اصل التسمية

سميت قرية النهر بهذا الاسم لوجود نبعان كبيران من المياه حولها. فقد كانت هذه الينابيع سبباً في إطلاق تسمية "النهر" عليها.
1- الينبوع الأول: بركة الفوارة وتقع شرقي القرية.
2- الينبوع الثاني: بركة تل المفشوخ وتقع غربي القرية.

جغرافية قرية النهر

قرية النهر قرية عربية لا أثر للصهاينة فيها تبعد حوالي 14 كم إلى الشمال الشرقي من عكا, على طريق عكا-ترشيحا. وتحيط بها قرى أم الفرج من الغرب والكابري من الشرق والغابسية والشيخ داوود ودنون من الجنوب الشرقي.

تمتلك قرية النهر حوالي 5261 دونماً منها 28 دونم مبني و5079 أراض زراعية جميعها ملك لأهلها العرب تشتهر بزراعة الحمضيات على أنواعها وهي الأولى في القضاء حيث تبلغ مساحة الأراضي التابعة للنهر والمزروعة حمضيات 2066 دونما, بالإضافة إلى 310 دونم من الزيتون حيث كانت هناك معصرة لصناعة الزيت في القرية قرب نبع الفوارة وهذه المعصرة ملك لآل العفيفي، أكبر عائلة في القرية، بالإضافة إلى بساتين الكرمة  والأشجار المثمرة  والخضراوات والفواكة المتنوعة.

القرية عبارة عن حارتين. الحارة الأولى تسمى الحارة الشرقية وكان يطلق عليها النهر، والحارة الغربية وكان يطلق عليها "تل النهر" وللاختصار تسمى "التل". والتل تقوم على هضبة مرتفعة حوالي 50 متراً عن سطح البحر. يوجد قرب القرية تل يسمى تل القهوة وفيه الكثير من الآثار.

تقسم قرية النهر إلى قسمين بينها بستان الجزيرة لآل الشاذلي. وهي مستطيلة الشكل أول ما يواجهنا فيها بيوت عائلة العفيفي حيث جنينة العفيفي المشهورة بأزهارها ثم الساحة أمام البيوت ويطل على الساحة بيت محمود سعيد مرعي العفيفي، يحيط به بيوت أولاد عمه. بعد ذلك تسير بنا الطريق إلى الحارة حيث تقام البيوت على جانبي الطريق وهي بيوت مصنوعة من الحجارة المغطاة باللبن والطين حيث سقوفها مؤلفة من الخشب المغطى بالتراب حتى تصل إلى آخر القرية حيث يقوم في نهاية القرية بيت آل الشاذلي.

في هذه القرية نبعان كبيران تتفجر منهما المياه وتسير في قنوات حيث تسقي بساتينها:
1- الينبوع الأول: بركة الفوارة وتقع شرقي القرية.
2- الينبوع الثاني: بركة تل المفشوخ وتقع غربي القرية.

ترتفع بركة الفوارة حوالي ستة إلى سبعة أمتار عن سطح الأرض وتفيض عنها المياه لتجري في قناة تنتهي عند مطحنة للقمح والذرة. بعد إدارة دولاب المطحنة المائية تجري هذه المياه لسقاية بساتين النهر وأم الفرج (القرية المجاورة لقرية النهر).

وادي المفشوخ يخرج من جنوب معليا وينتهي في البحر عند مستعمرة نهاريا ويمر بخربتي زونيتا وجعتون وبقريتي النهر وأم الفرج  وبموقع الحميمة القرية الصغيرة. ويفرغ المفشوخ أربعة ملايين متر مكعب سنويا.

أقيمت على نبع التل (أو بركة التل أو نبع المفشوخ كما كانت تسمى وتعرف من أهالي القرية) بركة كبيرة. ويعتبر نبع المفشوخ أغزر من نبع الفوارة بأربعة أضعاف على وجه التقريب. أقيمت في أسفل البركة مطحنة للحبوب سميت مطحنة البركة أم حجرين لأن مياة البركة كانت تدير دولابين في وقت واحد نظراً لغزارتها. وتجري المياه بعد ذلك في قناة حفرت خصيصاً لها لسقاية بساتين النهر وبساتين أم الفرج والحميمة.

