مقدمة الكتيب

يسكن القسم الأكبر من لاجئي صرعة في مخيم قلنديا للاجئين قرب رام الله، ويتوزع الباقون بين بيت لحم وبيت ساحور ومخيم العروب شمالي الخليل، كما ويسكن عدد كبير في الأردن. ومنذ تهجيرهم عام النكبة تمنع دولة إسرائيل عودتهم إلى وطنهم وقريتهم، ضاربة عرض الحائط القرارات الأممية والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية بهذا الشأن. لا بل وقامت إسرائيل باتخاذ قرارات وإجراءات عنيفة لمنع عودتهم، ورسمت سياسة ممنهجة لهذا الهدف، ولم تستحِ بناءً على هذه السياسة من هدم منازل اللاجئين والاستيلاء على أملاكهم.

هذا الكتيب، يعطي نبذة عن قرية صرعة في الماضي، ويعرض حالتها في الحاضر، ويصبو إلى تصوّرها في المستقبل. جمعنا فيه معلومات وجدناها في الأبحاث والكتب المختلفة، ومقابلات مع لاجئين ولاجئات من القرية، وخرائط تثبت كينونة القرية، وصورًا قديمة تظهر أجزاء من منازل صرعة قبل الهدم، وصورًا حديثة تعكس وضعها اليوم ووضع مشاريع التهويد لمعالمها وطمس هويتها الفلسطينية من قبل المؤسسة الإسرائيلية ومن قبل مواطنين إسرائيليين. كما يتطرق الكتيب إلى سياسة التهجير التي اتُّبعت عام 1948 سواء من قبل متخذي القرار السياسيين والعسكريين أم من قبل مواطنين شاركوا في تنفيذ هذه السياسة.

تهدف "زوخروت" من وراء هذا العمل إلى توعية الجمهور بأحداث النكبة الفلسطينية ومطالبة الجمهور الإسرائيلي بالاعتراف بها، والعمل على تصحيح الغبن التاريخي من خلال منح اللاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة.  

تماشيًا مع هذه الرؤيا، جاءت المبادرة لتنظيم هذا النشاط لقرية صرعة من قبل ميخائل كمينر، ابن كيبوتس تسورعه، الذي يشرح في مقال كتبه للكتيب عن دوافعه وأهدافه.

"ذاكرات صرعة" هو الكتيب رقم 59 في سلسلة الكتيبات التي تصدرها "زوخروت" عن القرى والبلدات المنكوبة في هذه البلاد، وقد صدر قبله كتيبات عن المواقع التالية: حدثا، الرويس، ميعار، بلد الشيخ، ياجور، البصّة، الطيرة / حيفا، صمـّيل الخليل، المنشية / عكا، معلول، طبرية، عاقر، البروة، خبيزة، كفر سبت، القبو، عيلبون، إقرث، كفر بـِرعِم، المنشية – يافا، الغبـَيـَات، سبلان، العراقيب، كفر عنان، الدامون، مسكة، السُّميرية، سمسم، الراس الأحمر، عين كارم، عجور، كويكات، أم برج، خربة اللوز، الشيخ مونـّس، المالحة، العجمي في يافا، عمواس يالو وبيت نوبا، حطين، الكفرين، الشجرة، ترشيحا، بئر السبع، جليل، اللجون، سحماتا، الجولان، اسدود والمجدل، خربة جلمة، الرملة، اللد، عكا، حيفا، عين المنسي، الحرم (سيدنا علي)، عين غزال، لفتا ودير ياسين.

زوخروت (ذاكرات)
أيلول 2014

-------------------

صَرعة - نبذة تاريخية
قرية عربية فلسطينية مهجّرة تقع على بعد 25 كيلومترًا إلى الغرب من القدس، وحوالي 28 كيلومترًا جنوب- شرق الرملة. احتلّتها القوات الإسرائيلية في تموز 1948 وطردت أهلها وهدمت منازلهم.  كانت القرية تقع على تل ناتئ يرتفع 370 مترًا عن سطح البحر. كانت طريق ممهدة طولها 2 كلم تصلها بالطريق الرئيسي المعبّد بين بيت جبرين وباب الواد. وكانت طريق ممهدة أخرى تصل القرية لمحطة القطار في عرتوف على سكة حديد يافا – القدس جنوب صرعة. وهناك طرق ترابية ممهدة كانت تربطها بالقرى المجاورة مثل دير رافات وإشوَع وعرتوف والمستعمرة اليهودية هار- طوب وبيت جيز وبيت سوسين وعِسلين ودير أبان وغيرها.

