عبد الكريم زيدان مزيد الهياجنة (أبو الهيجا)

"كل البلاد تركت من الخوف. طلعوا أهل الحدثة، فلما شافوهم أهل عولم سألوا شو صار؟ قالوا خايفين من اليهود، فلحقوهم. لما وصلوا سيرين، أهل سيرين سألوا شو صار؟ قالوا خايفين من اليهود، فلحقوهم. وكذلك أهل معذر" 18/03/2014
حدثا (الحدثة)

البلد

" .... ولدت 1925 كان عمري 23 سنة يوم النكبة. أنا اليوم أكبر معمّر من الحدثة بالبلاد من بين الرجال.
الحدثة كان فيها 550 نسمة تقريبًا. كل البلد من دار أبو الهيجا، وفيها فروع. فرع الطواهي وفرع سعد وفرع الدواهدة، واحنا من الدواهدة. أغلبية الدواهدة ظلّت بالبلاد، قسم في طمرة، قسم بالرينة وقسم بالناصرة. كان لها عدة بلاد، الحدثة والرويس وعين حوض وكوكب. يقال إنه سبع عائلات تركت الحدثة سنة 1810 وعمّرت بيوت على أرضها بالرويس، وهيك تأسست قرية الرويس.
البيوت كان قسم منها باطون [اسمنت] وأغلبها خشب. الحيطان من حجر والسقف من خشب، أو يمدّوا ألواح خشب وحديد على السقف، بيسمّوها دفّة ومسمار. بيتنا كان ثلاث أربع غرف. السطح كان خشب، يبنوا قناطر، يحطوا عليها تراب وتبن وطين. كان بيت واحد من حجر واسمنت لواحد اسمه سليمان الحسين، بيت كبير. وجاب الحجار من الناصرة، حجار مقطّعة زيّ ما لازم، إشي للشبابيك وإشي للعتبة ... وهيك. الجامع كان من اسمنت طوله أكثر من 15 متر وعرضه 8 متر. حجر أسود، له درج، يطلع الخطيب يؤذن على السطح. الخطيب كان نمر المحمود، أصله من يعبد قرب جنين لكنه تربّى بالبلد، أمّه من الحدثة وكانت متجوّزة بيعبد وبعد ما مات جوزها رجعت على الحدثة عند أخوتها وجابت أولادها. والنها نمر هو كان آخر إمام، ويوم التهجير تهجّر معنا. وأوّل ما نسفوا اليهود بالبلد كان الجامع. لما أجو وأخذوا الزلام ع الحبس نسفوا الجامع مباشرة. اللي كانوا هناك حكوا لنا.

وأنا ولد تعلمت 5-6 سنين بالحدثة عند الخطيب، وكنت بدي أروح ع الأحمديّة بعكا ولكن ما حالفنيش الحظّ. كان أبوي يبعثني دايمًا أحرث للناس، وآخر واحد حرثت أرضه كان محمد العبد الله، تهجر لطرعان وتوفى بطرعان، واليوم أولاده هناك.

كان عندنا أراضي حوالي 200 دونم، وكُنّا إحنا نفلحها. كنّا نحرثها على البقر أو على الخيل. كنّا نزرع بالسنة مرتين: شتوي وصيفي. ومن سنة لسنة نبدّل الأرض، اللي كان شتوي السنة نزرعها صيفي السنة اللي بعدها، واللي كان صيفي السنة نزرعها شتوي السنة اللي بعدها. بالصيفي كنّا نزرع ذرة وبطيخ. كنا 4 أخوة، واحد من أخوتي كان بسيرين، وكلنا كنا نشتغل بالأرض.

قبل الـ 48، كان التنقل بين البلاد على الرجلين أو على الدابة أو بالباص على الشارع الرئيسي، لكن ما كان سيارات بالحدثة. ما كان بالبلد راديو ولا جريدة.

المدينة الأقرب علينا هي طبرية، فكنا نروح على الحمّام التركي ونسبح بالبحرة. اليوم الحمّام الأصلي موجود ولكن أضافوا جنبه حمامات جديدة أكبر.
 

