إقرث

01/01/1970
اقرث

ميلاد أشقر- أبو زياد (1931): "أهل البلد اشتغلوا أكثر اشي بالزراعة وع البيادر. الختيارية كانت تعمل عريشة ع البيادر وتقعد تحت فيّتها، كل عائلة بإقرث كان إلها عريشتها. البيادر كانت كلها جنب بعضها البعض القمح كنا نجيبه من البيدر، ندرسه شهر أو شهرين على فرس أو بقرات، بعدها نطحنه ناعم وبعد ما يخلص البيدر كله كنا نعمل عورمة كبيرة (قمح وتبن مخلوطين، قبل الفصل، وموجودين على شكل هرم) ونعلن للناس، إنه بكرة مثلا أبو إلياس بدّه يذرّي البيدر (يعني يفصل القمح عن التبن)، وتيجي الناس تساعد، ييجو عشرة أو عشرين رجل حاملين مذراية (المذراية عبارة عن كف له خمس أصابع مع عصا طويلة)، يدقوا بالعورمة، وييجي الهوا بياخد التبن وبخلي القمح. التبن بيجي مرحلتين، مرحلة ناعمة كبيرة عشان السطوح والحيطان، ومرحلة يكون مخزون علف للبقر.
بالبيدر، لما يصير قمح كان ييجي المخدر (حارس على الأرض)، العجال (الراعي الذي كان يسرح ببقر القرية في الجبال والمراعي)، الحلاق، الناطور (شخص في البلد الذي يقف على منطقة عالية وينادي على أهل البلد ويعطيهم الأخبار) واللي بحذي البقر والخيل، كلهم بيجوا يوخدوا أجارهم. ما كان في مصاري وفيزا مثل اليوم.
بعدها يحطوا القمح بالغربال، كان غربال مصنوع للحب الصغير وغربال للحب الكبير. يعني بيجي مع عيون صغيرة أو كبيرة، وهاي شغلة نسوان. الرذايذ هي الحبة الميتة اللي بتنزل من الغربال، الرذايذ هاي لا للبيع ولا للشراء، عادة بعطوها علف للمواشي، والقمح هو اللي بيبقى بالغربال نظيف نظيف مثل الذهب. رذايذنا ولا القمح الصليبين، هذا مثل شعبي كانوا يقولوه للبنات الغريبة اللي بتجوزوهم وبجيبوهم على البلد، والمقصود إنه بنات البلد ولو كانوا رذايذ بظلّهم أحسن من البنات الغريبة اللي بجيبوهم على البلد (ضاحكاً)."

وتضيف نجمة يعقوب- أم يعقوب (1927) وهي تعيش اليوم في كفرياسيف:
" الناس كانت تزرع سنة دخان وسنة قمح. بس كمان كانت تزرع عدس، فول، حمّص، بصل، ما كنّا نشتري إشي من برّة. كل شي من البيت! ما بقاش حدا يشتري بمصاري. بس الدخان كنا نبيعه لشركة دخان برّة، تيجي وتلّم الدخان من البلد. وأهل البلد يوخذوا حق الدخان، بفترة العيد يروحوا يشتروا فيهم أواعي وحلويات ولوازم العيد".
بيت أبو رياض
جريس طعمة، أبو رياض (1932)، وهو يسكن اليوم في قرية كفرياسف:
" ببيتنا سكنّا أنا وأمي وأبوي وأربع أخوة، يعني عائلة موديرنيت (ضاحكاً)، فش كثير أولاد. بيوت القرية كانت مبنية من حجر وكانت معظمها طابق واحد والدواب كانت تسكن معنا. بيتنا من طابق واحد بس كان بيت كبير، واللي بدّه يتجوز كان يعمل عرسه عنا. بيتنا كان مبني من قناطر وسدّة من فوق. ما كان فيه غرفة، القناطر كانت مقسومة بخزاين، ما كان فيه مثل اليوم الواحد يتجوز ويسكن ببيت لحاله هو ومرته ببيت مئة متر او 150 متر، كانت الناس تتجوز وتقسم البيت بينهم.
أنا كنت أقضي نهاري بالفلاحة، مرّات كانت الدنيا تشتي عليّ وما أروّح غير ما إنهي الفلاحة. أخوي كان أكبر مني وكان يشتغل بالريفيناري بحيفا. أمي وأبوي اشتغلوا بالفلاحة. أمي كانت رجاليّه، كانت تشتغل بالليل وبالنهار، كانت تروح مع أبوي على الأرض، وتشتغل بكل إشي، وخاصة بقطف الدخان وشكّه".

الأعراس

أم يعقوب: " أنا تجوزت لما كان عمري 18 سنة، ولما طلعنا من البلد كانت بنتي ابتهاج عمرها 7 أشهر. الأعراس أيام زمان كان إلها هيبة، والناس مبسوطه أكثر (ضاحكة)، مش مثل اليوم الناس تروح ع الأولام (אולם). كانت الناس تقعد جمعة تعلّل. النسوان كانت تقعد وتفتل شعيريّة على إيديهن للعرس، مش مثل اليوم بشتروها خالصة. بعدها تصير الشباب والبنات يدبكوا إيد بإيد.
شبين جوزي كان اسمه حنّا شيبان سبيت، وأنا شبينتي كانت رضا عطالله. الناس كانت تتمنى إنه دار شيبان يكونوا شباينهم، لإنهم كانوا يغنوا ويعزفوا على آلآت موسيقى بالأعراس وكانوا يحمّوا العرس.  كانت أم ضرغام، زوجته لحنا شيبان سبيت تغني في ألأعراس".

