صالح المصري - أبو السعيد

18/02/2010
حيّ المنشيّة (يافا)

أنا من مواليد حي المنشية في يافا. جنب حي المنشية كانت حارة اصغر وهي حارة الرشيد، حارة الرشيد بشكل عام حارة صيادين وأصلهم من مصر.

أمي اسمها مريم، ولما كانت حامل فيي بالشهر التاسع أصرت إنها تسافر الى مدينة الرملة للمشاركة في موسم النبي صالح. هناك جاءها المخاض وانتقلت الى مدينة اللد، كان النا هناك بيت ثاني في مقام النبي شمعون، وهناك ولدتني. بعدها بيومين رجعنا الى بيتنا بالمنشية واللي كان بالقرب من سوق الكرمل وين موقف باصات دان اليوم.

كان لوالدي معصرة في مدينة اللد وكرم اسمه أبو طوق والمعروف اليوم بكرم دهمش وكان له جمال لنقل البضائع. توفى والدي وأنا وعمري ستة أشهر ودفناه بمقبرة عبد النبي اللي على قسم منها اليوم بنوا فندق الهيلتون. واليوم لما بسألوني الناس عن أبوي بقلهم أبوي نازل بفندق الهيلتون.

إحنا كان وضعنا المالي منيح. كان عنا ستة غرف وكنا ساكنين بأربعة وغرفتين مؤجرات لليهود. بذكر منهم مرأه اسمها حسنه وشاب اسمه بن تسيون. هذا الشاب أبوه طرده من البيت فأخذته ليسكن معي في غرفتي، ومع الوقت عرّفني على الشبيبة الشيوعية عام 1937 ومن يومها ولليوم وأنا عضو بالحزب.

بدأت العمل لما كان عمري خمس سنوات، كنت أخبز للجيران وأخذ رغيف من كل خبزه. كان الفرن قريب من بيتنا اسمه فرن الكرز بشارع العالم. أنا تعلّمت بالكُتاب بالمنشية عند الشيخ أمين الفالح وختمت القرآن مرتين. المنشية كان فيها أربع مدارس كبار، مقابل حسن بيك من جهة البحر كانت مدرسة الأوقاف، وبعيد شوي عن المسجد شمالا كان في كمان ثلاث مدارس تابعه لحكومة الانتداب. المنشية كانت بلد منتعشة ومتطورة وفيها تقدم كبير وصناعات صغيرة وأسواق، الحي كان عايش ليل نهار والناس مبسوطة. مش مثل اليوم عايشين بايافا بدرجه ثالثة أو رابعة وما في أي مجال نتقدم أو تطور.

كان عنا تلة مشهورة اسمها تلة بيدس، وين فندق دان بانوراما اليوم، وكان عليها قصر لأبو عباس بيدس. لما بنى البيت دعا عليه المندوب السامي البريطاني حتى يفتتحه، بس أبو عباس مات قبل ما يسكن بالبيت وإحنا صراحة فرحنا لما مات عشان كان إنسان غير وطني وكانت الحركة الوطنية تكتب عنه انه هو إنسان فاوض ضد العثمانيين واشتعل مع بريطانيا وعلى هذا  الأساس أعطوه الانجليز هاي التلة وبنى عليها القصر.   


لما صار عمري عشر سنوات شعرت بأني رجل ملقاة عليه الكثير الكثير من المسؤوليات تجاه بيتي وأمي. ولما كبرت شوي فتحنا أنا واخوي دكانتين لحمة بسوق الكرمل.

محطات من رحيل أبو السعيد

اثناء الحرب على المنشية طردونا أنا وعائلتي من البيت. لما أطلعونا صرنا نمشي باتجاه يافا، وبعد ما مشينا حوالي خمسين متر شفنا دارنا عم تحترق.

بحسن بيك تجمعوا المقاومين وكانوا يضربوا لليركون وللكرمل. المقاومة كانت ضعيفة مقابل عدد الجنود اليهود الكبير والمسلح. أنا يومها كنت اعمل حرس باللجنة القومية وكنت من المقاومين اللي دافعوا عن المنشية.

الحكام العرب قالت منطلع لأسبوعين ومنرجع نحتل تل أبيب، في قسم من الناس الجهلة اختاروا لهم بيوت بتل ابيب يوخدوها بعد ما يحرروا البلد. بس صار العكس والحكام العرب تآمروا علينا. في شعر لأبو سلمى من حيفا بقول فيه:

ايه ملوك العرب لا كنتهم في الوجود
أبا طلال بربى عمان يحلم في الحدود
اقعد فلست أخاً للعلا والمجد وانعم بالقعود
يا دولة الأصنام خير منك مملكة قرود

بعد ما سقطت يافا رحلنا الى غزة عن طريق البحر عن طريق ميناء يافا. ركبنا في مركب سوري وتاهت فينا السفينة. البحر يومها كان هائج ولما وصلنا الى حدود مصر أطلعونا مجموعه بحّارة كانوا على سفينة تابعة الأميرة فوزية وركّبونا معهم. لما نزلنا من السفينة نقلونا مباشرة الى بور سعيد ومن ثم الى مخيم القنطرة. يومها زارنا الرئيس الشقيري وطلب منا التطوع مع المناضلين لتحرير ما سلب من أرض فلسطين وهاي كانت بالنسبة لي ولأصدقائي فرصه جيده للخروج من المخيم البائس اللي وضعونا فيه.