الشرطة البريطانية
بزمان الانتداب اشتغلت بالبوليس الانجليزي. في سنة 46 رحت على الأردن وانضمّيت للبوليس الإنجليزي. دخلت مدرسة عسكرية ستّ أشهر، مدرسة معتبرة، وتدرّبت على الخيل. وسنة الـ 47 بكاملها اشتغلتها في الجاعونة، اليوم روش بينه.كنت صواري، يعني خيّال، كنّا نطلع دورية من الجاعونة، نيجي على عرب السيّاد، عند عميعاد، وننزل على راس البحرة [بحيرة طبرية] عند الكنيسة، ونروح شمال حتى جسر بنات يعقوب. ومرّات كنا بالدورية نمرّ عند عربان كراد البقارة وكراد الغنامة وكراد الخيل ونتقهون عندهن.

على أرض سارونه كانوا بدو من النجيدات والسمير. ويوم من الأيام قررت الحكومة الإنجليزية نقلهم من أرض سارونه، وجابتهم على أرض الحدثة، لكن أهل الحدثة ما وافقوا ومنعوا البوليس الإنجليزي إنّه يجيب حدا على أرضهم.

اليهودي
اليهود اللي حوالينا كانوا في يمّة، يبنيئل. كان صديق يهودي إلنا، يعزّنا ويقدّرنا. كان صاحب دكّان وكان يديّن الناس من البيدر حتى البيدر الثاني، اسمه ينكلِه، لما ييجي ع الحدثة يجمع المصاري اللي له من الناس، كان يجيب المصاري يعطيها لأبوي لأنه كان يخاف إذا يروّح لوحده على يمّة يلاقوه زعران أو حراميّه. فكان يعطي المصاري لأبوي ويطلب منه يوصّل له المصاري ثاني يوم مع واحد من الأولاد. ينكله كان ختيار. بشكل عام العلاقة بين البلد وبين اليهود كانت علاقة منيحة، وهذا اليهودي حمّلني أمانة. مرّة وأنا مروّح من شغلي بالبوليس سنة الـ 47، نادى عليّ وأسقاني ميّ، وقال لي إذا تجوّزت وأجاك أولاد، سمِّي واحد من أولادك زيد. سالته ليش؟ قال لي بعد ما تتجوّز ويجيك أولاد بشرحلك السبب. راحت الأيام. يوم من الأيام وأنا هون في طمرة، كان ختيار من طمرة يبيع خضرة في كريات حاييم، طلع ختيار يهودي من داره هناك وقال للبياع بالعربي "صح بدنه"، استغرب البياع وسألوا بتعرف عربي؟ قال اليهودي بحكي عربي أحسن من أفكاتو، يعني محامي. اشترى منه خضرة وسأله من وين هو، قال البياع أنا من طمرة، سأله إذا بيعرف حدا من دار زيدان، فقال له بعرف واحد في طمرة اسمه أبو زيدان. فأعطاه اليهودي عنوانه وقال له خلّيه ييجي عندي. هذا الكلام بسنوات الستين. بعد كم يوم رحت على العنوان، ضربت الجرس، طلعت بنته، سألتها أبو داود موجود؟ سألت مين انت؟ قلت لها قولي له واحد من أولاد زيدان. دخّلتني. سلمت على أبو داود وسألته إذا عارفني، قال عارفك بس مش متأكد من اسمك، انت كريّم؟ قلت لا. أنت أكرم؟ قلت لا. قال مش محمد ومش سعيد ومش أحمد، شو اسمك؟ قلت عبد الكريم. قال آه آه، وشو صار بالأمانة اللي أمّنتك إياها؟ قلت أنا فعلًا سمّيت واحد من أولادي مثل ما طلبت. قال أنا مثل سيدنا موسى بصدقش إلّا إذا بشوف بعيني. أطلعت الهوية وأعطيته يقرأ اسم ابني زيد بالهوية. فقلت ليش يا خواجة طلبت هذا الطلب؟ قال لأن محبة أمك وأبوك إلك كانت زايدة عن كل أخوتك، كانوا يحلموا ويقوموا باسمك، عبد الكريم عبد الكريم. 