المدرسة - take the signal !!!  

معروف أشقر – أبو نعمة (1929): " مدرسة إقرث كانت حديثة، وبنيت بفترة الانتداب البريطاني في بداية الثلاثينات. أنا درست لصف السابع بإقرث، بس أنا لليوم بعدني بقرأ وبكتب وببعث مقالات ورسائل للصحف. أخوتي تعلموا بالمدرسة، عندي أخ خلّص ثاني عشر. بإقرث اللي كان يخلص صف سابع كان ينزل ع البصة أوعكا يكمّل تعليمه.
التعليم بإقرث كان منيح كثير، بذكر بحصص الإنجليزي كان مطلوب إنه بعد الدوام نحكي بس إنجليزي وممنوع عربي، عشان نقوّي انجليزياتنا. المعلم أيامها أعطانا خشبة صغير اسمها سيجنال (Signal)، بالأول كنا نسميها punishment يعني عقاب. وكان اللي يغلط ويحكي عربي يعطوه أولاد الصف السيجنال ويقولوا له take the signal. ولما يرجع الأولاد ع الصف كان الأستاذ يسأل مين كان معه السيجنال هذا الأسبوع واللي تكون معه كان الأستاذ يوقفه قدام الطلاب
وينقص له علامات أو كان يضربنا بالعصاية على أيدينا. مرّة ولد بالصف راح يطلب أكل من أمه، في واحد من صفّه كان عم براقبه، نزل الولد على سطح البيت وقال لأمه: صرّيلي عروس مجدرة. سمعه الطالب الثاني وقال له: take the signal (ضاحكاً). صار الولد يصرّخ عليه ويقله أمي يا دوب تعرف عربي بدك إياها تعرف انجليزي؟!.
معلم الإنجليزي كان من إقرث واسمه ذيب إلياس عطاالله. مرات الخوري كان يعلّمنا. وكان كمان عنا معلّم من علما الشعب (قرية بلبنان) اسمه ناصيف وديع صياح وكان مفروض يعلمنا انجليزي بالأضافة للمعلم ذيب. مرة بدرس الإنجليزي بدل ما يقول "ذا بوي" قال "زا بوي". آخر النهار أجا المعلم ذيب وقالنا فش إشي اسمه " زا بوي"، وطلّعوه من المدرسة وكمّل ذيب يعلمنا انجليزي.
آخر السنه طلبوا من الأولاد إنه كل واحد بدفع 20 قرش زيادة عشان يجيبوا معلم زيادة للمدرسة. دفعنا وجابوا لنا معلم من البصة اسمه فهد وديع فرح. تعلمنا عنده بس ما استفدنا منه ولا بأي درس غير بدروس الإنجليزي، علمنا قراءة، ترجمة، محادثات، إنشاء وقواعد. بس بحصص الجغرافيا كان يقعد ع الكرسي وينام.
البنات ما كانت تتعلم. مرّة جابوا معلمة فتحت صف للبنات بس ما كمّلت، ومرّة جابوا واحدة ثانية كانت متزوجة وزعلانة من جوزها، ودبرتلها واحدة شغل إنه تفتح مدرسة عنا. علمت سنة واحدة وبعدين رضيت مع جوزها وراحت. اللي أهلها اهتمّوا يعلموها بإقرث وكانت تيجي عند المعلم والمعلم يروح عندها،هي نورا سبيت (أم جريس أشقر). بذكر مرّة كانت
نورا حاملة تنكتين ميّ من النبع وراحت ترشّ الدخان بالأرض. أجا عليها بوليس إنجليزي وسألها بالإنجليزي: أنت ليه عم تشتغلي؟، ردت عليه بالإنجليزي وقالت له: I work to assist my parents because my father is an old man also my mother.
بسنة ال 47، صارت الأولاد تطلع من المدرسة بسبب الحرب والتوتر. وصار عدد طلاب الصف يتضاءل لحد ما صفّيت أنا لحالي. ساعتها اضطريت أطلع من المدرسة".
ألعاب الأطفال
أبو نعمة: " إحنا كنا نلعب كل أنواع الألعاب وعلى رأسها لعبة الفوتبول، الطابة عنا كانت مصنوعة من جلد الدواب. كنا نلعب لعبة النحلة والدبور، هاي اللعبة كان يوقف فيها شخصين ظهرهم لبعض، وأيديهم متشابكة، مرّة الأول يرفع زميله ومرّة الثاني. لعبة ثانية كان اسمها لعبة الشوكة، كنا نجمع حبوب من الزيتون أو الغار أو الزنزلخت ونخبيها تحت كومة تراب ناعم، وبعدها نبدأ بالبحث عنهم بالإبرة وهي عبارة عن شوكة نبات قاسي، في حال ظهرت حبتين سوا بخسر اللاعب وببدأ لاعب ثاني مكانه.
في كثير ألعاب ثانية كنا نلعبها مثل المنّة والزقال، الكازي، السبركي، الزقاليط، المراجيح، البنانير، مصارعة الديوك، البلابل، حامي بارد والغميضة. بذكر بالصيف كنا نتخبّأ بين شوالات القش ع البيادر ونصير ندوّر على بعض".