في القرية جنينة (حديقة العفيفي) ملك لآل العفيفي وهي من الجنائن النادرة في فلسطين حيث يمر في وسطها قناة مياه الفوارة وعلى جانبي القناه مقاعد من الخشب، وكانت الجنينة مسقوفة بعرائش، وفيها شارعان مبلطان يقسمانها إلى أربعة أقسام متساوية حيث جميع هذه الأقسام مغروسة بالورود والرياحين المتنوعة الأشكال والألوان. يحيط بالحديقة جدار من الإسمنت يعلوه حديد بشكل جميل وملون باللون الأزرق. وكانت تقام أمامها الأعراس والتعاليل أثناء الليل.

نظراً لكثرة المياه في القرية شيد عدد من المطاحن على مساقط هذه المياه حيث كان جميع أهالي القرى المجاورة يقصدون قرية النهر حاملين معهم القمح والذرة لطحنها في مطاحن القرية.

كانت المياه تجري لتصب في بئر عميقة حوالي 2-3 أمتار مبنى على سطح غرفة واسعة وفي أسفله فتحة صغيرة ينزل منها الماء بزخم على دولاب خشبي مثبت على عامود كبير ومتصل بحجر مستدير مؤلف من حجرين سفلي وعلوي، السفلي ثابت والعلوي متصل بالعامود ومثبت فيه. وعندما يدور الدولاب جراء سقوط المياه عليه يدير حجر الطاحونة العلوي. على الحائط فوق الحجر كانت هناك خزانة خشبية كبيرة تملأ بالحبوب وينزل منها الحب بشكل متوازن وبكميات قليلة إلى فم الحجر فيطحن ويتحول إلى طحين ناعم ثم يعبأ في أكياس.

وأهم هذه المطاحن:

1- مطحنة بركة التل
2- مطحنة المفشوخ العليا: تبلغ مساحتها حوالي خمسة دونمات وهي ملك للسيد محمود سعيد مرعي العفيفي.
3- مطحنة المطروف
4- مطحنة أم حجرين
5- مطحنة بركة الفوارة
6- مطحنة أم قنطرة
7- مطحنة وادي المفشوخ السفلى

تشتهر قرية النهر ببساتينها الشاسعة حيث زراعة الحمضيات والفواكه والخضراوات نظراً لغزارة مياه ينابيعها العذبة وآبارها الارتوازية. تسقى هذه البساتين من مياه نبعي البركة والفوارة حيث قسمت هذه المياه إلى مجارف بالساعات على الأراضي حسب مساحتها. وهذه المياه مقسمة ومسجلة في دوائر المساحة.

من أهم هذه البساتين:

بستان اللوزات
بستان الجزيرة
بستان محمود
بستان عثمان
ظهر التل
بستان البركة
بستان جزيرة امباركي
بستان شريح
بستان أبو اللبن
بستان الملك
بستان النزهة
بستان الموارس
بستان الجغبير
بستان أبو هاشم
بستان حوزة نجم
بستان زيتون القاضي
بساتين قطران

النهر تحت الانتداب البريطاني

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني وكانت الهيكلية الإدارية التي تتولى شؤون عكا وقضائها تتألف من حاكم لواء الجليل ومركزه في الناصرة ويمثله في عكا القائممقام. وهذا المنصب كان يشغله على الدوام مواطن عربي. وقد توالى على هذا المنصب السادة: نصري فيعاني، نجيب بوارشي، حنا بولس، عبد الرزاق قليبو، وبدر الفاهوم. ويمثل القائممقام في القرية مخاتير، وكان المختار في قرية النهر يدعى السيد محمد عبده، وهو رجل مشهور وقد خدم في الجيش العثماني أثناء الحرب العالمي الأولى. وبعد وفاته اختار أهل القرية أبنه الوحيد قاسم عبده خلفاً له مختاراً على قرية النهر، وبقي في هذا المنصب حتى انتهاء الانتداب البريطاني عام 1948.

