مقدمة

هناك عدة بلدات فلسطينية تحمل اسم الطيرة، منها طيرة بني صعب القائمة في منطقة المثلث الجنوبي، وطيرة رام الله في الضفة الغربية، وطيرة بيسان وطيرة دندن قرب الرملة وطيرة حيفا التي احتلت وهجرت عام 1948، والتي نحن بصددها في هذا الكتيب.
في صيف 1948، نجحت القوات الإسرائيلية بإخضاع المقاتلين الفلسطينيين في طيرة حيفا. لم يكتف الجيش الإسرائيلي بالفوز وأسر مقاتلين وإنما قام بتهجير العائلات التي كانت محتمية بالجبال والمغائر، فأحضر شاحنات وحافلات لتنفيذ عملية تطهير عرقي للمواطنين المدنيين أصحاب البلد بعد انتهاء المعارك.
من قراءة هذا الكتيب يمكن أن نتعلم أيضاً أن قرية الطيرة كانت عامرة وزاخرة بحياة اجتماعية وثقافية وسياسية وزراعية واقتصادية حتى عام النكبة.  ولو أن الحياة فيها، وهي أكبر قرى محافظة حيفان استمرت بوتيرة طبيعية ولم يتم احتلالها وتهجيرها لكان أمامنا اليوم مدينة عربية يصل عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة. وواقع الحال أن مكانها تقوم مدينة إسرائيلية عدد سكانها يراوح العشرين ألفاً. حتى نستدل كيف تنظر المدينة الإسرائيلية "طيرة هكرمل" إلى القرية الفلسطينية طيرة الكرمل يمكن أن نستعين بالموقع الإلكتروني التابع لبلدية "طيرة هكرمل" حيث يتطرق الموقع بأحد صفحاته، بالعبرية، إلى القرية. ومما جاء فيه: " في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت تقع هنا قرية مثيري الشغب، طيرة. والتي جعل منها سكانها العرب نموذجاً ومثالاً بأعمالهم الجنائية "الجميلة". بدءاً بالسرقات وانتهاء بأعمال سطو عنيفة. وأسدلوا إرهابهم على المنطقة كلها. وكان العمل الأقسى الذي قاموا به هو قتل المبشر التمبلري الألماني فريتس أونغار من مستعمرة نويهردطوف Neuhardthof [قرب حيفا].
في 29.11.47 أعلنت هيئة الأمم المتحدة عن إقامة دولة إسرائيل، وذلك أعطيت الإشارة للعرب وبدؤوا بالاعتداء على المواصلات العامة العبرية في شوارع البلاد.   
من بين صفوف المعتدين، تبوأ – كالعادة - أهالي طيرة مكانة مرموقة. إلا أنه خلافاً لأيام التمبلريين الألمان، لم يكن الأمر سهلاً عليهم لأن المنطقة كانت مليئة بمعسكرات جيش بريطانية، وكانت كذلك طريق التفافية تمر من وادي المِلك. لهذا السبب لم يُبذل جهد ببداية حرب الاستقلال لطرد أهالي القرية. في كانون أول 1947 قام الإيتسل بهجوم على طيرة، إلا أنه صُدّ من قبل القوات العراقية التي تواجدت في القرية والمنطقة.
فقط بعد تحرير حيفا، في نيسان 1948، قررت قيادة المنطقة "تنظيف" (هكذا بالمصدر) طيرة والمثلث الصغير، الذي ضم قرى جبع (اليوم "جيبع كرمل")، إجزم و"عين غزال" (اليوم "عين أيلاه").
مع انتهاء الهدنة الأولى في 8.7.48 انتقلت قدرة المبادرة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي استعدّ لمهاجمة المنطقة، ومن أجل ذلك أنشئت قوة تنفيذية خاصة، ضمت وحدات من سلاح المشاة (أحضروا من القاعدة البحرية في حيفا) ومن وحدة الحراسة، ووحدة الأشغال العامة. طيرة احتُلت بـ 16.7.48، وفي صباح نفس اليوم رفرف علم إسرائيل على إحدى البنايات الرئيسية في مركز القرية". http://www.tcarmel.org.il/odot.htm
حتى هنا كلام بلدية طيرة هكرمل.
في هذا الكتيب يمكن قراءة معلومات أخرى عن الطيرة، تم جمعها من مصادر مختلفة، بما فيها شهادات لاجئين/ات من القرية. مواد الكتيب تتمحور فقط حول أحداث النكبة في الطيرة، ولا تشمل تاريخ القرية الطويل كله.
أصدرت زوخروت هذا الكتيب بمناسبة جولة بين أنقاض القرية سيتم إرشادها من قبل لاجئين من الطيرة حتى نتعرف على القرية، ومن خلالها نتعلم عن النكبة الفلسطينية بشكل عام.
تؤمن زوخروت أن معرفة النكبة والاعتراف بها يشكّلان خطوة هامة باتجاه ردّ الغبن وبناء مستقبل متصالح مع التاريخ حتى نبني حيزاً يسمح بحياة مدنية متساوية لكل سكان البلاد ولاجئيها.       
"ذاكرات الطيرة / حيفا" هو الكتيب رقم 52 في سلسلة الكتيبات التي تصدرها "زوخروت" عن القرى والبلدات المنكوبة في هذه البلاد، وقد صدر قبله كتيبات عن المواقع التالية: صمـّيل الخليل، المنشية / عكا، معلول، طبرية، عاقر، البروة، خبيزة، كفر سبت، القبو، عيلبون، إقرث، كفر بـِرعِم، المنشية – يافا، الغبـَيـَات، سبلان، العراقيب، كفر عنان، الدامون، مسكة، السُّميرية، سمسم، الراس الأحمر، عين كارم، عجور، كويكات، أم برج، خربة اللوز، الشيخ مونـّس، المالحة، العجمي في يافا، عمواس يالو وبيت نوبا، حطين، الكفرين، الشجرة، ترشيحا، بئر السبع، جليل، اللجون، سحماتا، الجولان، اسدود والمجدل، خربة جلمة، الرملة، اللد، عكا، حيفا، عين المنسي، الحرم (سيدنا علي)، عين غزال، لفتا ودير ياسين.

