب، محو بقايا القرية التي شكلت جزءًا من جذور مدينة تل أبيب، وبالتالي مواصلة المشروع الصهيوني الذي لا يرى سوى نفسه في الحيّز المحلي.
يعود مصدر اسم القرية صوميل إلى التربة القاسية. هناك من يجد في هذا إشارة إلى موقع القرية على هضبة صخرية عالية، لا تزال بقاياها ماثلة للعيان حتى اليوم. هذا الموقع مكّن سكانها الذين عملوا في القرون الماضية في الزراعة، من الإطلال على الحقول والبيارت التي أحاطت بالهضبة ومراقبتها، وكذلك على الطريق القديمة التي مرّت إلى جانبها (اليوم، مسار شارع ابن غفيرول) والتي تمتدّ من يافا شمالا.
بات هذا الموقع قرية خلال النصف الثاني من القرن الـ 19، وحظيت بازدهار حقيقيّ مطلع القرن الـ 20 ووصل عدد سكانها إلى نحو 700 نسمة سكنوا في حوالي 100 بيت. العائلتان اللتان تألفت منهما معظم القرية كانتا صرافي والدجابرة. عمل الأهالي في الزراعة ومع تطوّر تل أبيب، انتقلوا للعمل في توفير خدمات متنوّعة.

بمرور السنين تم تأجير بيوت في القرية لسكان يهود، وسارت الحياة وسط تعايش مشترك. ولد درويش صرافي في صوميل وعاش فيها حتى الثامنة من عمره، حين اضطرّت عائلته إلى المغادرة. يعيش اليوم في جلجولية ويتحدّث عن العلاقات بين العرب واليهود قبل قيام الدولة: "أتذكّر الجيرة الحسنة التي ربطتنا مع اليهود. سكنت في بيتنا عدة عائلات يهودية، وكنا على علاقة طيبة جدًا معها. تعلّمت منهم شرب الشاي البارد والغفلتي فش.. أختي تعلمت من النساء اليهوديات اللاتي سكنّ عندنا التحدّث والكتابة باللغة العبرية والقليل من البولندية وعلمتهنّ في المقابل قراءة وكتابة العربية. أذكر الأعياد والأعراس في القرية. كانت هذه مناسبات للقاء العائلات، فقد زار الجميع بعضهم البعض، وكان يتقاطر إلى الأعراس سكان القرى المجاورة وجاءت كذلك عائلات يهودية مجاورة طبعًا..".
بعد النكبة غادر سكان القرية العرب بيوتهم، وحلّ محلهم لاجئون يهود سكنوا في بيوتهم، وحوّلوا مسجد القرية إلى كنيس وهو لا يزال كذلك حتى اليوم.
اليوم هناك مخطّط بناء يسعى إلى تخريب بقايا قرية صوميل بكل مركباتها المختلفة التي بقيت في الموقع. كتبت راحيل نحومي في دراستها عن صوميل في مدرسة صيانة المعمار في جامعة تل أبيب: "من خلال تأمّل "موضوعي" يبدو المكان ككتلة من المباني، الحدائق والتصفيحات في حين أن الجمالية تبعد عنه بسنوات ضوئية. ولكن صيانة المعمار في القرن الـ 21 ليست مقتصرة على الجماليّ، التمثيلي التذكاري. النظر إلى أي مكان يجب أن يتم في ضوء التراث الثقافي الذي يحمله، تمثيله في الفضاء وندرته في المشهد الثقافي الإنساني".
إن التجاهل التام لمهجّري صوميل يشكل عبرة واضحة لجميع المهجرين الداخليين، مواطني الدولة، مفادها أنّ تم تهجيرهم في المرة الأولى في نكبة عام 1948، وكذلك لا يتمّ أخذ ذاكرتهم بالاعتبار في الحاضر. لقد صادرت الدولة أرضهم بموجب القانون، وهي اليوم تتجاهل ذاكرتهم. لقد أسّست الدولة لمكانتهم كمواطنين منقوصي الحقّ منذ البداية وهي تواصل سلبهم الآن. لذلك، فإن ذاكرات تعترض على مواصلة التدمير وتطالب بصيانة بقايا قرية صوميل.
 