ويساعد المختار لجنة من وجهاء القرية للاشتراك معه في خدمتها كجمع التبرعات أثناء النكبات وتوزيع الإعاشة خلال الحرب العالمية الثانية والقيام بمهمات اجتماعية ضرورية للبلدة كالمطالبة ببناء مدرسة حكومية وبناء جامع للقرية والمطالبة بإصلاحات لدى القائممقام لمصلحة القرية وما شاكل من تبليط شوارعها وتزفيتها.

دمر اليهود قرية النهر وتشتت أهلها في لبنان وسوريا وغيرها من البلدان وكان ذلك في نيسان عام 1948.

العائلات في قرية النهر

كان تعداد السكان عام 1922 حوالي 422 نسمة و بلغ عدد السكان 610 نسمة في عام 1944/1945 وبلغ عدد المنازل 120 منزلاً. وفي عام 1948 قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القريتين و تشريد اهلهما البالغ عددهم 1056 نسمة, و كان ذلك في 21\5\1948 و يبلغ مجموع اللاجئين من هاتين القريتين في عام 1998 حوالي 6482 نسمة.
عدد سكان قدية النهر و التل منذ عام 1922 و حتى عام 1998:

السنة عدد السكان
1922 422 نسمة
1945 610 نسمة
1948 1056 نسمة
1998 6482 نسمة

أهم عائلات قرية النهر:

آل العفيفي (آل مرعي)
الشاذلي
السيد أحمد (الزحمد)
الفرماوي
آل بو الخير
آل عطية (الوراس)
الخطيب (الخطبية)
آل سلام
الشراباتي
أبو كليب
الحاج محمود
آل صقر
آل جبر
آل موسى
آل مباركه
البيومي
المليجي
أصلان
الزيني
العوام
الطملاوي
كرنيش
آل موزه
آل مرعي (آل المصري)
آل بديعة
الشاويش
السقا
عكر
آل دراز
آل سبيني (آل نظيرة الغول)

الحياة الاقتصادية والاجتماعية في القرية

قرية النهر نموذج صادق للحياة حيث تعاون الرجال والنساء على القيام بالأعمال الزراعية التي كانت المصدر الرئيسي لسكان هذه القرية.

كانت بيوت الفلاحين عبارة عن غرفة كبيرة لها مصطبة ينام عليها أهل البيت وأيضاً إسطبل ينخفض عن المصطبة الأولى وهو مجهز بمعلف "طوالة" لوضع الأكل والتبن للحيوانات التي تبقى مقيدة في الإسطبل من قرونها أو رقابها.

يعيش أهالي القرية على الزراعة وخاصة زراعة الحمضيات وجميع أنواع الخضراوات والفواكه كالتين والزيتون والعنب والخوخ والرمان والأكي دنيا والتفاح والسفرجل والد راق الخ...

في القرية كثير من الطواحين المقامة على مياه الينابيع تقوم بطحن سائر أنواع الحبوب كالقمح والذرة الصفراء والذرة البيضاء. وكانت هذه الطواحين المائية مصدر رزق كثير من العائلات في القرية.

كما يعمل قسم كبير من أهالي القرية في معسكرات الجيش البريطاني (الكمب) كعمال وطباخين وما شاكل من الخدمات التي يحتاجها الجيش في هذه المعسكرات.

عند قطاف الحمضيات كان يقوم بهذه المهمة الرجال والنساء على حد سواء فتجد الجميع يغادرون بيوتهم إلى البساتين المحيطة بالقرية ويقومون بقطف الحمضيات المتنوعة مثل اليافاوي، والختملي، والموردي، وأبو صرة، والكريب فروت، والبوملي، واليوسف أفندي، والليمون الحلو، والليمون الحامض.

كان الحمضيات تعبأ في صناديق خشبية حيث توضع الحبات ذوات الحجم الوسط في أسفل الصندوق والحجم الكبير في الأعلى ثم يغطى بالحشيش الأخضر ويوضع عليه غطاء خشبي أو من الجنفيص. عند المساء تحضر الشاحنة الموكل إليها نقل البضاعة ويقوم كل مالك بتحميل بضاعته وشحنها.