نشأت صرعة في العهد الكنعاني وقد ذُكرت في رسائل تل العمارنة في مصر من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويبدو أنّ اسمها كان حينذاك صُرعه Zorah، وورد ذكرها في العهد القديم ياسم تصورعه وأنها كانت ضمن أراضي سبط يهوده ومحاذية لحدود سبط دان. وعُرفت في العهد الروماني باسم صريا Serea. من المتبع لفظ اسمها بالعربية صَرعة بفتح الصاد إلّا أنّ خرائط بريطانية وفرنسية من القرن التاسع عشر – وهي عادة ما تنقل الاسم العربي بشكل دقيق- ذكرت الاسم على أنه صُرعة Sur’ah بضم الصاد.  في سنة 1596، كانت صرعة قرية في ناحية الرملة (لواء عزة)، وعدد سكانها 94 نسمة، يؤدون الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل. وقد ذكر عالم الكتاب المقدس إدوارد روبنسون أنه مر بالقرية سنة 1841، بعيد مغادرته قرية اللطرون الواقعة على طريق القدس- يافا العام. وقد وصف المساحون البريطانيون، الذين وضعوا كتاب "مسح فلسطين الغربية"، في أواخر القرن التاسع عشر، صرعة بأنها قرية قائمة على تل من الصخر الطباشيري الإيوسيني الأبيض، أجرد قليل الارتفاع. وكان يقع في الجهة الجنوبية من القرية مقام النبي صامت أو كما يسميه أهل صرعة الشيخ صامت. ويعتقد البعض، خاصة من اليهود، أن هذا هو قبر شمشون الجبّار المذكور في التوراة والذي تقول الأساطير أنه عاش في القرية.

كانت صرعة مقسمة إلى ثلاثة أحياء. وفي كل حيّ كانت المنازل المبنية بالطين والحجارة متراصّة، وتفصل بينها أزقة ضيقة متعرجة، وكانت بضعة دكاكين تتوسط كلّ حي من الأحياء الثلاثة. كانت مساحة المنطقة السكنية للقرية عام 1945 حوالي 8 دونمات فقط. كان سكان القرية من المسلمين، يعملون أساسًا في الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار وعلى مياه الري التي تُجلَب من ينابيع تقع في بطن الوادي. وكان أهمّ محاصيلهم الحبوب والزيتون والفاكهة.

تبلغ مساحة أراضي صرعة 4,967 دونمًا. في 1944\1945، كان ما مجموعه 2979 دونما مخصصا للحبوب، و194 دونما مرويًّا أو مستخدمًا للبساتين. وكانت بساتين الزيتون تغطي 115 دونما وتتركز في الأراضي الشرقية بينما تركزت أشجار الفاكهة في الجهة الشمالية، ونمت الغابات والأعشاب البرية على المنحدرات الغربيّة والشرقيّة. تطلّ صرعة على وادي الصرار الذي يجري على بعد 2 كلم إلى الجنوب منها.

بلغ عدد سكان صرعة عام النكبة حوالي 400 نسمة، ولهم 94 بيتًا. وكان عددهم عام 1945 - بناء على إحصائيات بريطانية- 340 شخصًا. وفي عام 1931 وصل عددهم إلى 271 وفي عام 1922 إلى 205 أشخاص. في سنة 1875، قدر عدد سكان القرية بنحو 400 نسمة. وذكرت معطيات عثمانية أن عددهم عام 1596 كان 94 شخصًا.

كانت صرعة موقعًا أثريًّا فيه كهوف وقبور، وصهاريج منقورة في الصخر، ومعصرة. وكان يقع جنوب شرق الموقع خربة الطاحونة (147130)، وهي تضم أطلال بناء مبني بحجارة مربعة منحوتة، وأسس أبنية تدل على عراقة الموقع في القدم.

