"ما هو غائب" معرض صور فريد يعرض هذه الأيام في تل أبيب، لكنه يفضح بالصورة الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني عام 1948 ويوثق ما تسعى لطمسه. ويوثق المعرض المقام في مقر منظمة "يذكرن" الإسرائيلية لأربعمائة قرية فلسطينية دمرتها إسرائيل عام 1948، وهو نتاج المصورتين اليهوديتين إل بلاندرس وتميرا سويتسكي اللتين تجمعان روايات شفوية أيضا. و"يذكرن" منظمة إسرائيلية تأسست في 2001 وتعنى بتعميم الرواية التاريخية الفلسطينية على اليهود وترى باعترافهم بمسؤوليتهم في النكبة وبعودة اللاجئين شرطا أساسيا للمصالحة والسلام. وتتميز معظم صور القرى الفلسطينية بإبرازها لهويتها الوطنية، ما يذكر بملامحها الباقية رغم المحاولات الإسرائيلية لطمسها بوسائل شتى كبناء المستوطنات وزرع غابات على أنقاضها.

 فالصور على سبيل المثال تعكس كيف تطل البيوت الحجرية وأشجار الصبّار والزيتون والتين من بين غابات الإكيليبتوس والصنوبر التي زرعتها الوكالة اليهودية.

ويهدف المعرض لترميم صورة القرى المدمرة في إطار مشروع أرشيف بصري آني مختلف عن فكرة الأرشيفات الإسرائيلية الرسمية.

وتشير إيل بلاندرس إلى أنها بعدستها وبمساعدة حركة "يذكرن" تطرح أمام الإسرائيليين والأجانب "ذاكرة مضادة" تفضح الرواية التاريخية الصهيونية.

بداية المشوار
وتكشف إيل بلاندرس أنها قدمت للبلاد مهاجرة من كندا عام 1971 مع عائلتها وأنها مرت في الرحلات المدرسية والعائلية بمحاذاة القرى الفلسطينية المدمرة، لكن هذه لم تكن قائمة في الخرائط أو في لافتات الطرق.

وتشير بلاندرس -وهي منتجة أفلام وفنانة تعد لنيل درجة الدكتوراه بالفنون في جامعة يورك الكندية- في حديثها للجزيرة نت إلى أن اكتشافها للحقيقة بدأ عام 1991 حين نبهها سائق تاكسي إلى أن غابة أشجار السرو والصنوبر تغطي أطلال قرية فلسطينية دمرت وهجر أهلها عام 1948.

وتنوه إلى أنها شرعت بعد ذلك اليوم في البحث عن الحقيقة لتوثيقها بعدستها سوية مع صديقتها تميرا سويتسكي حتى تبلور أرشيف صور خاصا يشمل مئات الصور للقرى والمواقع الفلسطينية.

مساعدة الفلسطينيين
وبعد تجواله بتورنتو ونيويورك وبرلين يعرض معرض "ما هو غائب" في إطار ما تسميه بلاندرس  "أستوديو الناس" الذي يلف العالم منذ 15 عاما.

وردا على سؤال الجزيرة نت تقول المهندسة تميرا سفاتسكي إن الحقيقة والدوافع الإنسانية والسياسية هي التي تحركها وزميلتها لمواصلة التوثيق، منوهة بأن معارض الصور تساهم في كشفها للعالم ومساعدة الشباب الفلسطينيين في الشتات لتعرّف مواطن آبائهم.

وأشارت إلى أنها التقت لاجئين فلسطينيين في الولايات المتحدة وكندا وأميركا الجنوبية هجرتهم الصهيونية هم وأهاليهم من فلسطين، وتوثق روايات شفوية كثيرة حول الاحتلال والقتل والاغتصاب والتهجير.

ومن الروايات الشفوية التي جمعتها تشير على سبيل المثال إلى أنها رافقت سعاد، وهي فتاة أميركية من أصل فلسطيني، من قرية كولا قضاء الرملة وتأثرت لوقوفها فوق أطلال بيت والدتها قبل أن يتحول لركام.

وتنقل عن سعاد قولها إن قلبها خفق تأثرا بالعودة لديار الأجداد، لكنها شعرت بالاغتراب وهي محاطة بأشجار الصنوبر بدلا من الزيتون التي تشكلت في مخيلتها بفعل روايات الأهل، واكتفت سعاد بهذه الإجابة المقتضبة وأصيبت بالخرس.

كما تروي عن الزوجين هناء ومحمود وهما لاجئان في رام الله ساعدتهما بزيارة قريتها وادي حنين التي أقيمت على أنقاضها مستوطنة "نس تسيونة" وحوّل مسجدها لكنيس.

وتقول إنه "رغم استعانتها بصور تاريخية لم تتمكن من مساعدة الأسرة في العثور على بيتها وعلى شجرة التوت في ساحته فشاطرتها الحزن".

"يسرقون ذاتهم"
كما تشير سفاتسكي إلى أنها رافقت أم وليد، وهي فلسطينية عائدة لزيارة قرية الرأس الأحمر (مستوطنة كيرم زيمرا) شمال البلاد الصيف الفائت، وأن الزيارة جعلتها تشعر بجرح عميق.

وتنوه بأن يهوديا هاجر من رومانيا اعترف أمامهما في الرأس الأحمر بأنه كان كحارس يطلق النار في السنوات الأولى بعد النكبة على أهالي القرية أثناء محاولتهم التسلل لسرقة أشياء هي أصلا تعود لهم. وتتابع "بكت أم وليد وبعد الزيارة نقلت للمستشفى وتوفيت في الأردن قبل أسبوعين من افتتاح هذا المعرض".

وفي روايتها الموثقة تستذكر الحاجة عطرة حسين أم فؤاد (87 عاما) المقيمة في قرية دير حنا داخل أراضي 48 قصف الطائرات الإسرائيلية منازل قريتها المهجرة، الصفصاف (قضاء صفد) عشوائيا عام 1948.

وتضيف أم فؤاد "في تلك الليلة لم يتناول أحد عشاءه، تناوبت الطائرات والمدافع على قصف الصفصاف بالنار، فهربنا لبيت أختي ونمنا ملتصقين لشدة الخوف، كنا معرضين للموت في كل لحظة وأجسامنا ترتجف لدوي الانفجارات، فيما كانت أمي تطلب منا ترديد آيات قرآنية".