خرجنا حولي 50 نفر، أخذونا الى معسكر للتدريب وهناك درّبونا شهر واحد وانتقلنا الى مدينة غزة ومن غزة الى قرية بيت جبرين. مكثنا هناك شهر وبعدها انتقلنا الى بيت جالا ومن هناك وزعونا على القرى لتدريب المقاتلين. أنا بعثوني لقرية جنوب بيت لحم. بعدها رجعت على بيت جالا وما لاقيت الشباب، فرجعت على غزة سيرا على ألأقدام. في يوم كنت قاعد بالمقهى مع أصدقائي أجوا علي ثلاث عساكر سودانيين واعتقلوني. كان المحقق ضابط مصري اسمه وحيد بك سألني إذا كنت أعرف فؤاد نصار، قلت نعم وانه هو قائد جبال الخليل، فقال لي انه فؤاد هرب من عندنا من المعتقل وعم بدوروا عليه. قلت له أنا ما بعرف عن مكانه، فأخذني على السجن أنا وبعض من الرفاق وسجنونا اشهر ومن بعدها نقلونا الى معتقل أبو عقيلة في سيناء. هناك دخلت القوات الإسرائيلية الى المعتقل، ودخل علينا ثلاث جنود يهود شيوعيين ولما عرفوا انه إحنا من الحزب الشيوعي أخذونا معهم وقالوا لنا انه القوات الإسرائيلية بدأت بطرد العرب من فلسطين.
أخذونا على بئر السبع ووضعونا في مسجد بئر السبع، لما فحصنا أغراضنا لاقينا انه ناقصين. قالوا لنا انه ملابسكم موجودة في معتقل عوجا الحفير بالقرب من ايلات.
ركبنا سيارة عسكرية مع جنود إسرائيليين الى عوجا الحفير (منطقة مهجرة على الحدود المصرية الفلسطينية) ولما وصلنا نزلنا من السيارة العسكرية فوجدنا حوالي خمسون جثة لجنود مصرين منتفخين ورائحتهم طالعه، لما شفنا المنظر قلنا لهم ما بدنا ملابسنا ولا اشي، رجعونا على المسجد.
مكثنا في الجامع مدة ثلاث أسابيع وبعدها وضعونا في بيت بدون حرس بشرط انه ما نغادر منطقة بئر السبع. بعد خمسة أسابيع نقلونا الى بلدة قرب رحوبوت مكثنا فيها أربعة أسابيع وبعدها نقلونا الى معتقل بهرتسليا مكثنا فيه حوالي شهرين والى صرفند لمدة ست أشهر وسبعة أيام وبالأخر أفرجوا عنا ونفونا الى مدينة الناصرة وهناك عشت سنه كاملة في بيت صالح الخوري في حارة النمساوي.
في تلك الفترة كنا نتسلل الى يافا واللد والرملة للعمل في بياراتها اللي صارت بين عشية وضحاها تابعه لشركة إسرائيلية زراعية استولت عليه. كان يومها المسؤول عن العمل في البيارات السيد صالح الجاروشي من الجواريش. بعدها عدت الى يافا لأستقر فيها وعملت مره أخرى كلحام ومن بعدها في تربية الأبقار

في منتصف الستينات وصلني عن طريق الصليب الأحمر رسالة من أخوتي علي وعيسى يخبروني فيها بوفات والدتي التي كانت تسكن في مخيم المغازي بالقرب من خان يونس. حزت كثير وبكيت عليها لأني ما شفتها منذ لعام 1948 وقعدت في البيت مدة أسبوع كامل حزناً على فقدانها. إحنا تعذبنا كتير وتعبنا كتير. ومين كان يصدّق انه الناس اللي عشنا معها سنين تقتلنا وتهجرنا.




שכונת אלרשיד - מוזיאון האצ"ל



בית במַנְשִיָה שהפך למסגריה



ما تبقى من بيوت المنشيّة / מה שנשאר מבתי אלמַנְשִיָה



مسجد حسن بك في حيّ المنشية / מסגד חסן בק במַנְשִיָה



مسجد حسن بك / מסגד חסן בק



שטח שכונת מַנְשִיָה - כיום בתי מלון ופארקים



תחנת הרכבת במַנְשִיָה



حيّ المنشية / שכונת מַנְשִיָה