زمن السفربرلك (زمن الاتراك وتجنيد الشباب العرب للجيش)

أبو زياد: " بسنة السفربرلك، سنة 1914،  يومها كان في تجنيد إجباري لرجال القرى للجيش التركي. أبوي تجند في تركيا لما كان ابن 17 سنة، أخذوه على الشام، وبعد فترة هرب من الشام هو وواحد من قرية علما اسمه أندراوس، وكانوا يمشوا بالليل وبالنهار يناموا. الطريق من دمشق لإقرث أخذت معهم كثير وقت. لما قطعوا منطقة الشريعة، وين جسر بنات يعقوب، (الشريعة هي حدود طبيعية بين سوريا وفلسطين)، ووصلوا قريب على البلد، شافوه بنات المختار، يومها كان معروف إنه وين في ضيّ سراج بالعتمة ممكن هناك يكون في شاب هارب من الخدمة، البنات راحوا وبلّغوا أبوهم إنه في شاب هارب، والمختار بلغ الجيش عن أبوي وأجوا أخذوه كمان مرّة لقرية سمخ ومن سمخ رجّعوه بالقطار لسوريا. بسوريا أبوي تعلم تمريض واشتغل ممرض عسكري، وبعدين اشتغل ساعي بريد بين دمشق وجبل الدروز. اشتغل أربع سنين هناك لحد ما تركيا صارت تطلع من الجنوب وتـنهار وعندها رجع أبوي على إقرث .
بفترة السفربرلك أجا كثير جراد على المنطقة وصار يوكل الأخضر واليابس. تركيا صارت تعطي جوائز لكل شخص بجمع كل يوم علبة من بيض الجراد. بلدنا وكل البلاد كثير تضررت من الجراد، وأمي حكت لي إنهم وصلوا لوضع إنهم يوكلوا من براز البقر. بهاي الفترة الرجال كانوا بالحرب وكانت النسوان هي اللي تحرث الأرض وتحصد.

اقتلوا نسوان البلد قبل رجالها

أبو زياد: " لما تركيا إنهارت قسّموا المنطقة والإنجليز انتدبونا، أنا بذكر العسكر الإنجليزي لما أجا عنا على الأرض وطعميناهم تين يابس. فرنسا وبريطانيا حتى يشرعوا وجودهم بالمنطقة ويثبتوا إنه هذا الشعب صعب يعيش مع بعضه، أوجدوا خلاف بين المتاولة (القرى الشيعية المجاورة) وبين المسيحيين. أعطوا سلاح لجماعة شيعية وأعطوا سلاح لمسيحية بلدنا ولعين ابل. المتاولة هجموا على عين إبل وحرقوها. مختار بلدنا خاف إنه يحرقوا إقرث.
بسنة العشرين هجموا علينا الشيعيين، أهل بلدنا أخذت نقاط استراتيجية، وين المنقطة الشمالية عند البركة، المنطقة هاي كانت كروم وأرض مكشوفة. قُتل من بلدنا بهاي الهجمة أربع شهداء، رجلين ونساء تنتين. كان عنا خوري قبضاي، شجّع البلد على الصمود.

مرّة دخل أرض بلدنا واحد من المتاولة راكب حصان. شافوه بعض نسوان البلد، منهم واحدة اسمها نصرة الأيوب وخالتي. النسوان هجمت عليه بالقشقوشة (فروع شجر ضعيفة) وضربوه. لما روّح الشاب على بلده قال: اقتلوا النسوان بهاي البلد قبل الرجال، لإنه نساءهم أرجل من رجالهم.  
مقتل مختار القرية
أبو نعمة: " أنا واعي الإنجليز، بذكر كيف أخذوا جمال ونزلوا ع البصة وصاروا يفتحوا الشوارع على الحدود. وأول ما وصلت السيارات، مشينا حوالي 5 كيلومتر حتى نشوف شكل السيارات، وصارت تيجي الجنود والجيش، وبنوا المعسكرات وشقوا الشوارع. الفلسطيني اللي كان يعرف شوية إنجليزي وظفوه الإنجليز. بين سنة 36 وال 38 كانت الثورة، إحنا سمّيناها الثورة الضارة، لإنه الإنجليز واليهود، فسخوا قيادة الثورة وصار معهم كثير متعاونين. مرّة أجا الجيش الإنجليزي وطوّق بلدنا، وأجبرونا نسلم السلاح. بال 37 اتهم الثوار مختار بلدنا خليل يوسف سبيت إنه بتعاون مع الإنجليز، وقتلوه. اتهموه باطل، المختار وأهل البلد كانوا يبعثوا أكل للثوار بالوادي. انقتل لإنه العرب مش أوادم بحق بعضهم. بهاي السنوات الثوار قتلوا حوالي 40 مختار. أنا بذكر منيح اليوم اللي انقتل فيه، كانت الفترة بين أحد الشعانين لأحد الفصح، كان في صلوات، بهاي الفترة أجو اثنين من أمريكا والمختار عملهم عشاء بعد الصلاة مع بعض الختيارية من البلد. وهم قاعدين والاّ واحد من الثوار بنادي على المختار بقول له كلّم القائد. طلع المختار برّة وراح عند القائد، مشيو حوالي كيلو متر بالطريق الوعرة عند كرم الزيتون. الدنيا كانت ضوء قمر والناس قاعدة برّة. بعد شوي سمعنا طلق بارود. البلد فزعت وبتذكر بنته غصيبة صارت تنادي عليه: يابا، يابا. أمي كانت أقرب واحدة على المكان ولما وصلت عليه لاقته بعده بشخّر. الناس جابت سلّم خشب، حطّوه عليه وجابوه ع البلد، وبالبلد مات. الجيش الإنجليزي من بعدها عملوا معسكر، حوالي 400 دونم، وصاروا يجيبوا عليه المعتقلين والأسرى من كل القرى والمدن".
 
