لقد علمت لأول مرة بوجود قرية اسمها خربة اللوز من خلال مادة قمت بترجمتها من أجل دان جولان، الذي يجرى بحثاً غير رسمي حول القرية منذ عدة سنوات لوجود القرية ضمن منطقة "جبل إيتان" المهتم به دان جولان كثيراً ويبحث عن كل معلومة متعلقة به. لقد قمت بترجمة مقابلة أجريت مع أحد لاجئي القرية الذين رحلوا عنه عام 1948. شملت المقابلة الطويلة وصفاً مفصلاً لطريقة الحياة في القرية. وكلما تعمقت في المقابلة بدأت أشعر أني أعرف وأتقرب من أهل القرية بفضل التفاصيل الدقيقة والصغيرة بشأن حياتهم. هناك وصف لحياة أهل القرية حتى عام 1948 بدقة مذهلة: أسماء أشخاص، أسماء عائلات، أعمالهم، مصدر معيشتهم، ساعات الفراغ، العلاقات بين الناس، الدين والعبادة، التراث والتقاليد الخاصة وغير ذلك. ثم قمت بزيارة المكان عدة مرات ورأيت بنفسي قسماً من الأمور الموصوفة في المقابلة. رأيت البيوت ورأيت الطريق الرئيسي وسط القرية. رغم أن معظم البيوت هدمت في بداية سنوات الخمسين، لا زال من الممكن رؤية أطلال بعض البيوت وبعض الآبار والطرق. اليوم، يعتبر المكان جزءاً من محمية جبل "إيتان" ويؤمّ المكان زوار كثر. المكان غني بمسالك للتجول ومسارات للعجلات الهوائية وبالإثارة السياحية. لا ينتبه الكثير من السواح إلى آثار منازل القرية. شعرت أني تعلّقت بهذه القرية بالذات بسبب أكوام الحجارة – التي يوجد مثلها في أماكن كثيرة في أنحاء البلاد – إذ تجلـّت أمام عينيّ مع هيئة واسم وحياة. رغبت في الاستمرار والخوض بقصة خربة اللوز وأهله. من هنا نشأ عندي الدافع لإجراء بحث جامعي عن القرية ضمن دراستي الجامعية.

لا يمكن للمتنزهين اليوم في "جبل إيتان" أن يتخيلوا الحياة التي كانت قائمة في هذا البلد، بالإضافة إلى قرى كثيرة كانت موجودة في هذه المنطقة، على مدى مئات السنين، وانقطعت قبل ستين عاماً. لذلك جاء البحث، إلى حد ما، ليسمع صوت أهل خربة اللوز وليحكي قصتهم، مثل قصص كثيرين أمثالهم، لا تُسمع.

كانت الفكرة الرئيسية أن استعمل المقابلة الطويلة والمفصلة التي ترجمتها مع لاجيء من الجيل الأول للنكبة وأن أجري بالإضافة إليها مقابلات مع أشخاص آخرين من الجيل الثاني والثالث للنكبة. لكن بسبب صعوبات وعراقيل اختصر البحث لجيلين فقط. بالإضافة للمقابلة المذكورة مع السيد عارف اسماعيل الذي يسكن في الأردن والتي أجراها معه موقع الإنترنت " فلسطين في الذاكرة" ، أجريت مقابلة مع السيد غازي شقلة، ابن لاجئين من خربة اللوز يسكن داخل إسرائيل. لم أنجح بمقابلة لاجئي القرية من الجيل الأول أو أحفادهم – الجيل الثالث-  الذين يعيشون في الأردن أو في السلطة الفلسطينية. حاولت ترتيب لقاءات في أماكن يسمح الوصول إليها للطرفين وكن دائماً كانت هذه الترتيبات تفشل.أحد الأسباب هو موضوعي ولكني شعرت أيضاً بشيء من عدم الثقة والتردد، فاكتفيت بالمقابلتين. حاولت تحليل المقابلتين لأفحص المختلف والمتشابه بين الجيل الأول والجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين بما يتعلق بالمعرفة والشعور اتجاه الماضي والحضر والمستقبل.

كان الانتماء بارزاً عند الجيل الثاني لدرجة تعريفه بنفسه باسم "غازي اللوزي" نسبة إلى قريته. هكذا يسمي اللاجئون في الأردن أيضاً انفسهم رغم أنهم ولدوا هناك ولم يروا قريتهم أبداً. قبل النكبة لم يستعمل أهل القرية هذه التسمية وإنما اسم عائلاتهم كما هو متبع في كل مكان. عند عارف اسماعيل الذي عاش في القرية كان واضحاً انتماؤه وشوقه لقريته رغم أنه اعتاد على الحياة الجديدة، كما يقول. حتى يقوي انتماء لاجئي قريته ساهم في إقامة جمعية لاجئي خربة اللوز في عمان ليكون إطاراً لكل اللاجئين وأبنائهم.

بالإضافة للرغبة الفردية، ظهر من أسلوب كلامهم التحدث باسم كل اللاجئين والقلق لقضيتهم كقضية جماعية. لا يتنازلون عن حق العودة، رغم عدم التفاؤل تجاه تحقيقه، خاصة عند الجيل الأول. بينما يتحدث الجيل الثاني مع بعض الأمل حول الموضوع، موضوع العودة. عارف اسماعيل يصف اليهود دائماً كعامل سلبي بسبب ما فعلوه عام النكبة، وأنه لن يكون مستعداً للعودة إلى قريته ما دام اليهود يحكمون. "عندما ينتهي الاحتلال سأعود". أما تعابير غازي اللوزي تجاه اليهود كانت أكثر ليونة. كان كلامه عما حصل وصفيّاً، ولم يتطرق كثيراً للاعتداءات اليهودية، أو المعارك التي حدثت. وبعكس عارف اسماعيل هو يصف العلاقات مع اليهود قبل النكبة يأنها كانت علاقة سلام. يمكن تفسير ذلك بعدة طرق، ولكن يجدر التنويه أن غازي يسكن داخل إسرائيل وأن من تجري المقابلة معه يهودية.

يظهر من ابناء الجيلين أن العائلة هي أهم وسيلة لحفظ الذاكرة الفلسطينية، وذلك لعدم وجود مؤسسات وأطر اجتماعية منظمة لتوثيق النكبة الفلسطينية على مدي سنين طويلة. فككل شعب مستضعف وغير مؤطـّر يأخذ التأريخ الشفوي مكاناً مركزياً عنده. يأخذ الفرد في هذه الحالة مسؤولية توصيل القصة والتاريخ داخل مجتمعه وداخل مجتمعه الصغير، العائلة. فنرى أن الجيل الثاني يعرف تفاصيل الحياة التي كانت في قريته التي لم يرها كأنما عاش فيها.

أما بالنسبة للمستقبل، فكلاهما يعبر عن خوف ورهبة مما ينتظر الشعب الفلسطيني. عارف اسماعيل يبدو أقل جهوزية أو أكثر يأساً بالنسبة للعودة، من جهة هو غير مستعد للعودة ما دام حكم اليهود قائماً ومن جهة أخرى يستصعب إمكانية إعادة بناء القرية التي هدمت.