يرافق كل صاحب بضاعة بضاعته ليشرف على بيعها، ثم يعود في اليوم نفسه بعد الظهر حاملاً فاتورة بقيمة ما باعه صاحب الحسبة (البياع) ثمناً للبضاعة ويحضر بضاعة جديدة لليوم التالي وهكذا دواليك.

كانت السوق الرئيسية لهذه الحمضيات هي مدينة حيفا في الدرجة الأولى وتأتي بعدها مدينتي عكا وصفد.

ذكرت في مطلع الكتاب أن في قرية النهر بساتين كثيرة مغروسة بأشجار الزيتون. أثناء موسم الزيتون يتعاون الرجال والنساء لقطفه ثم نقله إلى المعصرة لاستخراج الزيت. في القرية معصرة على النمط القديم حيث يقوم حصان بإدارة الرحى "حجر الطاحون"، وبعد عصر الزيتون يعبأ في أواني ليصبح معداً للبيع أو الاستهلاك المحلي لأنه المعروف في ذلك الوقت حيث كان المادة الرئيسية للطبخ لعدم معرفة الناس في ذلك الوقت بالزيوت النباتية الأخرى.

الخضار والفواكه الأخرى بجميع أنواعها كانت تزرع في القرية. وكانت الحبوب تزرع على نطاق واسع مثل القمح والذرة الصفراء والذرة البيضاء والشعير والعدس والحمص والفول وغيرها.

كانت هذه المحاصيل تحصد ثم يتم نقلها على الجمال إلى البيدر حيث يجرى درسها بواسطة نورج "لوح دراس" يجره حصان أو ثوران ويقوم الدراس بالوقوف على اللوح "النورج". ويستمر هذا العمل حوالي شهر تقريباً. يقوم أهل القرية بعد ذلك بتذريته بالمذراة "مذراة مصنوعة من الخشب على هيئة شوكة طعام" لفصل الحب عن القش الناعم (التبن).

يعبأ القمح أو الذرة في أكياس متناسقة من الجنفيص ويصبح معداً للبيع أو الخزن كمؤونة. أما التبن فكان يستعمل غذاءً للماشية كالبقر والغنم والماعز.

الأعمال التي كان يزاولها أهالي قرية النهر هي:
1- الأعمال الزراعية:
(أ) زراعة الأشجار المثمرة وأهمها البرتقال والفواكه الأخرى كالمشمش والدراق والخوخ والتين والعنب والزيتون.
(ب) زراعة الخضراوات كالبندورة، والخيار، والباذنجان، والفلفل، والفاصوليا، والقرنبيط، وقصب السكر، والقلقاس، الخ.
(ج) زراعة الحبوب كالقمح، والشعير، والذرة، والكر سنة، والعدس، والفول، والحمص.
2- تربية المواشي كالبقر، والغنم، والماعز، والخيل، والحمير، والجمال.
3- البناء
4- التجارة: في القرية ثلاثة دكاكين، موسى، يوسف، والبيومي، وهي عبارة عن غرفة صغيرة تحوي أكثر الحاجات الضرورية للمنازل.

تقام السهرات أثناء الليل بشكل عائلي حيث يجتمع الجيران في بيت معين وخاصة في فصل الشتاء حيث يقوم أحد الشبان المتعلمين "الذي يتقن القراءة" قصصاً أمثال عنترة، والزير سالم، وأبو زيد الهلالي، والمولد النبوي الشريف، وسيرة سيف بن ذي يزن، وتغريبة بني هلال وغيرها، والجميع يجلسون حوله ويتناولون القهوة والشاي ويأكلون فراطيش الذرة والحلوى مثل العصيدة الخ... وتستمر السهرة إلى منتصف الليل.

أما الضوء المستعمل فكان سراجاً مملوءاً بمادة الكاز، السراج له فتيل وتركب عليه زجاجة لإنارة البيت أثناء الليل. البيوت عامة كانت عبارة عن غرفة نوم للعائلة بأكملها ومخزن للمؤن وحمام للغسيل ومكان لتناول الطعام وصالون للسهرات العائلية.
من الألعاب التي كان يقوم بها الصغار أثناء أوقات الفراغ هي الكورة، الكرة بالطابة، الغميضة، السباق، والمفاقسة في البيض.