زوخروت (ذاكرات)
حزيران 2012
_______________

الطيرة

طيرة حيفا وتسمى أيضاً طيرة الكرمل وطيرة اللوز، هي بلدة عربية فلسطينية احتلت عام 1948، تقع على بعد 10 كم جنوب حيفا، كان مدخلها الرئيسي يصل القرية بطريق الساحل الرئيسي، وهو اليوم المدخل الشمالي للمدينة الإسرائيلية "طيرة كرمل" التي أقيمت على موقع وأراضي القرية الفلسطينية.  
كانت القرية تنتشر على المنحدرات الغربية السفلى لجبل الكرمل, مشرفة على السهل الساحلي وترتفع 75 متراً عن سطح البحر.
كانت الطيرة من أهم قرى قضاء حيفا وكبرها من حيث عدد السكان. فقد وصل عدد سكانها عام 1948 إلى 6,113 نسمة، وعام 1945 إلى 5,270 نسمة ( 5240 مسلما و 30 مسيحيا)، وعام 1931 إلى 3,191 وكان لهم حينها 624 مسكناً.
 في سنة 1596 كانت الطيرة قرية في لواء اللجون وعدد سكانها 286 نسمة, يؤدون الضرائب على عدد من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل وكروم العنب.
أخذ اقتصاد القرية يتدهور بعد سنة 1872, في إثر التجنيد الإجباري الثقيل الوطأة الذي فرضه العثمانيون. لكن القرية عادت فازدهرت لاحقاً، وقد بنى سكانها منازلهم من الحجر. وكان شكل القرية مصلباً. اشتملت أراضيها على بضعة ينابيع, منها عين السريس في الجنوب الغربي، والعين الشرقية وعين أم قصب في الشرق، وعين عبد الله في الشمال الشرقي. يمر في أراضي الطيرة ثمانية أودية هي: وادي كفر السامر أو كفر سْمير (يسميها الإسرائيليون اليوم كفار سَمير)، وادي ريشة، وادي عمرو، وادي عبد الله، وادي العين، وادي أبو الجاع أو الجع، وادي مِسلية، وادي فلاح (اليوم حيث بيت أورن).
بلغت مساحة أراضي الطيرة 45,272 دونماً، كان لليهود فيها حوالي 15% من هذه الأراضي، وكانت ثاني أكبر قرى حيفا مساحة بعد إجزم. اعتمد اقتصادها على الحبوب والخضروات والفاكهة والأشجار المثمرة. في سنة 1943, فاق إنتاج الطيرة من الزيتون والزيت ما أنتجته أي قرية أخرى في قضاء حيفا, فقد بلغت مساحة الأرض المزروعة زيتوناً حوالي 4600 دونم في الأرض السهلية الواقعة بين القرية والبحر، وكان في الطيرة أربع معاصر، واحدة قديمة هي معصرة أبو شقرا، وثلاث معاصر زيتون آلية هي معصرة أبناء عبد الحفيظ الأحمد في الحارة القبلية، ومعصرة الحلبي في الحارة الشمالية، ومعصرة توفيق الزبن وتقع شرقي المنزول.