أبو رياض: " علاقتنا بالإنجليز ما كانت كثير منيحة، وخصوصاً بسنة ال 36 بأيام الثورة. يومها كان مركزهم بمنطقة اسمها خربة الصوّانة (عرب السمنية)، وكانوا يجمعوا الشباب بالأساس من قرى الزيب والبصة والكويكات والكابري ويتهموهم بالمقاومة ويعتقلوهم، كانوا يعاملوهم مثل الدواب، يمسكوا إيدين بعضن ويبرموا كل النهار تحت الشمس، أنا يومها كنت كثير صغير، يمكن كان عمري خمس سنوات. من بلدنا ما كان في ثوار، بس بذكر إنه الإنجليز دخلوا البلد وطلبوا من أهل البلد يسلموا سلاحهم. كان في ثلاث شباب من عنا اسمهم أنيس أيوب وأسعد واكيم أشقر وميخائيل حبيب، سلّموا سلاحهم. وصلت فِسدة عنهم للثوار، وأجوا الثوار بالليل ع بلدنا وأخذوا الشباب وحطوهم ببير بسحماتا. بس ميخائيل حبيب تركوه لإنه عمته مريم عطاالله لحقت الثوار وترجّتهم لحد ما تركوه، هاي المرأة كانت قوية ورجالية. أنيس نجح يهرب من البير وظلّه يركض من سحماتا لأيلون (مستوطنه يهودية غربيّ إقرث) ومنها للعرامشة ولعلما بلبنان وظلّوا هناك، أما أسعد فأفرجوا عنه وما قتلوه، بس عذبوه كثير وضربوه".

جيش الانقاذ

أبو رياض: " جيش الإنقاذ أجا علينا من كل البلاد، سوريا، اليمن ومصر. بس لما أجا جيش الإنقاذ، كثير عانينا منه، لإنه كل يوم صار بدهِن حطب، ميّ، أكل، أواعي وفراش للنوم، أهل البلد صاروا يتمردوا على جيش الإنقاذ، فقام الجيش حبس بعض الختيارية عنا بالبلد لليلة كاملة، كان بينهم إبراهيم الأشقر، توفيق الخوري، مبدّا حنا، شيبان سبيت، خليل أخوي وخالي خليل أبو فخري (خليل أسعد طعمة)، حبسوهن حتى يجبروا أهل البلد تتعاون معهم.
أنا كنت أطلع حراسة مع بعض الشباب حوالي البلد، كنا نحرس من المغرب لنص الليل ودورية ثانية من نص الليل للصبح. وقتها كان عمري حوالي 14 سنة، كنت أطلع حراسة أنا ومجيد داوود ومعنا اثنين يمنيّة من جيش الإنقاذ. كان عنا بالبلد لجنة حراسة، وكانت توزع الشباب على الحراسة مع جيش الإنقاذ. سلاحنا ما كان سلاح أبداً، كان معنا بارودة مصدّية، يمكن تضرب فشكة ويمكن تلصّم وتبطل تضرب. الله يساعد العرب ( بيضحك ). جيش الإنقاذ كان ينام بمعسكر الجيش بين تربيخا وبلدنا بأرض اسمها كرم عضاض. هذا المعسكر كان للإنجليز، ولمّا طلعوا الإنجليز العرب أخذته .
بذكر حادثة صارت قدامي، لما جيش الإنقاذ اتهم جريس حزبون من عكا إنه جاسوس لليهود وقرر يعدمه. أخذوه على المعسكر، عصبوا له عينيه، علّقوه على شجرة زيتون وشنقوه . أهل البلد هجمت تتفرج على الإعدام وأنا كنت بينهم. وهم يشنقوه انقطع الحبل، فأنا صرخت وقلت: بريء بريء. وهجمت على جريس وقمت الحطّة عن عينيه. قام واحد من جيش الإنقاذ حطّ البارودة بظهري وقال لي: اسّا بقوّسك وعاودوا علقوة مرة ثاني بالحبل وشنقوة ومات. كانوا كثير ظالمين، ويتهموا الناس بالباطل، لا قانون ولا ضمير".  

