أوري ديفيس

أن تنمو في ظل مسجد حرم سيدنا علي 01/11/2005

أقيمت كفار شمرياهو بواسطة شركة "راسكو" عام 1937 على قسيمة أرض خاصة تبلغ مساحتها حوالي 800 دونم ( أضيف إليها عام 1939 قسيمة أخرى تبلغ حوالي 370 دونم)، والتي تم شرائها من أصحابها بصفقة شراء عقارية حسب قوانين الانتداب التي كانت سارية المفعول حينذاك. في أعقاب حرب 49-1948 تضاعفت مساحة نفوذ السلطة المحلية كفار شمرياهو حتى وصلت إلى حوالي2500 دونم، والأراضي التي أضيفت للسلطة المحلية كفار شمرياهو، وكذلك للمستعمرة التعاونية "ريشفون" وحي نوف يام وهرتسليا-بيتواح، هي أراض تابعة للسكان العرب من القرية المجاورة حرم سيدنا علي، بعضهم اليوم مهجرون "حاضرون غائبون" داخل حدود وقف إطلاق النار "الخط الأخضر"، من مواطني دولة إسرائيل في قرية المقيبلة، وبعضهم لاجئون لا جنسية لهم خارج حدود "الخط الأخضر"، في مخيم بلاطة، نابلس وغيرها. قانون أملاك الغائبين عام 1950 لا يفرق بين أولئك وهؤلاء. هذا القانون الزائغ، الذي يتعارض بشكل أساسي مع الإعلان العالمي حول حقوق الإنسان ومع القانون الدولي، يسلب بشكل تعسفي حقوق الملكية العقارية ( مثل البيوت والأرض) والملكية المنقولة( مثل الأسهم، خزانات، وحسابات بنكية) لكلا الطرفين.

الخطاب التي تربيت عليه كطفل وكشاب في كفار شمرياهو يروي عن مناشدة المواطنين اليهود في القرية لجيرانهم العرب في حرم سيدنا علي أن يبقوا ولا يغادروا مساكنهم أو يقول أن سكان حرم سيدنا علي قد تركوا قريتهم عندما بدأت رياح الحرب تهب في البلاد، وذلك لأن زعامتهم قد أمرتهم بمغادرة قريتهم حتى يعود الهدوء. ولو فرضنا أن هذه الخطاب صحيح، فإن ترك مكان سكن، عن رضى أو غير رضى، في زمن الحرب لا يشكل سببا للحرمان من حق الملكية. حقوق الملكية لسكان تل أبيب الذين تركوا منازلهم أثناء حرب الخليج الأولى (1991) خوفًا على مصير عائلاتهم بالرغم من مناشدة واحتجاج والكلام البذيء لرئيس بلدية تل أبيب حينذاك الجنرال المتقاعد شلومو لاهاط، لم تسلب منهم بالرغم من تركهم برضاهم أو عدمه أثناء الحرب. ولم تمنح لجيرانهم الذين بقوا ولم يتركوا بيوتهم في تل أبيب زمن الحرب. في نهاية المطاف، هؤلاء الذين تركوا أماكن سكناهم في تل أبيب زمن الحرب كانوا "يهودًا"، و"الدولة اليهودية" تزعم أنها تدافع عن حقوق الملكية لكل من يعد "يهودي". الأمر ليس كذلك في حرم سيدنا علي وجيرانهم في كفار شمرياهو. لقد سلبت من سكان حرم سيدنا علي الذين تركوا بيوتهم زمن حرب 49-1948 خوفًا على عائلاتهم حقوقهم في الملكية، لأنه في "دولة اليهود" حقوق الملكية ل"غير اليهودي" وكم بالأحرى إذا كان عربيا فهي غير محسوبة، ويمكن نقلها كلها أو بعضها للجيران الذين بقوا في بيوتهم – بشرط أن يكونوا "يهودًا".

البيت الذي قضيت به أيام طفولتي وشبابي بناه والدي ووالدتي في بداية سنوات الأربعين على أرض خاصة في شارع هسادوت رقم 34. البيوت التي بنيت أبعد على امتداد الشارع بنيت على أرض تملكه سلطة التطوير، أي أراضي تابعة للاجئي حرم سيدنا علي، سلبت حسب قانون أملاك الغائبين عام 1950 بواسطة القيّم على أموال الغائبين ونقلت لملكية سلطة التطوير.

تتيح قوانين الأراضي في "الدولة اليهودية" لكل فرد من عائلة ديفيس وغالبية العائلات في كفارشمرياهو أن تمتلك عمليًا أو احتمالا مئات آلاف الدولارات الأمريكية في أعقاب الارتفاع الخيالي لأسعار العقارات في المكان- فقط لأنه يعتبرون "يهودًا"- ولكن ليس لأبناء عائلة أبو عباية أو منصور من حرم سيدنا علي، وذلك فقط لأنهم عرب.

كل سنوات طفولتي وشبابي مرت علي في كفار شمرياهو. بيوت القرية المجاورة، حرم سيدنا علي، التي كان عدد سكانها عام 1948 حوالي 520 مواطنًا (الآن في منطقة نفوذ بلدية هرتسليا) قد هدمت بالتدريج من قبل السلطات وعلى ردمها أقيمت "معابر" سيدنا علي للمهاجرين اليهود الجدد، معظمهم من الدول العربية. وتم إغلاق المسجد الفخم الذي يتوسطه مقام الولي المسلم علي بن عليم، من سلالة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والذي أطلق المكان على اسمه. بينما بقيت المقبرة الإسلامية إلى جانبه مهملة.