وكانت مساحة أراضي القرية على طول الساحل حوالي 20 ألف دونم. بالإضافة إلى الزيتون كثرت في القرية أشجار الخروب والتين والعنب والصبر، وبعض أشجار اللوز والتفاح والمشمش والرمان والتوت. وزرع أهالي الطيرة القمح والذرة والعدس والسمسم، وكذلك الخضروات على أنواعها والشمام والبطيخ.
تتصل أراضي الطيرة من جهة الشمال بأراضي حيفا وقرية بلد الشيخ، ومن الشرق تتصل بأراضي خربة الدامون وعسفيا ودالية الكرمل، ومن الجنوب تلتقي بأراضي عين حوض وعتليت، ومن الغرب البحر المتوسط.
وكان في أراضي الطيرة خمس خرب, إحداها, وهي خربة الدير, تضم بقايا دير سان بروكادوس، وبعض الكهوف التي كانت آهلة سابقاً, ونفقا من الحجارة المعقودة. وكان إلى الجنوب من القرية موقع أثري مكشوف يعود تاريخه إلى العصر الحجري.
في الطيرة مدرستان ابتدائيتان: مدرسة للبنين، مكونة من بنايتين، أقيمت على ظهر القف عام 1931, ومدرسة أخرى للبنات بنيت عام 1934 في تينة البستان. وأكمل الطلاب دراستهم الثانوية في حيفا ونابلس والقدس، ومن استطاع تابع دراسته الجامعية في مصر.  

تأسست شركة باصات الطيرة عام 1938، وفي بداية الثلاثينات امتلك أحمد كامل الناجي والحاج يوسف أبو راشد أول شاحنة نقل، وكان عدد الشاحنات بالقرية عام 1948 ثماني شاحنات، وكان فيها سيارات أجرة تعمل بين الطيرة وحيفا، وفي أواسط الأربعينات أسست مجموعة من السكان شركة "تكسيات المستقبل".
عمل عدد من أهالي الطيرة في مصانع حيفا ومينائها ومصفاة النفط ومعامل الاسمنت والتبغ وغيرها. وقد عمل عدد في معسكرات الجيش البريطاني الذي أقام حول الطيرة عدة معسكرات على أراض صادرها من السكان أنفسهم.
يقسم أهل الطيرة بلدتهم إلى حارتين رئيسيتين هي الشمالية والقبلية، وتسمى الحارة الشمالية أيضاً حارة الدير، وفي القبلية الزلاقة والقف والزاوية. حارة الزقزوق في الشرق والجامع في الغرب والمنزول في الوسط، والباشية بين المنزول والزقزوق، وكان في وسط البلد سوق عامرة.  
المنزول اسم منطقة مركز البلد، ومن اسمها يفهم أنها كانت ساحة ومضافة عامة، وكان فيها مسجد قديم ومبان أثرية. بني هذا المسجد على مبنى كنيسة قديمة، وكان قد قلّ استعماله بعد بناء مسجد حديث غير بعيد عنه. قام الإسرائيليون بهدم المسجد القديم وما حوله وأقاموا في المكان حديقة عامة محاذية للشارع المؤدي إلى المقبرة الرئيسية اسمه بالعبرية شارع "هحروب" أي الخروب. أما المسجد المركزي، فيقول لاجئو القرية، إن الإسرائيليين قد حولوه إلى كنيس اسمه " إم هبنيم" أي أم البنين، ويقع اليوم في شارع "هبلماح".