________________________________________

11 حزيران 2007

حضرة

اللجنة المحلية للتخطيط والبناء تل أبيب - يافا

الموضوع: اعتراض على مخطّط هيكلي محلي رقم /298/أ "صمل جنوب"

مقدّمة:

1. جمعية ذاكرات (جمعية مسجّلة رقم  6-952-038-58) تقدّم بهذا اعتراضًا على المخطّط الهيكلي المحلي رقم298/أ "صمل جنوب".

2. أقيمت جمعية ذاكرات في شباط 2002 لهدف الدفع قدمًا بتعاطٍ مختلف من قبل الدولة، سكّانها ومؤسساتها، مع مأساة الشعب الفلسطيني، الذي تمّ عام 1948 هدم معظم قراه ومدنه. ينبع نشاط الجمعية من الوعي بأنّ هدم ما يزيد عن 530 مدينة وقرية واقتلاعها من منظر البلاد هو جزء من ماضي دولة إسرائيل واليهود فيها، وليس الشعب الفلسطيني فقط. وفقا لرؤية الجمعية فإن التعاطي المحترم والذي يكنّ الاحترام لهذه المأساة هو مدماك ضروريّ وحيويّ في سيرورات المصالحة بين الشعبين نحو إنهاء الصراع بينهما.

3. تركز جمعية ذاكرات نشاطها حول المواقع التي كانت موجودة فيها مدن وقرى فلسطينية هدمت عام 1948. لا تتمتّع هذه المواقع بحماية هيئات تطوّعية، مثل الحماية التي توفّرها شركة حماية الطبيعة لمواقع طبيعية أو سلطة الآثار لمواقع تاريخية قديمة. لذلك، ترى الجمعية نفسها مرتبطة بشكل مباشر بالتغيّرات الجارية أو التي قد تجري في حيّز البلدات التي هدمت عام 1948، مثلما في موقع النبيّ شعيب وقرية حطّين المهجرة.

4. يستند الاعتراض إلى تصريح مدير جمعية "ذاكرات" السيد إيتان برونشطاين المرفق برسالة الاعتراض.


مواضيع الاعتراض:

1. تعترض جمعية ذاكرات بشكل مبدئيّ وشامل على المخطّط قيد البحث للأسباب المفصّلة فيما يلي.

2. لا يتطرّق هذا الاعتراض إلى هذا التفصيل التخطيطي أو ذاك في المخطط، بل يعترض على كل توجه التخطيط القائم في صلبها. مخطط البناء هذا يجسّد تعامل دولة إسرائيل عمومًا ومخطّطيها خصوصًا مع التاريخ الفلسطيني الفعليّ للبلاد.
3. وفقا للفكرة السائدة فإن القرى المدمرة عام 1948 لا تؤخذ بالاعتبار أبدًا. تحولت إلى احتياطي أراضٍ وتطوير مثل أي مساحة مبنية أخرى في البلاد. أحيانًا، يتمّ اعتماد حذر معين بخصوص بناء على مساجد ومقابر هذه القرى، ولكن في العديد من الحالات لا يُنفّذ حتى هذا التقييد الأدنى.

4. المخطّط المذكور سيخرّب ما تبقّى من قرية صوميل التي ظلّت في المكان (مبان سكنية، مبان عامة، حفر مياه، جنائن) الذي يتطرّق المخطّط إليه.
5. على الرغم من تجاهلها في مفهوم التخطيط الإسرائيلي، إلا أنه لم يتمّ حتى الآن بناء مجدّد لمراكز قرى كثيرة دُمرت عام 1948.

6. وهكذا، فقد تم تدمير مركز قرية صوميل جزئيًا حتى اليوم، ولا يزال هناك قسم آخر منه هو جزء من مدينة تل أبيب.

7. وصل عدد سكّان قرية صوميل عام 1948 إلى نحو ألف نسمة. بعضهم يهود استأجروا بيوتًا من العرب.

8. بقي في البلاد بعد النكبة عدد قليل من أهالي صوميل وهم يعيشون في اللد وجلجولية. غالبيّة اللاجئين طُردوا إلى الأردنّ والضفّة الغربية.

