آذار 2001، جولة على الدراجات الهوائية في سهل "هَئِلـَه". منطقة واسعة الأرجاء، تلال لطيفة، أحراش صنوبر وسجاجيد من الأزهار البرية. المكان هاديء، عدد قليل فقط من المتجولين يصلون إلى هذا المكان رغم عدم بعده عن القدس وعن تل أبيب. خارج البلدات القروية (اليهودية) الصغيرة الموجودة في المنطقة يسود شعور بالإقصاء والوحشة.

صعود بطريق ترابيّ إلى قمة التلة، وها هنا أكوام من الحجارة، أطلال جدران وبقايا حيطان من حجر. هنا نبات الصبار. بعضٌ من معلومة غامضة، أنْ كانت هنا قرية عربية. شعور من رهبة قدسيّة، لمكانٍ كان واختفى. ما اسم المكان ومن سكن هنا وأين هم منذ ذلك الحين؟ لا يمكن معرفة ذلك من خلال زيارة المكان أو من التمحص في خريطة أو من البحث في مرشد سياحيّ إسرائيليّ.
أيار 2008، سهل "هئلـه"، جولة لي مع باحثة من بريطانيا بين أطلال القرية الصغيرة أم برج التي بنيت على موقع أقدم منها. شارع أسود من أسفلت جديد، على جانبيه لافتات توجيهيه لامعة ترشدك إلى خربة "بورجين". يوصلك الشارع إلى منحدر نفس التلة من الجولة السابقة، موقف سيارات منظم في نهايته. لوحة كبيرة تتحدث بالعبرية والانجليزية عن خربة "بورجين"، فيها إسهاب عن تاريخها القديم الذي يبدأ بفترة "الهيكل الثاني" (اليهودي) وترمز بشيء ما عن بقايا قرية عربية تتواجد بالمكان. تصل إلى المكان حافلة كبيرة. المكان الذي كان منبوذاً وموحشاً لم يعد كذلك. عشرات الشبان الأمريكيين ينزلون من الحافلة ويصعدون إلى التلة. قرب أطلال القرية فتحث حفر كبيرة للتنقيب عن الآثار ومن فوقها غطاء كبير للتظليل. تشرح المرشدة العاملة في سلطة الآثار (الإسرائيلية) للمجموعة اليهودية الأمريكية عن الماضي القديم للمكان وعن اكتشافه ضمن المشروع الجديد للتنقيب عن الآثار. هذه المجموعة جاءت لزيارة البلاد ضمن برنامج "تجليت" ( اكتشاف - برنامج صهيوني ينظم رحلات لمجموعات شبيبة يهودية من أنحاء العالم لتعريفهم بالبلاد وإقناعهم للهجرة إليها) والذي هدفه " تقوية العلاقة بين شبيبة يهودية في أنحاء العالم وبين اسرائيل واليهودية". كما قال رئيس الحكومة إهود أولمرط عن المكان: " بمسار بطيء ولا بد منه، نجدد العلاقة مع الماضي. هذه أرضنا، لا شك في ذلك. وإذا كان هناك من يراوده الشك، سنحضره إلى هنا ليرى كيف عاش اليهود هنا قبل 2000 عام". أنظر الموقع الالكتروني لقيرن قييمت ليسرائل kkl.

أطلال المباني العربية تقف قريباً من هناك، صامتة ومهملة. مندوبو سلطة الآثار والسائحون لا يهرولون باتجاهها. ردّاً على سؤالي قالت مرشدة سلطة الآثار أن الحفريات تعود إلى فترة "الهيكل الثاني"، وأن الخربة تلك هي بقايا قرية عربية بُني قسم من بيوتها من الحجارة الأثرية التي بقيت في المكان. أحد المسؤلين في "قيرن قييمت" وصل إلى المكان وشرح لنا بفخر: هذا متنزه جديد، هذه هي هدية "قيرن قييمت" للدولة في عيدها الستين. توجد هنا كهوف دفن كبيرة ومثيرة. هنا دفن الأغنياء وهنا الفقراء. يقوم يتصويرنا أثناء دخولنا إلى الكهف، ويعلن، مسبباً الأسى للباحثة البريطانية: من الممكن أن نضع صورتكما على النشرة الإرشادية للمتنزه. في طريق عودتنا إلى موقف السيارات، لاحظنا "الاهتمام" الذي منحته "قيرن قييمت" لأشجار التين والخروب والزيتون حيث قامت بتتشذيبها بشكل دقيق.
إن موقع قرية خربة أم برج، وباسمه المُعَبْرَن " خربة بورجين" الخالي من الماضي والمضمون ، يقع اليوم ضمن متنزه "عدولم" الذي افتتحته "قيرن قييمت" بمناسبة ستين عاماً لاستقلال إسرائيل. حظيت القرية التي هـُجـّر أهلها ودُمـّرت منازلها كجزء من مشروع إقامة الدولة اليهودية، حظيت أن تكون موقعاً مركزياً في المتنزه. أصبح موقع القرية، الهامشي والمنسي من وجهة نظر السائحين الإسرائيليين، أصبح سهل الوصول بعد افتتاح المتنزه. رغم ذلك، لم تنكشف أمام الجمهور الإسرائيلي مع افتتاح المتنزه معلومات عن لاجئي القرية وتاريخها الفلسطيني وحيثيات تهجيرها. يشدد المتنزه على التاريخ القديم للمكان وعلى جماله " الحقيقي والطبيعي، بدون زينة أو أقنعة زائدة" (حسب موقع ق.ق.ل).

-----------

ترجمة للعربية: عمر الغباري