الحياة الاجتماعية

كان بالقرية نادي شباب الطيرة الرياضي، وحركة النجادة لتدريب الفروسية وكانت هذه الحركة تقوم بفعاليات اجتماعية وشاركت في الدفاع عن القرية أثناء الحروب والثورات. وأقيمت في الطيرة فرقة كشافة بقيادة مثقال بهلول.
كان بالقرية مقاه وبها أجهزة راديو تسمع الموسيقى والأخبار، وكان فيها حكواتي، ووصل القرية أيضاً مسرح دمى وكان فيها دار عرض لأفلام السينما.   

أما العائلات التي سكنت في الطيرة حتى احتلالها فهي: الأبطح، الباش، باكير، البحيري، بدر، تيّم، حجير، درباس، أبو راشد، الريان، زيدان، السعدي، سلوم، السلمان، عبد القادر، العبويني، علّوه، عمّورة، عويس، أبو عيسى، الغبن، غنام، أبو غيدا، الفار، قبيعة، أبو ليل، المحمود، مدردس، المصاروة، منصور، الناجي، يعقوب، أبو حسان، الأمين، عمرين، ذيب، العُرم، أبو سير، الحلبي، الخراب، أبو عمر، زهرة، أبو جاموس، أبو ظاهر، إدريس، أبو جراس، زبن، الجربوع، الكايد، عودة، عباس، الغرارة، حسين، آمنة، النجمة، عثمان، الخطيب، النمرود، محمود، عبد الفتاح، عباس، البطل، زيتون، عبد الحليم، كتيلة، زعكور، الزواوي، الشايب، العسل، الشبلي، غنايم، البدوي، إسماعيل، أبو يونس، الحاج، الشيخ، فرعون، بدران، بهلول، قزلي والقصيني

احتلال الطيرة

في 12 كانون الأول\ ديسمبر 1947, أغارت عصابة الإرجون (الإيتسل) بالقنابل على الطيرة, في أثناء الجولة الأولى من القتال. وقد تم ذلك في عيد الحانوكاه عند اليهود, واقترن بست هجمات إرهابية أخرى شنتها العصابة نفسها في أماكن عدة من فلسطين. ويذكر "تاريخ الهجناه" أن الغارة أدت إلى مقتل 13 شخصا في الطيرة, وكشفت صحيفة "فلسطين" عن وجود أطفال وشيوخ في جملة الضحايا. وجاء في تقرير الصحيفة أن الجماعة المغيرة كانت مؤلفة من 20 رجلاً تقريباً, وأنها اقتربت من منزل منفرد في طرف القرية وقذفته بالقنابل. ثم إن المهاجمين أطلقوا نيرانهم على المنازل قبل أن ينسلوا عائدين عبر بساتين الزيتون, إلى حيث كانت شاحنة في انتظارهم. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" وقوع عشرة جرحى فضلا عن مقتل ثلاثة عشر شخصاً وتدمير منزل واحد وإصابة عدة منازل أخرى بأضراروتذكر مصادر أخرى أن المهاجمين نسفوا بيتاً مؤلفاً من طابقين في الحارة الشمالية، تابع لعائلة حجير، وبلغ عدد الضحايا 17 شخصاً بينهم رجال ونساء وأطفال، وسلم طفل رضيع وجد بين الأنقاض

استعد أهل الطيرة للمواجهات فاشتروا سلاحاً واستدعوا متطوعين مسلحين من خارج القرية لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم. وقد خرجت بعثة من القرية ضمت يوسف أبو الحاج وحافظ النجم وعبد الله سلمان إلى مصر لطلب السلاح من الهيئة العربية العليا، وجاء السلاح بعد ذلك فاسداًوخلال الأسابيع اللاحقة, تعرضت القرية لهجمات عدة، وقام مسلحون من القرية بمهاجمة أهداف يهودية حول الطيرة. في 5 شباط\ فبراير 1948, شنت القوات الصهيونية هجوماً استمر ساعة وثلاثين دقيقة, ولم يسفر عن وقوع ضحايا, استناداً إلى بلاغ رسمي بريطاني جاء فيه أنه لم يصدر عن القرية أية ردة فعل

في 28 آذار 1948 شن المسلحون من الطيرة هجوماً على قافلة صهيونية وكبدوها خسائر كبيرة، إلى حين جاءت نجدة بريطانية فتوقفت المعركة.