دور المرأة في القرية

هناك الكثير من الأعمال التي كانت موكلة للنساء حيث يقمن بتحضيرها بإتقان بالإضافة إلى نظافة البيت والمحافظة على إطعام المواشي وتنظيف مكان سكنها ثم تحضير الطعام وإعداد مؤونة الشتاء كمربى التفاح والعنب واللقطين، والمخللات كالخيار واللفت والباذنجان والفلفل والمقتا.

كذلك استخراج ماء الزهر والمرمية وزيت ماء الزهر بالإضافة إلى إعداد الكشك والفريكة وتحضير الخضار الجافة كالملوخية والباميا والفاصوليا والفلفل الأحمر ثم تحميص القهوة وعمل القاورما وعمل البرغل وجرشه على الجاروشة.

أما في الصيف فتقوم المرأة بمساعدة الرجل في حصاد القمح وتنقيته والذهاب به إلى المطحنة والمساعدة في قطف الذرة الصفراء والبيضاء وتحضيرها للطحن وعمل الخبز. كانت المرأة تساعد الرجل في قطاف الزيتون ودرسه لاستخراج الزيت وحفظه في أوعية (مرطبانات) لأيام الشتاء، وفي قطف البرتقال وتعبئته. كذلك المساعدة في قطف الخضار كالبندورة والخيار والكوسى والباذنجان والفلفل والملفوف وجميع أنواع الفواكه الصيفية.

بالإضافة إلى عمل المرأة في الحقل كانت تقوم بمهام البيت الرئيسية كتحضير الطعام وجمع الحطب. ومن المهام الشاقة للمرأة كان تحضير الخبز حيث كان عليها جمع الحطب من البساتين أو من الأحراش المجاورة ثم تهيئة الموقد أو الفرن لعمل الخبز وطبخ الطعام.
كانت المرأة هي التي تصنع الفرن من التراب "نوع من التراب الأبيض ويبقى حتى يجف ثم يصبح صالحاً لتحضير الرغيف" وهذا يستغرق من المرأة وقتاً طويلاً فعليها عجن الطحين وتخميره ومن ثم رقرقته إلى أرغفة ثم خبزه وترتيبه في وعاء معد لحفظ الخبز وتغطيته حتى لا يتعرض للجفاف.

هذا وكان على المرأة استقبال الحيوانات عند رجوعها من المرعى وتنظيف الإسطبل الذي تنام فيه هذه الحيوانات.

الاحتفالات في القرية

هناك نوعان من الاحتفالات التي كانت تقام في قرية النهر:
1- الاحتفالات الدينية والأعياد: عيد الفطر، وعيد الأضحى، الاحتفال في المولد النبوي الشريف، عيد رأس السنة الهجرية، خميس الأموات، يوم عاشوراء.

يستعد الناس لاستقبال العيد حيث تقوم ربة العائلة بتحضير الكعك المحشو بالتمر أو الجوز والسكر بكميات كبيرة تدوم أكثر من شهرين وتصنع محلباً في البيت وتقوم ربة المنزل بخبزها في فرن خاص مصنوع من الطين ويستعمل الحطب وقوداً له.

في اليوم الأول من العيد يقوم رب العائلة باكراً بالذهاب إلى المسجد لتأدية صلاة العيد "جماعة" مع غالبية أهل القرية. وبعد تأدية الصلاة يعايدون بعضهم بعضاً ويعود رب المنزل ويقوم بذبح خروف العيد للعائلة. يتجمع أفراد الأسرة عند كبير العائلة (الوالد) ويتبادلون التحيات.

بينما النساء كانت تحضر الطعام منذ الصباح الباكر وتذهبن لزيارة القبور وتوزع الكعك والحلويات والطعام على الفقراء والمساكين عن أرواح الموتى رحمهم الله.

2- الاحتفالات في الأعراس: الأعراس في القرية يشترك فيها جميع سكان القرية حيث تبدأ الاحتفالات قبل العرس بحوالي أسبوع. يقيمون السهرات في الساحة العامة ويشترك فيها الرجال والنساء والأولاد حيث تعقد حلقات الرقص والدبكة أثناء الليل ويصف الرجال في صفين متوازيين "السحجة".