بقرات أبو زياد

أبو نعمة: " قبل احتلال البلد بفترة قصيرة، قسم من الناس خاف وطلع من البلد. بيوم من الأيام روّحت ع البيت بساعات الظهر وما لاقيت البقرات. سألت أمي: يمّا وين البقرات؟، قالت لي: ودّيتهم مع عاطف على لبنان.
البقرات هدول إلنا وأنا بحبهم كثير، حياتنا هدول. زعلت عليهم كثير، ما أكلت ولا شربت، وقلت إنه أكيد في لعاطف أقارب بالقوزح (قرية لبنانية على الحدود)، ورحت ألحقه عشان أجيب البقرات. نزلت مشي على قوزح، سألت البيوت القريبة اللي على مدخل القرية إذا شافوا شاب أسمراني مع حوالي 12 راس بقر مرّ من هون، بس الناس ما عرفت. فكرت شوي وقلت أكيد راح على مروحين (قرية جنوب لبنان). مشيت من طريق القوزح على منطقة خلة وردة (شمالي النبي روبين) وأجيت على مروحين. سألت الناس وما حدا بعرف عن الموضوع.  
قعدت على بير وفوقيـُّه دالية، وصرت أفكر وين راح عاطف مع البقرات. الناس قالت لي إفحص عند عرب البستان، هدول بدو من لبنان. الساعة وقتها صارت حوالي تسعة بالليل وكان معي عصاية صغيرة. رحت عند عرب البستان وصارت الكلاب تنبح علي، لإنه كل عربي من البدو كان عنده كلب حراسة. سألتهم عن البقرات بس ما شافوا إشي.
سحبت حالي ورجعت ع مروحين، وأنا ما بعرف وين راح عاطف مع بقراتنا. وإلاّ إجا عليّ واحد من بدو مروحين وقال لي شو رأيك تروح على بدو بركة الحجارة، هاي وين البيت الأبيض تبع هيئة الأمم اللي ببيـّن من كنيسة بلدنا، للجنوب بحوالي 400 متر. أخذت نفسي ومشيت ع عرب الحجارة، وسمعت كلاب تنبح، وهنالك لاقيت عاطف مع البقرات وشكرت الله وحمدته. ولما التقيت بعاطف قلت له: شو جابك لهون؟ يلّلا ضبّ البقرات وخلينا نروح على مروحين.
وصلنا مروحين 11 بالليل. دخّلنا البقرات بالحوش ونمنا، ثاني يوم قمنا سرحنا بالبقرات ونمنا كمان ليلة. ثاني ليلة رجعنا ع  إقرث".  
رفع الراية البيضاء على سطح الكنسية
أبو زياد: " بتشرين أول 1948 دخل الجيش الإسرائيلي ع بلدنا، أهل كيبوتس إيلون كانوا نايمين بالاستحكامات، بعد ما الجيش العربي ترك المنطقة وفلّ. يومها أنا كنت عم بنشل ميّ من البير وبسقي البقرات، والاّ شفت الجنود بتطلع على بلدنا، ركضت عند أبوي وقلت له: يابا يابا، اليهود أجوا. قال لي: يابا، المختار وأهل البلد اتفقوا يطلعوا ع سطح الكنسية.
رميت سطل الميّ وطلعت ع الكنسية. لما وصلنا سطح الكنيسة، ربطنا الحطة البيضا، ونزل وفد من عنا يلاقي الجيش. التقوا وين المعصرة، وين كراج دار عطاالله. الوفدين سلموا على بعضهم ومشوا باتجاه الكنسية. وقتها أنا كنت واقف على سطح الكنسية ورافع العلم.
بالكنسية جابوا لهم أهل البلد حلويات وشرّبوهم قهوة وبسكوت. خالي نادى عليّ إنه أنزل من سطح الكنيسة وقال لي إنه اليهود استلموا البلد وكتبوا أوراق، وطلبوا إنه نجمع كل سلاح المقاومين الهاربين".  

عودة المسلحين ورفع الراية البيضاء على حمارة القرية

وعن إرجاعه للمقاومين أضاف أبو زياد: " يومها أنا كنت أكبر شاب بالبلد . وأهل البلد طلبوا مني أروح على بيت محمد القاسم وألتقي بالمسلـّحين وأطمئنهم وآخذ منهم سلاح، حسب الاتفاقية مع الجيش. مشيت ووصلت عند طريق المقبرة، تطلعت على الجبل وشفت جنود وخفت يقتلوني، حملت علم صغير، نزلت على أرض اسمها كُسبر (أرض في إقرث)، على قطمون (أرض مثلث، حواليها جبال، وصالحة للزراعة) وكمّلت على بيت محمود القاسم. هذا محمود كان بدوي وساكن بأرض لحاله مش بعيدة عن أراضي إقرث. مشيت حوالي ساعة، ولما شافوني المسلحين أجوا يركضوا عشان أحكيهم شو صار، بذكر منهم إلياس سلوم، حنا توما، لطف ويوسف جريس. حكيت لهم شو صار، وإنه اليهود اجتمعوا مع المختار وسلموا البلد وبعتوني عشان أطلب منكم تسلموا السلاح وإنه ما راح يصير عليكم إشي وانتو بأمان. قسم وافق وقسم لأ. كان معنا يومها ذيب الشيبان، وذيب قال إنه ما بده يسلم البلد وسحب حاله وراح. مشينا رافعين العلم الأبيض على عصا، ونزلنا من الجبل على القطمون، قطعنا الوادي لحد ما وصلنا على مشارف إقرث.
واحد من الشباب قال كيف بدنا نسلم بواريدنا ونذلّ حالنا، خلينا نحطّ السلاح كله على الحمارة، ميلاد ولبيب بجرّوها وإحنا بنمشي معهم. المجموعة وافقت وحمّلوا حوالي تسع بواريد على الحمارة ورفعوا العلم الأبيض عليها لحتى وصلوا العين الغربية بإقرث. هناك لاقيت عمتي مريم وأم ماضي، قلت لها: شو يا عمتي؟، قالت لي: البلد مليانة جيش والجنود ع البيادر، إنتو توزّعوا، وما تطلعوا طريق واحدة".

