مئات القرى الفلسطينية كانت حتى عام 1948 جزء من مشهد البلاد ولم تعد بعد أن أخليت وهدمت بغالبيتها. بعض هذه، مثل الصطاف ولفتا، كانت مشاهد طفولتي وأماكن تنزه معتادة لأطفال القدس. فقط بعد سنوات فهمت بأن هذه ليست مجرد مواقع أثرية: بأنه فقط قبل عشرات السنوات عاشت فيها عائلات، عاش فيها أولاد. كانت قرى كاملة وحية.

حاولت أن أبحث في هذا اللقاء بين الإسرائيليين وبين القرى المفرغة على فجواته الكبيرة.  لم تكن هناك خريطة عبرية ومحتلنة تظهر فيها كل هذه القرى، لهذا، فقد أخذت خرائط مسارات مفصلة ومحتلنة وعلّمت عليها أماكن القرى. وقد استعنت للقيام بذلك بخرائط بريطانية اشتملت على هذه القرى، بكتاب “All That Remains” لوليد الخالدي وبآثار القرى التي وجدتها خلال تجوالي في الميدان. هكذا أصبحت لدي خارطة شخصية بكل القرى التي أخليت في 1948.

الخرائط كشفت لي بأن المناطق المبنية (سابقاً) لنصف القرى التي هدمت تقريباً تتواجد اليوم داخل مواقع سياحية في البلاد- وبالأساس في محميات طبيعية، حدائق قومية ومتنزهات “الكيرن كييمت” (الصندوق القومي اليهودي). بعد زيارة كل هذه المواقع، الاطلاع على اللافتات المنصوبة في المكان وكتيبات الشرح التي توزع على الجمهور، اتضح بأن الزوار في معظم هذه الأماكن لم يحصلوا على أية معلومات حول القرى. في حالات قليلة تم عرض القرى كجزء من المنظر الطبيعي أو ذكرها في معرض نادرة أنثربولوجية أو وصفها بالعدائية والعنيفة- كل هذا دون ذكر الاعتداءات التي أدت إلى اخلاء غالبية القرى، أعمال الطرد والذبح، اللجوء والدمار.

خريطة القرى أظهرت لي أيضاً بأن حوالي الربع من القرى تتواجد اليوم داخل حدود بلدات إسرائيلية. في بعض الحالات تم بناء كيبوتس او موشاف على أنقاض القرية أو داخل بيوتها الخالية تماماً، وفي بعضها الآخر توسعت مع السنوات بلدات إسرائيلية على المناطق المبنية التي كانت للقرى. بحثت في أراشيف الكيبوتسات والموشافيم اذا ما كان هناك ذكر لحقيقة اقامتها على بلدات فلسطينية وبأية طريقة تم ذلك. وجدت بأن جميعها تتطرق لذلك كجزء من تاريخ البلدة (“الكيبوتس أقيم على قرية X”) ولكن عدا عن ذكر هذه الحقيقة، فلم يكن هناك أي تطرق للقرى نفسها: من سكن هناك؟ لكم من الوقت؟ بماذا عملوا؟ ولماذا لم يبقوا فيها؟. في المقابل، قام السكان الجدد بكتابة الكثير حول الاستخدام الذي قاموا به والفائدة التي جنوها من بقايا القرية- لا سيما البيوت والبساتين.

بواسطة رسم خريطة للقرى كان بإمكاني أيضاً أن أتفحص الخرائط الرسمية. خرائط المسارات هي خرائط رسمية صادرة عن “مركز خرائط إسرائيل” والتي أضاف عليها مركز المسارات التابع ل”شركة حماية الطبيعة” مسارات ومواقع سياحية قد تعني المتجولين. وجدت بأن اسماء معظم القرى المفرغة لا تظهر في الخرائط وفي حال ظهرت- يكون ذلك غالباً الاسم العبري او المعبرت الذي أعطته لجنة الأسماء الحكومية لموقع القرية. قرى كثيرة تظهر كمجهولة الهوية وضعت عليها علامة متفق عليها- كخربة على الأغلب: بعض النقاط التي تشكل دائرة: لا توجد هناك طريقة عملياً للتحديد ان كان الحديث عن قرية فلسطينية هدمت بال-1948 أو لنقل خربة بيزنطية أو غير ذلك. في بعض الحالات يظهر موقع القرية مع علامة تشير الى موقع أثري- ولم يتم ذلك بسبب تواجد القرية هناك لمئات السنوات إنما بفضل كونها استمرارية لبلدة سبقتها- من فترة المقرأ، الرومانيين، البيزنطيين وما الى ذلك.

الخرائط الرسمية التي عاينتها تصيغ تاريخ وجغرافية البلاد كيهودية مع طبقة عربية صغيرة. الحضور الهامشي للقرى في الخرئط يمثل بشكل رمزي محو القرى وإقصائها للهوامش أيضاً على أرض الواقع. الطابع العربي الذي حملته البلاد والذي تجسد، من ضمن أمور أخرى، بوجود مئات القرى وآلاف الأسماء العربية محي بمعظمه من على وجه الأرض والخرائط في أعقاب السيطرة الإسرائيلية.

جمعية “ذاكرات” قامت باصدار خريطة عبرية تعتمد على معايير أخرى: على الاختلاف من الخرائط الرسمية فهي لم تعتمد القومية كمعيار ولا تشترط اظهار القرية بالآثار التي بقيت، بمدى قدم البلدة او مدة تواجدها (معايير لم يتم احترامها في كثير من الأحيان عندما كان الحديث عن قرة عربية أخليت بال-1948). الخريطة تظهر كافة البلدات- اليهودية والعربية- التي كانت ومحيت نتيجة الصراع. أماكن كانت بيتاً لمجموعات من الناس ولكنه فقد. بهذه الطريقة تقوم الخريطة بتصحيح الوضع القائم ولو بقليل.

بمناسبة يوم اللاجئين العالمي، تنظم جمعية “ذاكرات” أمسية دراسية تحت عنوان: “الخرائط المضادة- عن الخرائط كآلية لتفكيك الاستعمار” بتوجيه دبي فيربر ومشاركة كل من:

د.جوني منصور: حيفا التاريخ والخارطة

نوجا كدمون: الناقص في خرائط المسارات

عمر الغباري: خارطة النكبة العبرية

حسن أحمد منصور (أبو مروان) رسم خارطة للقرية المهجرة “كفر عنان (قضاء عكا)

تعقد الأمسية في يوم 20.6.2016 الساعة 20:00 في مقهى المحطة، شارع يافا 55، حيفا.

باحثة بمجال حقوق الانسان والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ومرشدة جولات حول التاريخ الفلسطيني للبلاد.

------------

المقالة نُشرت في موقع اللسعه