يحيي الحفل شاعر شعبي وغالباً شاعران كانا يتباريان في إلقاء الزجل ويتحدى كل واحد منهما الأخر حيث يطرقان موضوعاً وكل يدافع عن رأيه. يقوم الرجال بالتصفيق والنساء بالرقص في هذه الحلقة حيث تكون هذه الساحة مضاءة بمصابيح كبيرة "لوكس على الكاز" وتستمر هذه الحفلات حتى منتصف الليل حيث يغادر الجميع إلى بيوتهم استعداداً لليوم التالي.

في يوم الزفاف يجتمع الأهالي في الصباح الباكر حيث يكون أهالي العريس والعروس مهتمين بالتجهيز لهذا اليوم فيقوم أهل العريس بتحضير الطعام للمدعوين من القرى المجاورة وأهل البلد فيذبحون الخراف وتقوم النسوة بالتعاون على طبخ الطعام "الكبة النية، المحاشي كالكوسى والباذنجان والقرع والفاصوليا والأوزي (الرز وفوقه اللحم وأحياناً خروفاً كاملاً)".

أما العريس فيأخذه أصحابه "الشباين" ويقومون بتحميمه وغسله والباسه ملابس عادة ما تكون ألوانها كحلية أو سوداء. أما العروس فتقوم رفيقاتها وامرأة متخصصة تدعى "الماشطة" بتجهيزها لهذا اليوم.

تبدأ الاحتفالات بالرقص والدبكة والأهازيج الشعبية. عند الظهر يتناول الجميع طعام الغذاء ثم يتابعون الاحتفالات حتى المساء، حينها يزف العريس وتنقل العروس إلى بيت العريس وينتهي الاحتفال.

مدرسة القرية

لا توجد في القرية مدرسة حكومية بل كانت هناك مدرسة خاصة كان يقوم بالتدريس فيها ثلاثة معلمين. في عام 1947 أخذ أهالي القرية بالسعي لبناء مدرسة حكومية وجلبوا الحجارة وجهزوا قطعة أرض مناسبة يجري نهر الفوارة في أحد جوانبها وكانت تسمى هذه القطعة بجنينة "السيد البدوي". وافقت الدولة آنذاك على بنائها ولكن الحرب كانت سبباً في عدم إقامتها.

كانت المدرسة عبارة عن غرفة واحدة كبيرة تقع عند الطرف الشرقي في نهاية القرية. ويقوم بالتدريس فيها معلم واحد هو الأستاذ قاسم محمد الفرماوي "أبو إسماعيل" وهو ذو علم متواضع يقتصر على قراءة القرآن والحساب ولا يتعدى ذلك القواعد الأربعة واللغة العربية وقسم من التاريخ وعلم الصحة.

كانت هذه الغرفة مجهزة بمقاعد خشبية حيث يقوم كل تلميذ بإحضار مقعده بنفسه وهو من صنع نجار القرية وكان اسمه "أبو علي الزيني". وكان الزيني يقوم بصنع جميع لوازم بيوت القرية في ذلك الوقت من صناديق للملابس وخزائن وكراسي وأعواد لحراثة البساتين ونوافذ وأبواب للبيوت وما شاكل من جميع ما يحتاجه سكان القرية.

كانت بداية الدراسه بحفظ القرآن و عند ختم قراءة القرآن حيث كان المعلم عند هذه المرحلة يتقاضى خمسة ليرات فلسطينية جائزة له عن كل تلميذ يختم القرآن ويقوم أهل التلميذ بالاحتفال بهذه المناسبة. يلبس التلميذ مريولاً أبيض، ويدعى إلى هذا الاحتفال جميع تلاميذ المدرسة حيث يتناولون الطعام والشراب والفواكه والحلوى وينشدون برفقة المعلم بعض الأناشيد الدينية "كالمولد النبوي" وبعض الأناشيد التي تعلموها في المدرسة.

ينتقل الطالب بعدها إلى المرحلة الأعلى في المدرسة حيث يبدأ بتعليم الطلاب الذين هم أصغر منه سناً حيث يترتب على كل طالب ختم القرآن التسميع لطالب أصغر منه وإعطائه درساً جديداً أو إعادة الدرس القديم حسب ما يراه مناسباً.