شاطئ البحر في أيام طفولتي وشبابي كان شاطئ حرم سيدنا علي. يمتد الشاطئ في أسفل أرض كركار صلبة ما زال المسجد يقف فوقه بكل عظمته. القبلات الأولى لمحبوبة صباي، المرحومة راحيل كوطنر، منحتها لمحبوبتي في مخابئ المنجرفات العميقة، الضيقة والملتوية التي تكونت في الأرض الكركارية على مر السنين بواسطة تيارات مياه الشتاء ، نختبئ في ظل الحيطان من الكركار العالية والمشققة.

على طول كل سنوات طفولتي وصباي كان المسجد الصامت حاضرا (فيما بعد، بسبب ضغط جمعية حرم سيدنا علي تم فتح المسجد وترميمه). مع مرور السنوات تلاشت بقايا بيوت القرية المهدمة وأخلت مكانها لشوارع وساحات لتوقيف السيارات لرفاهية جمهور المستجمين على الشاطئ. الشواهد في المقبرة المهملة بجانب المسجد أخذت تتفتت كل صيف أمام أعيننا، بينما تكشفت عظام الموتى المدفونين في المكان وتعرضت للشمس وانتهكت حرمتها بلا مبالاة تحت أقدام جمهور المستجمين على الشاطئ. إذ أن المقابر اليهودية فقط ممنوع أن تنتهك حرمتها أما مقابر العرب (مثل المقبرة الإسلامية في حرم سيدنا علي، المقبرة الإسلامية "عبد النبي" في تل أبيب التي على أنقاضها بني فندق هيلتون وغرست "حديقة الاستقلال" المقبرة الإسلامية "مميلا" في القدس التي على أنقاضها بني فندق بلازا وغرس بها أيضا "حديقة الاستقلال" وغيرها...) فهذه يمكن تدنيسها. ما زالت حرمة مقبرة حرم سيدنا علي تنتهك إلى يومنا هذا. بلدية هرتسيليا والمؤسسات الحكومية المختصة ترفض تسييجها وترميمها.

كل هذه السنوات لم ترى عيني وعيون أصدقائي الحقيقة كما هي ولم نفهم حجم المأساة الإنسانية، مأساة النكبة، التي يشير إليها المسجد والمقبرة المدنسة وأنقاض قرية حرم سيدنا علي- هذه المأساة التي ترافق كالظل فخامة، سكينة، هدوء وغنى كفار شمرياهو، المستعمرة التعاونية رشفون، نوف يام وهرتسليا-بيتواح. الشهادة على النكبة كانت حاضرة أمامنا كل ساعة وكل يوم وكل أسبوع وكل شهر وكل سنة- ولكنها غابت عن وعينا، نحن أبناء المكان، أحفاد المستعمرين الكولونياليين، أو على الأقل عن وعي معظمنا، وذلك نتيجة التربية التي غرست بنا منذ أن كنا بروضة الأطفال وكأن هذه سنة الحياة إذا كان طرفان متخاصمين وطرف يناشد الطرف الآخر بألا يغادر منزله وهذا يرفض هذه المناشدة – فمن حق الطرف المناشد أن يستولي على الحقوق الملكية للطرف الرافض ويصبح مع مرور السنين عمليًا أو احتمالا شبه مليونير أو مليونير أو مولطي مليونير عقاري، ما دام الطرف الأخر "ليس يهوديًا"، وطبعا كم بالأحرى إذا كان عربيًا.

السبب الأساسي في منع سكان حرم سيدنا علي وأحفادهم من أن ينالوا ثروة عقارية على غرار عائلة ديفيس وغالبية العائلات في كفارشمرياهو وتجديد سكناهم كجيراننا في كفار شمرياهو، المستعمرة التعاونية رشفون، وحي نوف يام وهرتسليا-بيتواح هو تشريع الفصل العنصري ( (apartheid لدولة إسرائيل وأساسه قانون أملاك الغائبين لعام 1950، قانون مكانة المنظمة الصهيونية العالمية/الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل لعام 1952، قانون الكيرن كييمت لإسرائيل (Jewish National Fund) لعام 1953، الميثاق بين حكومة إسرائيل وبين المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لأرض إسرائيل لعام 1954، قانون أساسي أراضي إسرائيل، قانون أراضي إسرائيل وقانون إدارة أراضي إسرائيل لعام 1960، والميثاق بين حكومة إسرائيل والكيرن كاييمت لإسرائيل لعام 1961.

يجب إزالة هذه القوانين من سجل قوانين دولة إسرائيل الصهيونية كما أزيلت قوانين مشابهة من سجل قوانين جمهورية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك من أجل تحويل دولة إسرائيل من دولة فصل عنصري إلى دولة ديمقراطية، كما تحولت جمهورية جنوب أفريقيا من دولة فصل عنصري إلى دولة ذات دستور ديمقراطي.



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (24)



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (10)



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (17)



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (5)



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (2)



Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (21)