وتضيف كاميليا خيّاط - أم راضي (1924)، وهي تسكن اليوم في كفرياسيف:
" بعد ما رجعوا الشباب، أجا الجيش وصفّ حوالي 10 شباب من البلد بدّه يطخهم (باكية). الخوري أندراوس قرداحي هجم عليهم وقال لهم: طخّوني أنا وما تطخوا الشباب. احنا ما عملنا لكم إشي ولا طلقة طلعت من بلدنا. قالوا له: راح نتركهم إذا فتحوا الطريق لكيبوتس أيلون وأزالوا الألغام. وبالفعل هيك صار وهيك نجيوا الشباب".

أبو نعمة كان واحداً من هؤلاء الشباب المسلحين الذين عادوا، وعن هذا حدثنا قائلاً:
" أنا كنت مع الشباب اللي أجوا ووقفت مع الشباب اللي صفوهم ع الحيط وبذكر الخوف اللي كنّا حاسين فيه. بس بعد ما أفرجوا عنا رحنا حتى نفتح الطريق للكيبوتس. أنا كنت يومها صار لي يومين بدون أكل ونوم. رحت ع بيتنا، وبعد ما أكلت رحنا وصرنا نجيب حبال عشان نربطها باللغم ونسحبه. ولمّا خلصنا شغل روّحنا. أنا شخصيا قعدت يومين بالبيت ما طلعت، كنت حاسس بحزن كبير".

الرحيل الأول

أم راضي: " صار الجيش يروح وييجي علينا. وبيوم من أيام الصلاة، بتشرين ثاني، صحينا الصبح وشفنا البلد والبيادر مليانة جيش وسيارات.  قرر الجيش إنه يرحّل أهل البلد ع الرامة لأسبوعين بادعاء إنه بدّه يأمن المنطقة من المقاومة وبعدها برجّع الناس. الناس تركت كل شي ببيوتها وعلى البيادر. والجيش جاب اوتومبيلات، حطوا الناس فيها وأخذوهم ع الرامة. واتفق مع أهل البلد إنه تبقى فيها بعض العائلات والخوري بهدف حمايتها وحراستها من الحرامية لحد ما ترجع الناس ع بيوتها.
لما طلعنا كنت حبلى بابني راضي. قسم من العائلات راحت ع فسوطة، وقسم على معليا، بس الأغلب رحلوا على الرامة.
احنا رحنا على الرامة لشهرين تقريبا. كان صعب كثير، هاي مش بلادنا، ما منعرف إشي. الشباب صارت تفلّ ع حيفا تدوّر ع شغل، والختيارية والرجال والنسوان والأولاد تشتغل بالزيتون مع أهل الرامة. أهل الرامة عاملونا مش عاطل، يخلف عليهم، تعالي حطي بلد على بلد مش سهلة، استعملنا لهم ميّتهم وأرضهم. اللاجئين أجت على الرامة معها فرشها ودوابها، واللي عنده مكان من أهل الرامة كان يعطي للعائلات ودوابها تسكن فيها. كنا نسكن كل ثلاث أو أربع عائلات بغرفة، في ناس سكّنوها بمدرسة مار جريس. الصليب الأحمر صار يعطينا إعاشة على عدد أفراد العائلة.
بعد بكام شهر جوزي لاقى شغل في موشاف يعره (قرية يهودية بنيت عام 1950 على يد يهود قادمين من أفريقيا وأيضا بدو عرب من الجليل، هذه القرية بنيت على أراضي عرب السمنية/ خربة الصوانة التي صودرت عام 1948). بيعره كان في معسكر للجيش الإنجليزي وبعدين صار معسكر إسرائيلي. أيام الإنجليز كان جوزي يتشغل كوّا، كان يغسل ويكوي أواعي الإنجليز وبعد الاحتلال قال له الجيش خلّيك هون وبنعطيك أكل وميّ، جوزي وافق واشتغل كوّا للجيش الإسرائيلي، ونقلنا نعيش بيعره. عارف خياط ولطف أشقر من إقرث، كانوا هم كمان مكوجيّة أيام الإنجليز وجوزي دبّر لهم شغل معه بالمعسكر ونقلوا هم كمان على يعره.
اليهود بيعره طلبوا إنا نعلّمهم كيف يزرعوا دخان، علّمناهم، وصرنا أنا وماضي وعارف وزوجته نروح معهم ع زرع الدخان ونتشارك بالربح. بس صراحة بطلعش بإيدهم، هاي مش شغلتهم، وما بفهموا فيها. إحنا حملنا همّ  الزرع وكلّه. بعدين حاولوا يزرعوا عنب وأجاص، زرعوا كروم بس كمان ما قاموا بواجبها كيف لازم لإنهم بفهموش بالزراعة.  
لما مات عارف انتقلت مرته على الرامة، وظلينا أنا وجوزي. بحرب لبنان 2006 أجت قذيفة على بيتنا بيعره وانقتل جوزي. بعدها أنا نقلت أسكن بكفرياسيف. حياتنا بيعره مع اليهود كانت عادية وكنا أصحاب. كنا عايشين باحترام معهم وابني هو أول ولد عربي بروح على حضانة يهودية. مرّة أجت الجانينت (الحاضنة) وكل أولاد الحضانة حتى يزوروا ابني بالبيت لما خلّفت ابني الثاني وانبسطوا كثير. أنا كنت أساعدهم بالطبيخ، ما كانوا يعرفوا يطبخوا الرز، هم ما بفهموا بالطبخ مثلنا، كانوا يجيبوا الدجاجة ويقطعوها ويحطوها بالمي ويقعدوا حواليها".