بعد الانتهاء من هذه المهمة الموكلة إلى الطلاب يقوم المعلم بتدريسهم بعضاً من المسائل الحسابية. يوجد لدى المعلم كتاب لمادة الحساب مدونة فيه الأسئلة والأجوبة. من تنطبق حلوله على الحلول الموجودة في الكتاب يقوم بحل المسألة على اللوح أمام الطلاب. وحسب اعتقادي فإن المعلم لم يكن باستطاعته حل جميع المسائل المدونة في الكتاب فهو يجهل حل الكثير من هذه المسائل.

كذلك يقوم المدرس بتدريس الطلاب بعض القراءات في اللغة العربية حيث كان بحوزة كل طالب كتاب للمطالعة "كليلة ودمنة" حيث يقوم المعلم بقراءة قصة من هذا الكتاب ثم يقرأها الطلاب قراءة صامتة، بعدها يباشر المعلم بطرح أسئلة عن القصة ويطلب من الطلاب كتابتها على دفاترهم خطيا.

ثم يطلب منهم كتابة موضوع إنشائي مع إعطائهم التوجيهات اللازمة لكي يستطيعوا تكملة الموضوع في منازلهم وإحضاره في اليوم التالي حيث يقوم المعلم بتصحيح هذه الفروض ويضع عليها علامات وعبارات مدح أو قدح مثل: امتياز، جيد، وسط، مقبول، ضعيف، الخ...

ينتقل بعدها لإعطاء قطع من المحفوظات لمشاهير الشعراء كالمتنبي، والبحتري، وأبو العلاء، وابن الرومي، وأبو العتاهية، وعنترة، وأمرؤ القيس، والفرزدق، وجرير، والأخطل، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم وغيرهم.

وأخيراً تأتي حصة كتابة الخط، حيث يقوم بكتابة سطر من الخط على اللوح ويقوم الطلاب بكتابته كل على طريقته، يقوم بعدها المعلم بجمع الكراسات وتصحيحها ووضع علامات عليها، وبذلك ينتهي اليوم الدراسي.

اليوم الدراسي عبارة عن فترتين، الأولى من الثامنة صباحاً حتى الثانية عشر ظهرا،ً حيث يقوم الطلاب بالوضوء من قناة الماء المجاورة للمدرسة والصلاة، ينصرفون بعدها كل إلى بيته لتناول الغذاء. أمـا الطلاب القادمين من القرى المجاورة (الغابسية والشيخ داوود ودنون والكابري وأم الفرج) فكانوا يحضرون معهم زوادة الغذاء.

تبدأ الفترة الثانية عند الساعة الثانية بعد الظهر حين يصفر المعلم بصافرته مؤذناً بدخول الطلاب إلى صفوفهم لمتابعة دراستهم في التاريخ وعلم الصحة والخط، ثم ينصرفون إلى بيوتهم عند الثالثة والنصف مساءاً.

كانت طريقة التعامل مع الطلاب في ذلك الوقت تختلف عنها اليوم، فقد كان المعلم يضرب التلاميذ ضرباً مبرحاً بمباركة من الأهل حيث يقول الأب للمعلم عند إحضار ولده إلى المدرسة بعض العبارات التي تشجع المعلم على ذلك مثل: "لك اللحم ولنا العظم" و"لا ترحمه بل أدبه" وتعطيه ضوءاً أخضر وتحرره من المسؤولية.

لقد كان القصاص يتمثل بالفلقة على الرجلين بالخيزرانة وقضبان الرمان حيث يتم إمساكه من شعره وإلقاءه على الأرض ووضع الفلقة في رجليه، يمسكه طالبان ويرفع رجليه طالبان آخران ويقوم المعلم بضربه دون رحمة أو شفقة. وأحياناً يتمادى المعلم في الشتائم مثل "ابن الكلب، ابن الجزمة، وابن الزفت، الخ...). وكانت هذه المعاملة سبباً في فرار الكثير من الطلاب من المدرسة.