9. ذاكرة لاجئي قرية صوميل، وبعضهم مواطنو دولة إسرائيل، لا تؤخذ بالاعتبار ضمن هذا المخطّط.

10. ولد درويش صرافي في صوميل وعاش فيها حتى الثامنة من عمره، حين اضطرّت عائلته إلى المغادرة. يعيش اليوم في جلجولية ويتحدّث عن العلاقات بين العرب واليهود قبل قيام الدولة: "أتذكّر الجيرة الحسنة التي ربطتنا مع اليهود. سكنت في بيتنا عدة عائلات يهودية، وكنّا على علاقة طيبة جدًا معها. تعلّمت منهم شرب الشاي البارد والغفلتي فش.. أختي تعلّمت من النساء اليهوديات اللاتي سكنّ عندنا التحدث والكتابة باللغة العبرية والقليل من البولندية وعلمتهنّ في المقابل قراءة وكتابة العربية. أذكر الأعياد والأعراس في القرية. كانت هذه مناسبات لقاء العائلات، فقد زار الجميع بعضهم البعض، وكان يتقاطر إلى الأعراس سكان القرى المجاورة وجاءت كذلك عائلات يهودية مجاورة طبعًا..".

11. إنّ التجاهل التام لمهجّري صوميل يشكّل عبرة واضحة إلى جميع المهجرين الداخليين، مواطني الدولة، مفادها أنه تم تهجيرهم في المرة الأولى في نكبة عام 1948، وكذلك لا يتم أخذ ذاكرتهم بالاعتبار في الحاضر. لقد صادرت الدولة أرضهم بموجب القانون،  وهي اليوم تتجاهل ذاكرتهم. لقد أسّست الدولة لمكانتهم كمواطنين منقوصي الحقّ منذ البداية وهي تواصل سلبهم الآن.

12. يشكل هذا المخطط رسالة واضحة لليهود في البلاد، بأن تاريخ وذاكرة البلاد الفلسطينيين غير شرعيين ومحكوم عليهما بالفناء. وكل مفهوم آخر ليهود بخصوص الحيز، مثل الرغبة في الانتماء إليه، يتم رفضه تمامًا، من خلال المحو العنيف.

13.    منظمة الامم المتحدة للثقافة، اليونسكو، أقرّت عام 1972 معاهدة حول الموروث الثقافي العالمي. حتى اليوم انضمّت إليها 182 دولة، بينها اسرائيل عام 1999. جاء فيها أيضًا:  تعميم الثقافة والتربية الإنسانية، العدالة، الحرية والسلام حيويّ لكرامة الإنسان ويؤسّس لواجب مقدّس يجب على جميع الأمم القيام به (...) الثقافة هي سلسلة من المميزات المختلفة: روحانية، مادية، ثقافية وشعورية لمجتمعات أو مجموعات اجتماعية. إنها تشتمل، بالإضافة إلى الفنون والأدب، على أنماط حياة، أشكال من الحياة المشتركة، منظومات القيم، التقاليد والمعتقدات. (...) في مجتمعنا الآخذ بالتحوّل إلى مجتمع أكثر تعددية، من الضروري ضمان تفاعل متناغم  بين رجال ونساء ومجموعات ذات تعدّد في الهويات الثقافية. (...) سياسة ضمّ ومشاركة جميع المواطنين تضمن التكتل، الحيوية الاجتماعيّة والسلام. (...) حماية التنوّع الثقافي هي أمر أخلاقي، جزء لا يتجزّأ من الكرامة الإنسانية. وهذا يشتمل على الالتزام بحقوق الإنسان وحريّاته الأساس، خصوصًا لرجال/نساء من مجموعات أقلية وأصلانية. هذا الموروث هو موروثنا من الماضي، ما نعيشه اليوم، وما ننقله لمن بعدنا من الأجيال القادمة. الموروث الثقافي والطبيعي هو مصدر لا بديل له للحياة والاستلهام".

14. آثار قرية صوميل تستوفي التعريفات المذكورة وهي بالتالي تستحقّ الحماية في وجه التدمير العشوائيّ.