وعن رحيله الى الرامة حدثنا أبو زياد: " بعد فترة قالوا لنا اليهود ممنوع تبقوا بإقرث، يا بترحلوا على الرامة أو بتروحوا على لبنان. أنا طلعت مع البقرات من بلدنا لفسوطة، ومنها لجسر الحبيس غربيّ حرفيش، بعدها لسحماتا وللبقيعة. بالبقيعة شرّبت البقر، ارتحنا وكملنا طريقنا على الرامة. بالرامة كان في كثير مسيحية رحلوا من البلد وبيوتهم فاضية، وكان في أولاد حلال دروز دلونا على البيوت الفاضية. إحنا سكنّا ببيت فيه حوش كبير حتى يعيش فيه البقر كمان. هذا البيت كان لفوزي إبراهيم الناصر، هجر على سوريا، بذكر كان بالبيت صورة لرجل مع شوارب، وكان في سدّة كمان. بعدها جابولنا عائلة من فراضية (قرية جليلية مهجرّة) سكنوا معنا. قسم سكن بالتبّان (مخزن للتبن) وقسم على السدّة (نصف طبقة داخل البيت، يصعدون اليها بالسلم، وينام بها عادة الضيوف).
الجيش الإسرائيلي طلب من الدروز إنهم يحطوا دائرة خضراء على أبواب بيوتهم، حتى إذا دخل يقدر يعرف بيت الدرزي من بيت المهجّر، ويرحلوا المهجّرين. بذكر واحد درزي اسمه علي قفورة (أبو محمد) أخذ علبة دهان وحطّ على كل بيوت المسيحية دوائر خضرا وهيك إحنا ظلينا بالبلاد. بقينا بالرامة لسنة 1988 ومن بعدها انتقلت أنا وعائلتي للعيش في حيفا".

الرحيل الثاني

عن رحيلها في المرحلة الثانية حدثتنا أم يعقوب: " أنا وجوزي وبنتي ابتهاج من الناس اللي بقينا بإقرث بعد الرحيل الأول. بقينا بالبلد حوالي 60 شخص. أنا ما كان بديّ أبقى بإقرث. نزّلت شوية أواعي عشان أروح ع الرامة والحق أهلي، كنت صغيرة وبدي أبقى مع أهلي. بس جوزي قال لي خليك بإقرث.
عشنا حياة تقريباً طبيعية من تشرين أول لأيار 1949. كنت أظلّني كل الوقت حاملة بنتي، وكانت حدّي ساكنة إمرأة موسى الخليل مع بنتها وكنا نزور بعضنا. ما فش حدا يعني، البلد فاضية، كنت أفوت ع البلد وشعر راسي يوقّف من الخوف لإنها فاضية. صارت الناس تشتغل بأرضها وتزرع ذرة مكان الدخان، لإنه الذرة البيضاء بدها أقلّ عناية ووقت مثل الدخان. الجيش شاف العائلات وما تعدّى على حدا.  

بذكر كيف كانت الناس من القرى حوالينا تيجي وتسرق كبوش الدخّان والقمح من بلدنا، كانوا ييجوا الحرامية من فسوطة ومن لبنان. مرة طلعت أختي كوكب ، وشافت الحرامي حامل جاروشة بده يسرقها، صرّخت عليه وقالت له حُطّها حُطّها لوين حاملها؟ مش عيب عليك توخدها؟. جوزي وحنّا توما كانوا يجيبوا فشك طقّيع ويرموه بين إجرين الحرامية وهدوك يخافوا وينهزموا (تضحك).
بعدين صارت أهل إقرث ترجع شوي شوي ع البلد وخاصة إنه الجيش ما وفى بوعده. كثرت الناس وساعتها أجا الجيش وقرر إنه يرحلنا كلنا. جابوا تْرَك ووقّفوه على الشارع تحت. الناس جمّعت أواعيها حتى تحملها بس الجيش ما رضي. الحاجّة فهدة، طلبت من الجيش توخذ صابون الزيت اللي أطلعته من البيت، وإمرأة حبيب الشبلي، مسكينة، طلبت توخذ ذهباتها، بتقلّهُن للجيش بس أعطوني هالسُرَّة، وما أعطوها. التْرك وصّلنا على أول كوربة بالرامة، يومها كان معنا عجايز وختياريّة ما بقدروا يمشوا. أجا علينا سليمان سبيت من بلدنا وصار يحمل على ظهره  واحد واحد وينزّله على الرامة لتحت. لما لاقيت أهلي رحت أنا وبنتي وجوزي وقعدنا عندهم.
سكنا بالرامة كم شهر، اشتغلنا بالزيتون، وبعدها جوزي لاقى شغل بمعليا مع أخوه ونقلنا سكنا هناك بالإيجار، حاولنا نشتري أرض بمعليا بس أهل البلد ما أعطونا، ساعتها اشترينا أرض بكفرياسيف ونقلنا عليها".   