في 20 نيسان حاول المقاتلون من الطيرة كذلك الوصول إلى حيفا للمساعدة في الدفاع عنها إلا أنهم لم يستطيعوا لأن الجيش البريطاني كان قد أحكم الطوق على المدينة، وفي نفس اليوم قصف مسلحون يهود القرية لعدة ساعات فاضطرت العائلات إلى الخروج من المنازل والاختباء في منطقة عراء عند باب النهروفي الصباح الباكر من 22 نيسان \ أبريل, يوم سقوط حيفا، شن هجوم كبير على الطيرة, ترافق مع هجوم الهجناه على حيفا. وكان هدف الهجوم, كما يبدو منع التعزيزات العربية من الوصول إلى حيفا

في هذه الأيام عرض جيش الإنقاذ نقل العائلات إلى الأردن، وظهرت يوم 23 نيسان زوارق في البحر تعرض نقل الناس إلى السواحل اللبنانية، فأخذت الزوارق عدداً قليلاً بينما غادر أغلب الناس بسيارات جيش الإنقاذ، وعند العفولة انقسمت القافلة على اثنتين، فغادر نصفها إلى الأردن وتوجه النصف الآخر إلى منطقة جنين ومن هناك إلى بغداد بسيارات الجيش العراقيفي هذه الأثناء بقي المسلحون في الطيرة للدفاع عنها، واحتل اليهود التلال المحيطة بالقرية ومنها الكبابير التابعة لقرية الطيرة.   

المحاولة الأولى للاستيلاء على القرية تمت بعد أيام قليلة من سقوط حيفا. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس أن الهجوم وقع في الساعة الواحدة والدقيقة الأربعين من صباح 25 نيسان\ أبريل, وأن مدافع الهاون والرشاشات استخدمت فيه. لكن سرعان ما حضرت وحدة بريطانية إلى مكان الاشتباك, وتوقف إطلاق النار. وفي زعم موريس أن البريطانيين ساعدوا في إجلاء بعض النساء والأطفال, وفي إيصالهم إلى مأمنهم. ويضيف موريس أن الهجوم استؤنف صباح اليوم التالي بعد أن غادر البريطانيون, واستمر إلى أن وصلت وحدة بريطانية أخرى في وقت لاحق من النهار, ونظمت عملية إجلاء أخرى. وجاء في صحيفة "نيورك تايمز" أن القرية قصفت قصفاً شديداً بمدافع الهاون. ونقلت الصحيفة ادعاء الهجناه أن الطيرة كانت قاعدة عربية رئيسية. وفي 5 أيار \ مايو, بذل مسعى ثالث لنقل مزيد من السكان إلى أماكن آمنة, فنقل نحو 600 شخص إلى جنين ونابلس, استناداً إلى موريس
استمرت الهجمات نحو أسبوع. وفي 13 أيار\ مايو, شن لواء ألكسندروني التابع للهجناه هجوماً مني بالفشل. ويذكر "تاريخ الهجناه" أن المحاولة باءت بالفشل, والسبب الأساسي كان عدم توفر معلومات دقيقة عن نظام العدو الدفاعي في القرية

