تجمَع مهجرو قرية لوبية من كل حدب وصوب على أرض قريتهم المدمرة؛ والتي تقع في الجليل الأسفل غرب مدينة طبريا. لم تكن هذه المرة الأولى للقاء أهالي البلدة على أنقاض بلدتهم، وتحت أشجارها وسروها وغاباتها؛ والتي تحمل اسم جنوب أفريقيا.

لكن اجتماعهم هذه المرة كان له هدف آخر لم تشهد مثله قرى فلسطين المهجرة من قبل. طقوس فريدة من نوعها، يقدم فيها يهود من جنوب أفريقيا اعتذاراً رسمياً على مساهمتهم في "زرع غابة أفريقيا" عبر تمويل الصندوق القومي الإسرائيلي، بعد أن تبين لهم أن الغابة أقيمت على أنقاض قرية لوبية الفلسطينية. وجاءت المبادرة من قبل مجموعة "أوقفوا الكرن كييمت JNF الصندوق القومي اليهودي لإسرائيل جنوب أفريقيا"، وبالتعاون مع جمعية "زوخروت- ذاكرات".

بدأ اللقاء بجولة شارك فيها العشرات من مهجري القرية؛ رافعين العلم الفلسطيني من الجيل الأول والثاني من النكبة، وبمرافقة يهود جنوب أفريقيا ووفود أخرى. وقدم ابن لوبية نايف حجو، وهو من مواليد عام النكبة في لوبية، شرحاً وافياً عن معالم البلدة بأسماء حاراتها ومواقعها؛ للتذكير بهول النكبة والتهجير والحياة ما قبل النكبة.

وفي كل محطة عند أحياء القرية قام أحد مهجري القرية بمشاركة شخص من جنوب أفريقيا في غرس إشارة ولافتة تحمل أسماء الأحياء، ومعالم القرية البارزة؛ مثل المسجد والمدرسة والمقبرة وبئر العرجا. وقام الحاج أبو غازي في غرس لافتة على أرض مدرسته الابتدائية؛ والتي لم يبق لها أثر على الإطلاق.

اقرأ أيضا:الديموغرافيا.. عنوان حرب إسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين

جاء الاعتذار هذه المرة بمراسم وطقوس لها نكهة مغايرة، الإقرار بالذنب والتكفير عنه. تولى الغباري مركز الجولات من جمعية ذاكرات مراسم الاعتذار وطقوسه "الرسمية"، معتبراً أن هذا الحدث يعتبر سابقة، ولم نحظ به من قبل بإجراء من هذا الحدث بأن تقدم مجموعة يهودية اعتذاراً على استعمال أموالهم لزراعة أشجار الغابة؛ والتي منعت أهل لوبية من العودة إلى قريتهم.

ممثل مهجري قرية لوبية، الناشط نايف حجو، كشف عن أن المراسم تأتي لتتوج علاقة عمرها خمس سنوات بين المهجرين وبين أفراد المجموعة اليهودية الأفريقية. وقال "وهذه المبادرة تبلورت بعد أن قرأوا كتاب محمود عيسى عن لوبية، وبعد أن شاهدوا الفيلم التي تم تصويره في لوبية". وأضاف أن "أفراد المجموعة الأفريقية، ومثلما ناهضوا حكم الأبرتهايد وكنا نتضامن معهم، ها نحن نراهم اليوم يتضامنون معنا، ويقومون بمناهضة الظلم الممنهج ضدنا. نحن نؤمن أن هذه الخطوة تدعم حقنا بالعودة إلى بلدنا، وأن نموذج جنوب أفريقيا ممكن أن يكون مرشداً لنا في تحقيق العدالة والمساواة والعودة".

أما كلمة ممثلة جنوب أفريقيا أمام الحضور، شيرين أوستين، قالت: "جئنا لنعتذر عن خطئنا الذي ارتكبناه من خلال التضليل الذي مارسه علينا صندوق الكرن كييمت، عندما طولبنا كعائلات يهودية بالتبرع للصندوق دون أن نعلم أهدافه الحقيقية، وعندما كبرنا عرفنا أنهم يقومون بزراعة الأحراش على أنقاض القرى المهجرة ومنها لوبية المهجرة، وهذا من الظلم الكبير، فجئنا لنكفر عن ذنوبنا، وننضم للنضال معكم ضد الأكاذيب الصهيونية، وهكذا سنناضل في جنوب أفريقيا، ونرجو قبول الاعتذار".

ووقع على رسالة الاعتذار 200 ناشط يهودي من جنوب أفريقيا. وجاء في نص رسالة الاعتذار التي كتبت بالإنجليزية: "نحن يهود جنوب أفريقيا نعلن عن الاعتذار والتضامن، ربما كولد صغير أو بالغ قد تبرع للصندوق القومي اليهودي بالطرق التالية؛ عن طريق العلبة الزرقاء أو عن طريق غرس شجرة باسمي. هذه الوظيفة أدت إلى الاستيلاء على الأراضي التي سكن عليها فلسطينيون، عام 1948 وأدت الغابة إلى إخفائها.

أعلن بذلك أننا نعارض هذه النشاطات والأعمال، وأعارض محو القرى الفلسطينية، وكل تبرع قمت به بإدراك أو غر إدراك أعتذر عنه. إننا نتضامن مع أهالي هذه القرية، نتعهد بأن نقف جنبا إلى جنب حتى الاعتراف الجماهيري العام، وبالتعويض والتصحيح الملائم".

وكانت لوبية القرية الأخيرة التي سقطت خلال النكبة في عام 1948، وكان ذلك يوم 16 يوليو/تموز، بعد أن سقطت قرية الشجرة وحطين. وكان عدد سكانها حينها 4000 آلاف نسمة، قبل أن تقام مستوطنة لافي على أرضها.

-------------------
نشرت المقالة في موقع العربي الجديد