15.    بقايا صوميل هي اليوم جزء من المدينة التي "ابتلعت" القرية إلى داخلها عمليًّا. المحو هو إنكار لتاريخها. قرية صوميل تشكّل نواة للاستيطان القديم في مدينة تل أبيب، وهي أثر مادي أخير تقريبًا على شكل حياة المجتمع العربي القرويّ الذي كان هنا على مدى مئات السنين. وقد بقي كشهادة مادية على المأساة التي حلّت بسكانها عام 1948 وأجبرتهم على المغادرة. سيكون من المفارقة أنه خلال الاحتفال بمئة سنة على تأسيس المدينة، يتمّ هدم قسم من جذورها.

16.    القيمة المعمارية للقرية تنعكس من خلال التقنيات التي بنيت بها – حجارة كلسية محلية. من اللائق الحفاظ على قسم من مباني القرية ونسيجها على الأقلّ. لا يزال هناك زقاق أصليّ في المكان.

17.    وجود موقع ذي طابع قروي في قلب المتروبولين الحديث يعزّز من تعدّدية المدينة.

18.    كتبت راحيل نحومي في دراستها عن صوميل في مدرسة صيانة المعمار في جامعة تل أبيب: "من خلال تأمّل "موضوعي" يبدو المكان ككتلة من المباني، الحدائق والتصفيحات في حين أنّ الجمالية تبعد عنه بسنوات ضوئية. ولكن صيانة المعمار في القرن الـ 21 ليست مقتصرة على الجماليّ، التمثيلي التذكاري. النظر إلى أي مكان يجب أن يتمّ في ضوء التراث الثقافي الذي يحمله، تمثيله في الفضاء وندرته في المشهد الثقافي الإنساني".

19.    يوجد في إسرائيل قلق عميق ومشروع من هدم آثار حياة يهودية في العالم. فأية رسالة نرسلها إلى العالم حين نقوم بالبناء على آثار المواقع المرتبطة بالتاريخ الفلسطيني للبلاد؟ ألا نقوم من خلال البناء على تلك الآثار بتعزيز نزعات تخريب مقابر وكنس اليهود في العالم؟ كيف تمكن معارضتنا الأخلاقيّة للمس بمواقع هامّة لليهود في العالم؟

20.    هل يمكن لإسرائيل أن تغيّر الاتجاه بعد مرور 59 سنة على قيامها؟ تقترح ذاكرات تحويل الآثار الفلسطينية التي بقيت من النكبة التي وقعت عام 1948 إلى مواقع مصالحة بين إسرائيليين وفلسطينيين من خلال صيانتها وذكر تاريخها العربيّ.

21.    المحو لن يمنع الجدل والحاجة في حلّ مسألة اللاجئين، وهي قلب الصراع. لذلك، فهي ستؤجج الصراع.

22.    البناء على آثار صوميل يمسّ باليهود الذين يعيشون في البلاد من المعنيين بفهم تاريخهم. تاريخ اليهود في إسرائيل مرتبط باحتلال البلاد عام 1948 ومنع عودة معظم سكانها إليها. آثار صوميل هي شهادة على هذا التاريخ وتمثّل بذلك المصدر العنيف للصراع الذي نعيشه. يمكن اليوم الاختيار ما بين إمكانية مواصلة التدمير وبين تعامل يحترم هذا التاريخ، تعامل يحترم الشعب الفلسطيني الذي هُزم وطرد من هنا. تعامل محترم كهذا يمكنه أن يشكل حجر أساس للبدء بعملية مصالحة.

23.    ختامًا، إن المواقع العربية في البلاد تحمل في طياتها تراثها. الانتقال من الصراع إلى التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكنه ان يبدأ من هذه الممواقع. تقترح ذاكرات عدم تفويت هذه الفرصة في صوميل أيضًا، الواقعة داخل  حيّز يمكن التعاطي مع الرجال/النساء الذين كانوا فيه من خلال محاولة مصالحتهم، وبالتالي وضع عصا في عجلات الكراهية والانتقام المتبادلين منذ 1948.

إيتان برونشطاين
مدير ذاكرات