يذكر عبد الصمد يوسف أبو راشد في كتابه أنه لما رأى الإسرائيليون أن الطيرة لا تسقط بعثوا برسالة مع أحد الأسرى يطلبون التفاوض مع المسلحين في الطيرة وحددوا الاجتماع يوم 14.7.1948 على أطراف الطيرة الجنوبية، فتوجه من الطيرة يوسف أبو راشد وأحمد أبو غيدا ونايف عبد المحمود وحسن علّوه وأحمد سليمان الصادق وسليمان حجير وكرم الفهد حامل الرسالة، واجتمعوا مع ممثلين إسرائيليين هم رئيس بلدية حيفا شبتاي ليفي وسبكتر مختار أحوزه وكريستين ضابط في الهجناه. كان الاجتماع متوتراً وفهم منه الفلسطينيون أنه مطالبون بالاستسلام. وسمعوا كلاماً من شبتاي ليفي معناه أنه من الأفضل أن يستسلموا بعد أن سقطت حيفا وأن يسلموا لهم سلاحهم ويخرجوا الغرباء من بينهم وهو يتعهد ألا يمسهم أحد بأذى. قال الوفد العربي أنهم لا يثقون بهذا الكلام ويرفضون الاستسلام. أعطى شبتاي ليفي الوفد العربي مدة ساعتين للرد على اقتراحه إلا أن مسلحي الطيرة لم يرسلوا أي جواب. عند الساعة 14:05 أي بعد انتهاء الساعتين بدأت تنهال القذائف على الطيرة من الشرق والشمال والجنوب، وقصفت طائرات من الجو. فقتل سبعة رجال وثلاثة أطفال واضطر المقاتلون والعائلات إلى النزوح عن الطيرة، وظلت القرية محاصرة لمدة يومين دخلت بعدها القوات الإسرائيلية القرية في 17.7.1948.  

سقطت القرية, بحسب ما جاء في "تاريخ الهجناه", في 16 تموز\ يوليو خلال معارك الأيام العشرة التي فصلت بين هدنتي الحرب. ويشير كلام هذا المصدر إلى أن احتلال الطيرة وغيرها من القرى في قضاء حيفا, مثل كفر لام والصرفند كان بليغ الدلالة إذ استعين فيه لأول مرة بنيران القوات البحرية لمساندة القوات البرية. وكان الهجوم على الطيرة جزءاً من عملية بحرية أوسع نطاقاً, أسفرت عن احتلال كفر لام والصرفند في الوقت نفسه. فقد قصفت السفينة الحربية، إيلات، القرية قبل أن تتحرك القوات البرية لاحتلالها. أما السكان الذين كانوا لا يزالون فيها, والذين صمدوا تحت الحصار مدة تزيد على الشهرين, فقد طردوا في معظمهم إلى مثلث جنين، نابلس، طولكرم, أو احتجزوا في مخيمات أسرى الحرب, وذلك استنادا إلى بني موريس

ويذكر أهل القرية أن حوالي 300 -400 شخص من اهل الطيرة كانوا يختبئون في مغارة على سفح جبل قرب البلد يسمى عراق الشيخ، وبعد أن دخل الإسرائيليون الطيرة أجبروهم على النزول من الجبل، جمعوهم في ساحة المنزول بمركز البلد ثم حملوهم في شاحنات إسرائيلية ونقلوهم دخول إلى منطقة رمانة وأمروهم بالتوجه إلى منطقة جنين
ويبدو أن بعض سكان الطيرة لجأ إلى قرية عين غزال المجاورة إذ ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربية أن 28 شخصا من لاجئي الطيرة أحرقوا أحياء هناك في أواخر تموز\ يوليو. غير أن وسيط الأمم المتحدة, الكونت فولك برنادوت , صرح أن مراقب الأمم المتحدة زار المنطقة في 28 تموز\ يوليو ولم يجد أي دليل يدعم ادعاء وقوع المجزرة. ويورد موريس الردّ الإسرائيلي بأن الأجساد المحروقة في عين غزال إنما هي جثث وجدت في حال متقدمة من التعفن فأحرقها الجنود الإسرائيليون. وهو يضيف أن ليس هناك دلائل تشير إلى المكان الذي جاء هؤلاء الأشخاص منه, أو إلى كيفية موتهم.