احتلال القرية
في منتصف تموز\ يوليو1948، تم احتلال بضع قرى تقع على مشارف القدس، وذلك في إطار عملية داني. ويفيد كتاب "تاريخ حرب الاستقلال" أنه أُعطي "دور مهم" في إطار العملية للواء هرئل، الذي نشط في القطاع الشرقي لعملية داني. ووقعت صرعة، التي كانت القوات المصرية تدافع عنها، تحت الاحتلال في 13-14 تموز\ يوليو في أثناء اجتياح سهل اللد- الرملة، الواقع إلى الغرب منها. وقد احتلت الكتيبة الرابعة التابعة للواء هرئيل صرعة، تمهيدا للهجوم على قرية عرتوف المجاورة التي كانت تدافع عنها "قوات غير نظامية" وبضع عشرات من الجنود المصريين. [تفاصيل أوفي عن الاحتلال والتهجير تأتي لاحقًا في شهادات اللاجئين والنصوص الأخرى]

القرية اليوم
يتبعثر ركام المنازل على التلّ وسفوحه. يبدو موقع القرية كمنطقة جرداء حولها أحراش خضراء [أنظروا صورة للمنطقة أخذت من الجو في وسط الكتيب]. حوّل الإسرائيليون المنطقة إلى متنزّه وغابة أطلقوا عليها اسم "غابة تسورعه (هَنَسيء)" تابعَين للصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت). تُسمّى الطريق المؤدّية إلى القرية من الشارع الرئيسي "طريق التماثيل" إذ نًصبت على طولها تماثيل ومجسمّات عديدة. جاء في كتاب "كي لا ننسى" أن في الموقع صخرة مسطحة تحيط الأنقاض بها، عليها بعض الآيات القرآنية المنقوشة على صفحتها، كما كتب عليها تاريخ 1355 للهجرة (1936م)". هدم الإسرائيليون المسجد وحوّلوا مقام الشيخ صامت إلى مزار فيه قبران، نسبوا أحدهما إلى شمشون الجبار والثاني إلى أبيه تنوح. مقبرة القرية تقع مقابل المقام من الجهة الغربية ولكنها فقدت معالمها وتبعثرت حجارة قبورها. أما قبر الشيخ غريب الذي يبعد عن القرية كيلومترين باتجاه شارع الرملة – بيت شيمش فقد أطلق عليه اليهود "قبر دان" على اسم دان بن يعقوب وأحد الأسباط الإسرائيليين الاثني عشر، وحوّلوه إلى مزار مقدّس لليهود. أما منطقة البيادر أو الجرون فأصبحت ساحة أطلق عليها اسم "حديقة السويد". 

في سنة 1950 شيدت مستعمرة تروم في الجانب الشمالي الشرقي من الموقع، على أراضي القرية.

أما كيبوتس تسورعه الذي  يحمل الاسم التاريخي للقرية فيقع على بعد كيلومترين إلى الجنوب الغربي من الموقع، على أراض تابعة لقرية دير آبان. ولكن النواة الأولى لهذا الكيبوتس، قبل انتقاله إلى موقعه الحالي، كانت في صرعة، حيث صعد عدد من المستوطنين إلى موقع القرية في 7.12.1948 واتخذوا منزل المختار عبد الله محمود أبو لطيفة، الذي كان مبنيًّا على تلّة منفصلة مقابلة للقرية، مركزًا للكيبوتس وغرفة للطعام [أنظر الصور في الكتيّب] وسكنوا حوله عدة شهور قبل انتقالهم إلى الموقع الجديد. ظل منزل المختار قائمًا لسنوات حتى قامت إدارة المتنزه بهدمه – كما يبدو خلال سبعينات القرن الماضي- وأنشأت مكانه منصّة خشبية مشرفة على المنطقة. 

المصادر מקורות
- الخالدي، وليد. كي لا ننسى، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1997.
- الدباغ، مصطفى مراد. بلادنا فلسطين،
- الموسوعة الفلسطينية، دمشق 1984.
- יגאל לוסין, עמוד האש- פרקים בתולדות הציונות, הוצאת שקמונה،1982
- مقابلات مع مهجّرين من صرعة، في هذا الكتيب. ראיונות עם עקורים מסֿרעה.
- زيارة موقع القرية. ביקור באתר הכפר.
- נגה קדמן, בצדי הדרך ובשולי התודעה, 2008
- Salman Abu Sitta، The Palestinian Nakba 1948، 2000
- Walid Khalidi، All that Remains، 1990
- Joseph Albright, Marcia Kunstel, Their Promised Land.
 




لتحميل الملف