مقدمة

رغم صغرها وبساطتها، ها هي قرية ياجور تعلمنا درساً هاماً في تاريخ النكبة الفلسطينية. كانت ياجور ضحية لأطماع الحركة الصهيونية التي تلاقت مع أطماع إقطاعيين عرب.  كانت ياجور جزءاً من أرض اشتراها التاجر اللبناني سرسق من الحكومة العثمانية عام 1872، وكان أهالي القرية يفلحون الأرض ويتقاسمون المحصول بنسبة متفق عليها مع سرسق. كانت هذه الظاهرة معروفة في فلسطين حيث لم يكن بمقدور الفلاحين امتلاك الأراضي بشكل رسمي بسبب الضرائب الواجب دفعها للحكومة العثمانية.

كانت الحركة الصهيونية، عندما تنجح بشراء أراض من الإقطاعيين، تدعي أن الفلاحين الذين يعيشون على تلك الأرض لا يملكون حينها أي حق عليها، لأنهم مجرد مستأجرين عند صاحب الأرض وقد انتهت وظيفتهم مع تغير مالك الأرض، وكثيراً ما نجحت بطردهم تحت هذا الادعاء. هذا تصرف مناسب لمستعمر يريد الاستيلاء على الأرض بأي شكل، فلا ينظر إلى الحق الأخلاقي والعملي لإنسان على أرض سكنها وفلحها على مدى عشرات السنين وأحياناً مئات السنين، ولا يصغي لشهادات الفلاحين بأن الإقطاعي الفلاني قد وهبهم أو باعهم البيت وقطعة الأرض التي يعيشون عليها. وهذه ظاهرة تردد ذكرها في أكثر من مقابلة مع لاجئين فلسطينيين.

أهالي ياجور يؤكدون على وجود هذه الظاهرة، من خلال مستندات يحملونها تثبت أنهم امتلكوا رسمياً قسماً من أرض قريتهم من سرسق نفسه وبناء على قرار من محكمة بريطانية من عام 1945. لم تشفع هذه المستندات بشكل فعلي لأهالي ياجور أمام الآلة الصهيونية، ولكنها بلا شك وثائق تاريخية في غاية الأهمية تضيء جانباً من قضية فلاحي فلسطين وعلاقتهم مع الأرض التي فلحوها حتى بداية النكبة وإن لم تكن مسجلة رسمياً باسمهم، وأن ذلك لا ينقص من حقهم في العودة إلى وطنهم وأراضيهم، كما تروج الدعاية الصهيونية.

في هذا الكتيب يمكن الاطلاع على تاريخ ياجور ونكبتها من خلال المستندات والخرائط المرفقة، ومن خلال مقابلات مع لاجئين من القرية في الجليل والأردن. كما يمكن التعرف على وضع القرية اليوم من خلال الصور والمعلومات التي أضافتها للموضوع الزيارات الميدانية التي قام بها طاقم "زوخروت" في موقع القرية مؤخراً. يقوم هذه الكتيب الذي أصدرته زوخروت بإحياء ذكرى ياجور وتوثيق ماضيها وحاضرها ليشكل ذلك دعوة للاعتراف بالنكبة الفلسطينية، من قبل العالم ومن قبل الإسرائيليين خاصة، ويكون خطوة نحو دفع الخطاب حول تطبيق العودة للاجئين الفلسطينيين كحق إنساني أساسي، وكخطوة سياسية لا مفر منها لحل قضية فلسطين وتحقيق السلام على هذه الأرض. 

"ذاكرات ياجور" هو الكتيب رقم 54 في سلسلة الكتيبات التي تصدرها "زوخروت" عن القرى والبلدات المنكوبة في هذه البلاد، وقد صدر قبله كتيبات عن المواقع التالية: البصّة، الطيرة / حيفا، صمـّيل الخليل، المنشية / عكا، معلول، طبرية، عاقر، البروة، خبيزة، كفر سبت، القبو، عيلبون، إقرث، كفر بـِرعِم، المنشية – يافا، الغبـَيـَات، سبلان، العراقيب، كفر عنان، الدامون، مسكة، السُّميرية، سمسم، الراس الأحمر، عين كارم، عجور، كويكات، أم برج، خربة اللوز، الشيخ مونـّس، المالحة، العجمي في يافا، عمواس يالو وبيت نوبا، حطين، الكفرين، الشجرة، ترشيحا، بئر السبع، جليل، اللجون، سحماتا، الجولان، اسدود والمجدل، خربة جلمة، الرملة، اللد، عكا، حيفا، عين المنسي، الحرم (سيدنا علي)، عين غزال، لفتا ودير ياسين.