وحول حادثة أخرى، أفادت الشاهدة رحمة إبراهيم الحاج التي استدعيت إلى نابلس للمثول أمام مراقبي الهدنة بالآتي:" عندما وصلنا شرقي اللجون قال اليهود: انزلوا من الباصات، وكل واحد يجلس على صرة ملابسه على شكل دائرة. كنا في غاية العطش وطلبنا الماء، قال اليهود بالعربية: انتظروا، وذهبوا في اتجاه الباصات وعاد كل واحد منهم يحمل تنكة وبدأوا يصبون محتوياتها على الصرر وعلى العجزة، ثم أشعلوا النار فيهم وذهبوا. كنت أصغر وأقوى من البقية، فلما شممت أن السائل بنزين وليس ماء، هربت إلى الجهة البعيدة عن النار وجريت واختبأت تحت صخرة إلى الصباح، وكنت أرى النار مشتعلة والناس يصرخون ويستغيثون، وفي الصباح ذهبت إلى مكان المحرقة، وعندما وقع بصري على عدة جثث متفحمة، استبد بي الرعب، فلم أبق لحظة واحدة لأعدهم. وجريت إلى أن وصلت إلى قرية زلفة حيث وقعت على الأرض من الرعب والإعياء. اعتنى بي أهالي القرية ثم أخذوني إلى جنين".

منشور إسرائيلي موجه إلى عرب الطيرة (1948) يهددهم بنكبة

القرية اليوم

تحتل مدينة طيرة كرمل الإسرائيلية موقع القرية. هدم الإسرائيليون كل مباني الطيرة سوى بعض المنازل التي ما زالت ماثلة للعيان، تسكن عائلات إسرائيلية بعدد قليل منها، ويستعمل بيت المختار عبد الله سلمان كمركز شرطة. ما زال مبنى المقاهي موجوداً، اليوم بتقاطع شارع "هعتسمئوت" (الاستقلال) وشارع "هبلماح"، ويستعمل جزء منه كمشغل وجزء آخر تابع للكنيس "إم هبنيم" المجاور القائم في المسجد

كان في الطيرة عدة مقابر، هدمها الإسرائيليون كلها ما عدا المقبرة المركزية، التي تجرى حولها في هذه الأيام أعمال شق شارع وبناء حي سكني إسرائيلي جديد لمدينة طيرة كرمل، وحسب اللافتة المنصوبة بالمكان سيتم إنشاء حديقة "وطنية" بالمنطقة، ويتم بناء جدار يشكل فاصلاً بين الشارع المحاذي وبين المقبرة بناء على طلب بعض لاجئي القرية الذين أصروا على متابعة الأمر. تنتشر المقبرة على ثلاثة أجزاء منفصلة يمر فيها واد جاف وطريق صغير شق حديثاً. المقبرة  نظيفة نسبياً لكن عدداً من القبور مهشم وحجارتها مبعثرة.(انظروا صورة الغلاف الخلفي)

المبنى المركزي لمدرسة الطيرة يستعمل كمدرسة إسرائيلية وأصبح جزءاً من مدرسة كبيرة اسمها مدرسة "شيفمان"، أما المبنى الآخر من المدرسة والذي كان قبل النكبة مدرسة للصفوف الدنيا (أول وثان) فهو مبنى مهجور ومهدوم جزئياً. وما زال مبنى مدرسة البنات موجوداً في مركز المدينة الإسرائيلية ويستعمل كدكان.

سفح الجبل الذي قامت عليه معظم بيوت الطيرة يزخر بركام المنازل المهدمة وتكثر فيه أشجار الصبار، ويشاهد فيه مقام تعلوه قبة.  

بالإضافة إلى مدينة طيرة هكرمل، أنشأت إسرائيل على أراضي القرية كيبوتس هحوتريم في حزيران\ يونيو 1948, جنوبي موقع القرية. وبعد عام, أقيم موشاب مجديم. وفي سنة 1952, بنيت مدرسة زراعية كفار جليم على أراضي القرية, ثم ألحقت بها بيت تسفي في سنة 1953.، واقيمت مصانع :البت" للكترونيكا عند باب النهر، حيث يقام أيضاً ملعب كرة قدم جديد هناك، حي كفار سمير ومجمع تجاري حيفا بمنطقة كفر سمير، وفندق المريدان في منطقة العزيزية.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر 

عبد الصمد الحاج يوسف أبو راشد، طيرة الكرمل - الأرض والإنسان، الأردن، 1993

עבד אלסמד אלחאג' יוסף אבו ראשד, טירת אלכרמל – האדמה והאדם, ירדן, 1993. (ערבית)

مصطفى كبها، من دفاتر النكبة (18): طيرة الكرمل: حكاية نضال وصمود وتهجير، في الموقع الإلكتروني www.arabs48.com/


لتحميل الملف