حيفا بنت صغيرة سمراء ، تعيش مع والديها في بيت من التّنك على شاطئ البحر في بيروت . وحيفا لا تحبّ بيتها كثيراً ، لأنّه يصير حاراً جداً عندما تطلع الشّمس في الصّيف . وفي الشّتاء يسيل الماء من شقوق السّقف ، وتكاد تقتلعه الرّياح الباردة.
لكنّ حيفا كانت دائما سعيدة ، لأنّها تحبّ البحر كثيراً ، وتحبّ تلك الطّيور الجميلة البيضاء ، التي ترفرف في الفضاء دائماً ، وتحوم فوق قارب جدها العجوز حين يذهب في البحر بعيداً ، وتدلّه على الشّاطئ . وحيفا تحبّ جدها كثيراً ، لأنه يقول لكلّ الأطفال دائما : "حيفا جميلة ".ويأخذها في القارب معه ، ويجري فوق الموج .

ذات يومٍ رأته يحمل الشّباك ويتجه نحو القارب . سبقته وجلست في القارب مثل عادتها ، لكنّه أخذها بين ذراعيه هذه المرة وأنزلها ، ثم قال : " اليوم لا تذهبين معي يا حيفا".

قالت حيفا :"لماذا يا جدي؟".
قال الجدّ:" لأني سأذهب بعيدا جدا هذا اليوم "

وعندما صعد إلى القارب قال: " هناك حيفا ثانية خلف البحر ، جميلة مثلك ، وتنتظرني دائماً ، حين أعود سوف أحدثك عنها كثيراً ". ثم دفع القارب بيديه القويتين إلى الماء ، وراح يبتعد شيئاً فشيئاً، بينما وقفت حيفا على الشاطئ حزينة.
عندما اختفى القارب خلف الأمواج ، جلست حيفا على الرّمل وراحت تبكي. سمع نورسٌ أبيضٌ كان يرفرفُ فوق الموج بكاء حيفا من بعيد ، أسرع الطّير إليها وراح يحوم حولها ،ويصفّق بجناحيه.
" لماذا أنت حزينة هكذا يا حيفا؟" قال الطّير وارتفع ثانية.

رفعت حيفا رأسها ونظرت إلى النّورس وهي تمسح دمعها . وحين اقترب منها مرّةً أخرى قالت : " لأنّ جدّي يحبّ بنتاً غيري اسمها حيفا ، وقد تركني وذهب إليها ".
ضحك النّورس كثيرا ، وصفق بجناحيه فوق رأسها.

غضبت حيفا وقالت :" لماذا تسخر مني أيها النّورس ؟".
"لأن حيفا الأخرى ليست بنتا يا حيفا ، إنها مدينة هناك ، خلف البحر ، جميلة مثلك ، وأنا أحبها أيضا ".أجاب النّورس.
وقفت حيفا غاضبة وقالت :" إنّك تكذب أيّها النّورس ، إنّها بنت صغيرة ويحبّها جدّي أكثر منّي ".

قال النّورس:" أنا لا أكذب يا حيفا .. حيفا التي يحبّها جدّك هي المدينة التي ولد فيها وترعرع عندما كان طفلاً مثلك ، ولذلك سمّاك على اسمها ، لأنّه يحبّك كثيراً".
صفّق النّورس بجناحيه عدّة مرّات فوق رأس حيفا ،وارتفع في الفضاء . مدّت حيفا ذراعيها وقالت :" لا تتركني أيّها النّورس ، أريد أن أسألك سؤالاً آخر ".
" أنا ذاهب كي أرى حيفا من فوق البحر مع جدّك ،وعندما أعود سوف أحدّثك عنها كثيراً " ، قال الطّير وابتعد.
ابتسمت حيفا ، وراحت تلوّح للنّورس بيديها الصّغيرتين . وعندما اختفى خلف الموج ، جلست حيفا على الرمل ، وراحت تنتظر جدّها حتّى يعود.
وحين مالت الشّمس إلى المغيب ، وتعلّقت فوق البحر مثل مثل برتقالة ، كانت حيفا لا تزال تجلس على الشاطئ منتظرة جدّها ، وتحلم بحيفا الثانية.