عمر الغباري - زوخروت (ذاكرات)
كانون أول 2012

____________

ياجور

كانت القرية تقع على المنحدرات السفلى لجبل الكرمل، بلغت مساحة مسطحها المبني 18 دونماً، تبعد 8 كيلو متر للجنوب الشرقي عن حيفا ونحو  كيلومترين عن بلد الشيخ. ترتفع حوالي 25 متراً عن سطح البحر. كان طريق حيفا- جنين العام يمر إلى الشمال الغربي منها. كانت ياجور واحدة من قرى عدة باعت الحكومة العثمانية أراضيها لتاجرين لبنانيين، هما سرسق وسليم الخوري، في سنة 1872، وكان سكان القرية يعملون عند هذين التاجرين في أراضي القرية مقابل نسبة من المحصول. ثم باع هذا التاجران، بدورهما، الأراضي للمنظمات الصهيونية، وتبقى للسكان العرب هناك 344 دونماً. بعد صفقة البيع لليهود طالب سكان ياجور ونجحوا بالحصول على ملكية الأراضي التي يسكنون عليها ويفلحونها لأنفسهم. أنشأ اليهود سنة 1922 كيبوتس يَجور على الأراضي التي اشتروها من سرسق والخوري، وبقي السكان الفلسطينيون على أراضيهم. 

كان عدد سكان ياجور العرب في أواسط الأربعينيات حوالي 610 أشخاص، منهم 560 مسلماً و50 مسيحياً، وكانت منازلهم تنتشر على منحدرات الجبل. في 1944/1945، كان ما مجموعه 261 دونماً مخصصاً للحبوب، و57 دونماً مروياً أو مستخدَماً للبساتين؛ منها 42 دونماً للزيتون. وأقام عدد من سكان القرية جمعية تعاونية للمياه فحفروا بئراً وامتلكوا مضخة لسحب المياه الجوفية وسهلوا وصول الماء للقرية وللأراضي الزراعية. ويقدر عدد سكان القرية عام 1948 بحوالي 700 نسمة. وفي عام 1931 كان في القرية 291 منزلاً. كان في القرية مسجد واحد ولم يكن بها مدرسة. جهاز التعليم كان أساسياً جداً على شكل كتّاب يتعلم فيه الأطفال أسس اللغة والحساب وحفظ القرآن. وتقع القرية في موقع أثري عثر في أنحائه على قطع فخارية وشظايا زجاجية، وأُسس أبنية، وقبور تضم توابيت حجرية.

احتلال القرية

احتلّت ياجور في جملة ما احتل من القرى المجاورة لحيفا، بعد سقوط المدينة مباشرة. فبعد أن شنّت الهجناه هجوماً واسعاً على بلد الشيخ، وهي قرية كبيرة تقع إلى الشمال الشرقي من ياجور مباشرة، قرر السكان ألاّ ينتظروا هجوماً مماثلاً عليهم. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بين موريس أن السكان نزحوا عن القرية في 24 أو 25 نيسان/ أبريل 1948، بعد مرور يومين على احتلال حيفا. وأوردت صحيفة ((نيويورك تايمز)) نباً وقوع هجوم عسكري مباشر على القرية في الوقت نفسه. وكتب مراسل الصحيفة نفسها أن ياجور احتُلّت في جملة القرى ((المتحكمة)) في المشارف الشرقي لحيفا، في 24 نيسان/أبريل، لـ((إقامة منطقة واقية، وحماية حيفا من الهجمات المضادة)). وبعد احتلال هذه القرية وجهت الهجناه أنظارها شمالاً، نحو عكا.

ياجور اليوم

لم يبق من أثر للمنازل في الموقع، الذي بات موسوماً بكثير من أشجار الزيتون وبعض أشجار التين. ما زالت المقبرة موجودة وتحظى بالصيانة من الجمعيات الفلسطينية ومهجري القرية الذين لجأ بعضهم للسكن في قرى ومدن الجليل. وتحتل معامل الأسمنت جزءاً من الأراضي المحيطة، بينما يحتل كيبوتس يَجور أجزاء أُخرى من الأرض ويستخدمها للزراعة. وقد أنشأت بلدية نيشر في السنوات الأخيرة نادياً رياضياً "سبيس: نيشر – كرمل" على موقع قرية ياجور وبمحاذاة مقبرتها التي ما زالت موجودة في الموقع. كما ذكر أعلاه، أنشأ اليهود كيبوتس يجور عام 1922 على أراض كانت تابعة تقليدياً للقرية. وفي منتصف الطريق بين قرية ياجور وكيبوتس ياجور ما زالت غرفة مضخة الماء قائمة.




لتحميل الملف