كانت الدراسة تتعطل يوم الجمعة حينها نرافق والدينا وأخوتنا في الذهاب إلى البستان الذي كان يبعد عن القرية حوالي خمسة كيلومترات، نأخذ معنا غذاءنا ونقوم أثناء النهار بمساعدة الأهل بقطف الليمون وتعبئته في صناديق خشبية أو بجمع الخضراوات وتوضيبها.

كنا أيضاً نقوم بنزع الحشائش اليابسة وسقاية البساتين ونكش الخضراوات وترتيبها وتعد هذه الأشياء من عمل الكبار ولكننا كنا نساعدهم حسب اقتدارنا. نعود عند المساء إلى القرية حاملين بعض الخضراوات والفواكه كالبرتقال والتين والعنب والرمان حيث تبدأ السهرة ونقوم بتناول هذه الفواكه مع أخوتنا الصغار.

ولكن المدرسة في قرية النهر أغلقت وانتقل المدرس قاسم الفرماوي بعد أن شح عدد الطلاب إلى مدرسة في قرية أم الفرج المجاورة والتي تبعد عن قريتنا حوالي خمسة كيلومترات واشترك مع معلمين آخرين وهما الأستاذ عبده عبد الرحمن المصري والثاني يسمى "جمال" وهو أستاذ اللغة الإنجليزية وكانت ثقافته تفوق ثقافة الأستاذين الآخرين.

رحلة النزوح إلى الشتات

صبيحة 25 نيسان 1948 دب الذعر والخوف بين أهالي عكا وطلبنا من والدي أن نترك المدينة ونذهب إلى مكان آمن آخر. وأخذ الكثيرون من أهالي عكا بالرحيل براً وبحراً إلى لبنان.

هاجر أهالي قرية النهر و أقاموا بالقرب من مدينة صور في محلة البص.
عاد عدد من الأهالي الى القرية النهر في فلسطين حيث لم تكن محتلة آنذاك. عند وصولنا إلى قرية النهر وبدأوا بزراعة بعض الخضراوات كالبندورة والفلفل والملوخية والباذنجان.

كانت القرية خالية من السكان إلا القليل (حوالي 20 شخصاً) والقرى المجاورة كان وضعها مشابهاً لقريتنا. أثناء الليل كان يذهب أهالي القرية الموجودين إلى القرى الجبلية الأخرى خوفاً من مهاجمة الصهاينة ليلاً وفي النهار يذهبون للعمل في البساتين.
كان الذعر يدب في القرية خاصة في الليل لأن مستعمرة نهاريا كانت تبعد عن قرية النهر حوالي 6 كيلومترات وتصلنا بها طريق معبدة هي طريق ترشيحا-عكا.

بعد سقوط مدينة عكا أخذ اليهود يهاجمون قرى القضاء قرية بعد قرية ولما أحس والدي الموجود في بيتنا في قرية النهر بسقوط قرية السميرية القريبة من قريتنا وتطايرت حجارتها في الهواء حين قام اليهود بقيادة الهاجاناه بنسف جميع بيوتها ترك أهل القرية المتبقين قاصدين لبنان مشياً على الأقدام حيث أصبحت جميع طرق السيارات مقطوعة وغير آمنة. وقد سار من بلدة النهر إلى قرية معليا ثم إلى الحدود اللبنانية.

بعد نزوح الأهالي عن قرية النهر بحوالي عشرة أيام هاجم جيش الهاجاناه هذه القرية الجميلة الوادعة ولم يجد فيها أحداً سوى 16 عجوزاً مسنة تتراوح أعمارهم بين الثمانين والتسعين سنة وليس لهم أي معين ومعهم رجلان معاقان وفاقدا العقل ومشلولان فقام بجمعهم في مكان واحد وأطلق النار عليهم وتركهم يسبحون بدمائهم في حارات القرية ولم يرحمهم كبر سنهم.

ثم قام الصهاينة بنسف بيوت القرية جميعها وتركها قاعاً صفصفاً وقام بتحويل مياه ينابيع القرية بواسطة أنابيب معدنية إلى جهة مجهولة. وأصبحت القرية وبساتينها بدون مياه مطلقاً، وهذا العمل هو نموذج واضح لكل ما حصل في قرى قضاء عكا وما فعله جيش الهاجاناه فيها.