في يوم 14.4.2013، اقترحت عليّ عنات بروت، مرشدتي بكلية "سيمنار هكيبوتسيم" أن أعطي درسًا عن النكبة التي يحلّ ذكراها في 15.05. كنت سعيدة جدًّا بهذا الاقتراح ووافقت بدون أي تردد. شعرت برضًى وسعادة لتلك الفرصة التي أتيحت لي. كنت بحاجة ماسة لاقتراح كهذا بعد مرور "عيد الاستقلال" الإسرائيلي. بدت فرصة عظيمة أن أشرح لزميلاتي في الدراسة حول موقفي وشعوري من "يوم الاستقلال".

أخبرت عائلتي وأصحابي بالاقتراح. كان جميعهم مصدومين ولم يصدقوني. كانت مفاجأة كبيرة لهم، وأعترف أنها كانت مفاجأة  لي أيضًا. لم نكن نتوقع أن مؤسسة أكاديمية بتل أبيب تريد فتح هذا الموضوع المشحون، موضوع النكبة. حتى الآن، لم يتعامل أيّ من عائلتي مع هذا الوضع المعقد - شرح عن النكبة للإسرائيليين. لم نكن متأكدين عن كيفية فهمهم بأن اليوم الذي يحتفلون به، هو يوم مأساوي بالنسبة لنا. بدلًا من الخروج للاحتفال نذهب للمظاهرات والمسيرات!

خلال التحضيرات للمحاضرة كان لدي الكثير من الحيرة. هل الدرس الذي سأمرره سيؤثر على علاقتي مع سائر الطالبات اليهوديات؟ كيفية بناء المحاضرة؟ إلى أي حد أخوض بالموضوع؟ هل ستؤثر المادّة التي سأعرضها على موقف الطالبات من الموضوع؟. تحدّثت مع عنات عن الشكوك التي تراودني، إلا أنها قامت بدعمي ودفعتني للمضي قدمًا.

هذا موضوع مشحون ذو روايتين (على الأقل). الرواية السائدة في إسرائيل، تتجاهل النكبة، ورواية تعترف بها ككارثة كبيرة وذات شأن عظيم. قررت عرض النكبة من خلال الاعتماد على مصادر إسرائيلية – يهودية فقط، تحديدًا، المؤرخين الجدد مثل إيلان ببه, بني موريس وآخرين. اعتمدت أيضًا على مواقع انترنت وصحف ومجلّات. واعتمدت كثيرًا على موقع جمعية ذاكرات- زوخروت. لقد اخترت هذا الطريق لتعزيز موثوقية ومصداقية عرض الأمور. ظننت بان هذا الأسلوب سيتيح  لصديقاتي اليهوديات رؤية أفضل بأن النكبة ليست "فقط رواية فلسطينية", إنما هنالك دراسات لإسرائيليين يعترفون بها.

إنها أول محاولة لي لإلقاء محاضرة أمام يهود حول النكبة. وعلى الرغم من أنني أعرف جميع صديقاتي في الصف منذ سنتين إلا أني كنت مضغوطة مع اقتراب الدرس. خشيت من ردود فعلهن، ومن كيفية تقبلهن رواية الآخر. كان من المهم لدي الحفاظ على علاقات جيدة معهن، وخفت أن تسبب هذه المحاضرة خدشًا بالعلاقة الوطيدة بيننا.

أبناء عائلتي، أصدقائي والمرشدة حذّروني مسبقـًا، وبسبب كون الموضوع مشحونًا، أن تقوم  بعض الطالبات بمضايقتي عبر أسئلة وحجج صعبة أثناء عرضي للموضوع. أثاروا أيضًا الاحتمال بأن الدرس قد يضرّ بالعلاقة الشخصية بيننا. رغم ذلك، حظيت بالتشجيع والمساعدة في إعداد المحاضرة من قبل الجميع.

كان من المهم لديّ تمرير الأمور بطريقة جدّية وغير مستفِزّة، لذلك بنيت المحاضرة بالشكل التالي:في الافتتاحية قرأت قصيدة محمود درويش "سجل أنا عربي" باللغتين. عقب قراءتي ساد غرفة الصف صمت تامّ. لم تنبس أيّ طالبة بأيّ كلمة. هذا الصمت أدخلني إلى المزيد من التوتر والقلق.

في المرحلة الثانية عرضت تقديمًا يصف الوضع بفلسطين عام 1947. وكان فيه تطرق إلى المدن، الثقافة، الاقتصاد، المساحة وعدد السكان مع مقارنة مع الوضع فورًا بعد قيام دولة إسرائيل. لم يتضمن العرض الجانب العاطفي والشخصي. كانت بمثابة محاضرة أكاديمية بحتة اعتمدت على مصادر إسرائيلية. الصمت استمر أيضًا بعد هذا العرض.

في المرحلة الثالثة أجرينا حوارًا مفتوحًا وأنا أدرك مدى الجهل عند قسم من الطالبات حول تاريخ النكبة. تطوّر نقاش لاذع وموضوعيّ بين الطالبات أنفسهن، بالتحديد حول هذا الجهل. تساءلن لماذا لم نعلم بكل هذا؟ لماذا لم يعلمونا التاريخ الصحيح؟ كيف من الممكن تصحيح هذه المأساة؟ كيف من الممكن نقل هذا التاريخ بصورة سهلة وموضوعية لطلاب المدارس؟. أغلب الطالبات لم يعلمن عن المؤرخين اليهود الجدد وعن الأبحاث الإسرائيلية حول موضوع النكبة. عرضت أمامهن موقع "زوخروت - ذاكرات" كمصدر مهم، سجلت عنوان الموقع على اللوح. قسم من الطالبات سمعن عن جمعية ذاكرات، والقسم الآخر طلبن تفاصيل أكثر حول الجمعية. كان اهتمام خاص بكتاب بني موريس "1948".

في نهاية المحاضرة توجهت إليّ صديقاتي وشكرنني على هذه المحاضرة القيّمة وعلى المعلومات الذي أضفتها لهن وطلبن المزيد من المصادر والأبحاث حول الموضوع. تلقيت أيضًا الكثير من الثناء من أفراد عائلتي، فقد فرحوا جدًّا من الخطوة التي قمت بها، شعروا بفخر لنجاحي بنقل موضوع النكبة - الذي يشكّل أمرًا مهمًا جدًا لنا كفلسطينيين- إلى الإسرائيليين وبصورة موضوعية وناجحة. 

أنا فرحة جدًّا لاختياري الدراسة في كلية "سيمنار هكيبوتسيم" لأنها تعطي حرية التعبير لكل الآراء. لحسن حظي أيضًا أني حظيت بمحاضِرة مشجعة، داعمة وصادقة. أنا أشكرها على كل هذا لأنه من دونها لم أكن أحظى بفرصة كهذه. 

أوجه شكري لجمعية ذاكرات- زوخروت التي توجهت إليّ لنشر هذا المقال. راودني تردّد حول نشر المقال باسمي أم بدونه. بالرغم التخوف والحيرة، قررت أن انشره باسمي لكي أساهم بتعليم موضوع النكبة ولأكون مثالًا للآخرين للتعبير عن رأيهم بكل موضوع، حتى لو كان مشحونًا. أنا متأكدة أن هذا سيساهم وسيساعد لفهم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.