حسام محمد فاعور حسن فاعور

عادت روحي إلى سبلان, وبقي جسدي 01/04/2009
سبلان

كم كنت أتخيل البساتين وشجر السنديان المرتفع إلى عنان سماء وطني الحبيب وقريتي الصغيرة التي تحتضن طفولة أبي وشباب أجدادي وأعمامي، وذكريات العز والفخر التي حكاها لي أبي وبكت لي عليها جدتي وكم كان ذلك يثير في نفسي الشوق والحنين إلى تلك الأرض وهؤلاء الناس الذين حفرت لهم في ذاكرتي صوراً وأحداثاً من نسج خيال الحكايات. سبلان كانت دائماً في ذاكرتي وأولوياتي. ذات مرة حكت لي أم رجا، إحدى جداتنا اللواتي هجـّرن قسرا في النكبة المشؤومة أنني أستطيع النظر إلى سبلان من قرية مرتفعة تقع داخل الأراضي اللبنانية وهي قرية مارون الراس، وفي عام 2000 بعد تحرير جنوب لبنان، ذهبت في رحلة إلى تلك الأرض وتجولت بسيارتي هناك وإذا بي وعلى دون قصد أدخل قرية مارون الراس، فتذكرت قول جدتي وذهبت على الفور إلى أعلى نقطة فيها ووجهت وجهي إلى فلسطين وكانت أول مرة في حياتي أنظر إلى فلسطين الحبيبة فتملكني شعور لا أستطيع وصفه بالكلمات وقلت لنفسي هذه بلادي هذه بلاد أبي, أبي كان هنا يوماً ما, جدي مشى من هنا يوماً ما, بل إن أبي وجدي ومعهم النساء والاطفال مروا من هنا باتجاه لبنان مهجرين ومرغمين على مفارقة الوطن والاحباب, كانت تلك فلسطين،  تلك فلسطين. ثم صرفت نظري يميناً ويساراً لأرى ما يمكنني أن أراه من أرض فلسطين ورأيت بعيني بيوتاً حمراء لا تشبه بيت أبي وأناساً غرباء لا يشبهون أبي وجدي.

كان أبي محباً لأهله الذين كان يعلم أن بعضهم لم يهاجر من فلسطين, وسكن أبي ومعه أنا وأمي وأخوتي في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام وكان يتحيّن وصول حجاج فلسطين إلى المدينة لكي يذهب اليهم ويسأل إن كان هناك من يعرف أحداً من أهله في فلسطين. وكانت سنة 1978 , ذهب أبي إلى موقع حجاج فلسطين وسأل عن عائلته فإذا به يجد هناك امراة من أهل سبلان وهي ابنة عم أبيه الحاجة ضيا فاعور، وكم فرح أبي بها, وجاء بها إلى بيتنا وفرحنا بها واخذ أبي لها صورة بقيت إلى اليوم, ومرّت بعد ذلك أكثر من 30 سنة وبقيت في ذاكرتي تلك الحادثة السعيدة. وفي يوم من الايام وبعد انتشار خدمة الانترنت، بحثت عن أي معلومة تخص قريتي فإذا بي أجد موقع فلسطين في الذاكرة، بحثت في الموقع عن قريتي فوجدتها ووجدت صورة لقبر فيها وعليه اسم المرحومة شفيقة فاعور. فرحت كثيراً بوجود من يتذكر قريتي الصغيرة سبلان. وجدت معلومات عن عائلة فاعور التي انتمي اليها. وضعت عنواني في الموقع لعل أحداً من أهلي في الداخل يجد اسمي ويراسلني، وفعلا هذا ما حدث، كم كانت فرحتي عندما عثرت عليّ إحدى بنات أعمامي وهي نبال محمد فاعور، وكم كانت فرحتي عندما علمت أن تلك المراة التي جاء بها أبي إلى بيتنا في المدينة المنورة منذ 30 عاما، هي جدتها لأبيها، وسرعان ما تخاطبنا هاتفياً وفرحنا بالعثور على بعضنا، ولن تفرقنا الايام ثانيةً إن شاء الله, وفرحت بوجود الحاجة على قيد الحياة ولله الحمد، وتعرفت على ابنها ابو عاصم محمد فاعور وهو من أعمامي، ووجدت عنده من الذاكرة عن سبلان ما أشعل مخيلتي أكثر فأكثر وأصبحت قريبا أكثر فأكثر من سبلان ومن طفولة أبي وشباب أجدادي، ولازال شوقي وحنيني يتقدان حتى يكتب الله لي إن شاء, أن أعود إلى قريتي، إلى بلادي، إلى احضان جداتي واجدادي، إلى عزة وفخر أبي واعمامي، إلى بلاد ابنائي، إلى فلسطين، إلى سبلان. كم أصبحت أراك قريبة يا سبلان، كم أنتم قريبون من قلوبنا يا بقية أهلنا وأحبابنا في الداخل.
حلمي أن أعود إلى أرض أبي وأزرع أشجاراً باسماء أبي وامي وأبنائي وأجدادي، وإني لأراه قريب المنال. وصيتي لأبنائي من بعدي ألا ينسوا أبدا أن لهم أباً وعمّاً وجدّاً وجدة في تراب سبلان. تحتضنهم تلك القمة الشامخة، تحتضن ذكرياتهم واسمائهم.
هذه قصتي مع سبلان التي بدأت, ولكنها لم تنته.    
____________

 



الحاجة زهيرة / אלחאג'ה זהירה



مخيم النهر البارد / מחנה הפליטים אלנהר אלבארד



ما تبقى من بيوت النبي سبلان / מה שנשאר מבתי הכפר סבלאן



بئر تابعة لقرية سبلان / באר ששיכת לכפר סבלאן



مقبرة قرية سبلان / בית הקברות של כפר סבלאן



ما تبقى من بيوت قرية سبلان / מה שנשאר מבתי כפר סבלאן