ليلة الميلاد - 1951/12/24

عن رحيله الى الرامة وهدم القرية حدثنا متأثراً أبو نعمة:
" أهل الرامة كانوا فلاحين وما كان عندهم موارد كثير، فصارت اللاجئين تطلب تصريح من الحاكم العسكري حتى يشتغلوا بأراضي خارج القرية. في ناس حصلت على تصاريح وفي ناس صارت تهرب بالخفية وتشتغل. بس اللي عزّ علينا مش الوضع المادي، اللي عزّ علينا هو إنه إحنا خسرنا وطننا.

بفترة الحكم العسكري كنا مسموح إلنا نزور البلد بس بيوم استقلال دولة اسرائيل، كانت الناس تسافر بدون تصاريح. بذكر أول زيارة الي لإقرث بعد التهجير، استأجرنا أنا وعائلتي سيارة مع شوفير من الرامة من دار مويس، ورحنا ع البلد. البلد يومها ما كانت مهدومة. أنا لما شفت البلد ظليتني أبكي أنا وعمتي مريم، من الحزن ما قدرت أروح ع بيتنا، شفت باب البيت من بعيد مفتوح والبلد فاضية. حسّيت بمشاعر غضب وخوف، والله ساعدني ما إنهار.
الناس يومها كانت متأكدة إنها راح ترجع ع بيوتها بإقرث. أهل البلد توجهوا للمحاكم الاسرائيلية وطالبنا بالعودة، لكن بنفس الفترة اللي حصلنا فيها على تأشيرات من المحكمة لدخول البلد والبدء بتجهيز وترميم البيوت استعداداً للعود، دخل الجيش ع البلد بليلة الميلاد سنة ال 51 وفجّر كل بيوتها بالألغام والمدفعيات ما عدا الكنيسة.
أنا لليوم بظلني حاسس إنه في إشي ناقص، كلمة وطن ناقصة. أنا بنام وبفيق وباكل وبظلّ فكري بالبلد، دائماً بزور البلد، وبقول كل الناس عايشة بوطنها إلا أنا وطني عايش فيّ.
حاولنا نستقر بالرامة وبيتنا كان أول بيت لاجئين اشتري بيت بالرامة، في البداية زعلوا علينا أهل إقرث، لإنهم فكرونا تنازلنا عن بلدنا، بس بعدين صاروا هم يشتروا بيوت وأراضي ويعمروا. هذا كان بسنوات ال 56 و57. أنا وأهلي اشتغلنا بالرامة، بس بعدها أنا رحت إشتغلت بالريفاينري بمصنع الزفتة وبسنة ال 71 أجينا ع كفرياسيف. أنا لليوم كل ما أكتب مقال بشي جريدة بمضي من تحت: معروف أشقر، إقرث، كفرياسف".

ما تبقى...

حول المسيرة القضائية حدثنا أبو رياض: " وإحنا بالرامة كثير حاول الحاكم العسكري إنه يعطينا أراضي مقابل أرضنا بإقرث وكنا دائما نرفض. عرضوا علينا نبادلها بأملاك غائبين من شعب وفسوطه وكفر عنان والصوانة وغيرها من القرى.
الدولة مع الوقت صارت تبني على أراضينا. بنوا يشوف غورانوت هجليل على أرضنا وأرض أولاد عمي (مستوطنه يهودية بنيت عام 1980 على أراضي قرية إقرث وقرية تربيخا). لما خلص الحكم العسكري صرنا نقدر نطلع ع البلد، وطلبنا من المطران إنه يتوسّط لوزارة الأديان حتى نصلح ونرمم الكنيسة اللي تضررت بعد ما نسفوا البلد. ونجحنا بالحصول على الموافقة ورممنا الكنسية اللي بعدنا بنصلي فيها لليوم. وسمح النا إنه ندفن أموات إقرث بس بسنة 1971 بعد مطالبات وملاحقات عديدة لوزارة الأديان، واليوم اللي برجع لإقرث هم بس الموتى.
أهل بلدنا مش ساكتين، ومن يوم الترحيل ولليوم وإحنا بمحاكم مع الدولة لإرجاعنا وتطبيق قرار محكمة العدل بإرجاعنا. عملنا كثير مظاهرات واعتصامات وإضرابات كخطوات احتجاجية. وكل سنة أهل إقرث بنظموا مخيم صيفي لأطفال وشباب إقرث حتى يكمّلوا مسيرتنا".