لما هجرونا من البلد، جيراننا اليهود ما تدخّلوش. ما كان لهم موقف. لكن العلاقة بشكل عام حتى 48 كانت منيحة مع يهود سارونه ويهود يمّة (يبنيئل).

كل البلاد تركت من الخوف. طلعوا أهل الحدثة، فلما شافوهم أهل عولم سألوا شو صار؟ قالوا خايفين من اليهود، فلحقوهم. لما وصلوا سيرين، أهل سيرين سألوا شو صار؟ قالوا خايفين من اليهود، فلحقوهم. وكذلك أهل معذر.

المؤامرة
بسنة الـ 48 بشهر 3 آذار، أجا جمال الحسيني وكنا، احنا البوليس الإنجليزي، معسكرين في سمخ. ألقى كلمة وقال اللي بدو فلسطين يتقدّم خطوة لقدّام. تقدموا كلهم تقريبًا. قسم طلعوا مباشرة لسورية حتى يلتحموا مع القيادة من هناك. أجو الانجليز وأخذوا السلاح منّا، وأخذونا إلى الباقورة على حدود الاردن. هناك الإنجليز خبّرونا إنهم راح يرحلوا من البلاد وطلبوا نسلّم ملابسنا، وسرحونا من الشرطة. أنا في 1 نيسان خلّصت من البوليس. جيت على الحدثة كم يوم وبعدها رحت للناصرة وانضمّيت للقيادة. القائد أبو إبراهيم كان من إندور. كل اللي كان بدو يحارب راح ع الناصرة. لكن ما حاربناش، وما ضربنا ولا طلقة. حطّوني على جبال الناصرة قبال كفار هحورش، واليهود رايحين جايين قدّامنا، ولكن الأوامر كانت ما نطلق النار عليهم. مرّة يقولوا هُدنة ومرّة مش عارف شو. كلّها كانت مؤامرة استعمارية لتسليم فلسطين. صدّقني إنه بعد ما قامت إسرائيل عرفنا إنّه واحد من كانوا معنا بالقيادة بالناصرة كان يهودي.

النكبة والتهجير
إحنا بالبداية جينا على كفر مندا. ما كانش فيها احتلال بعد. فكّرنا إنه أحسن نروح على منطقة عربية مش محتلّة. هاذ كان بشهر أيار. جينا خوف. طلعنا من الخوف.  ظلينا حوالي شهر بكفر مندا، بعدها رجعوا ع الحدثة أبوي وأخوتي الاثنين وحوالي عشرين واحد من البلد، صاروا يحصدوا ويدرسوا، حتى اجو اليهود. قالوا ليش رجعتوا؟ قالوا هاي أراضينا ورجعنالها. قالوا: لا، ممنوع، روحوا من هون. أنا نفسي ما كنت معهم. اليهود اعتقلوا كل الشباب وأخذوهم على المعتقل، وقالوا للنسوان روحوا وين بدكم، بس ما تظلوش بالبلد، واللي بتظل بنذبحها. أبوي اعتقلوه، وأخوتي الاثنين، وابن خالتي، وابن عمتى، وكثير ناس، حوالي 20 . أبوي كان ختيار، عمره حوالي 55 سنة، ومعه خمسة ستة ختيارية ثانيين، سرحوهم بعد وقت قصير بتبادل أسرى مع الأردن، ورموهن عند جنين. من جنين تسللوا وأجو على الناصرة، وصاروا يسألوا وين أهاليهم، وبالنهاية أبوي استهدى علينا لما كنا في كفر كنا، هاذ تقريبًا بشهر حزيران. أخوتي، محمد وسعيد، ظلوا بالمعتقل حوالي سنة. بعد سنة حرروهن ورموهن بالأردن، بتبادل مع إسرائيل، ومن هناك أجو للبلاد تسلل.
أنا كنت بالناصرة مع الثوار، مع القيادة، أبو ابراهيم. هناك أجا واحد من كفر سبت اسمه عبد القادر مغربي، شافني بالناصرة فسألني شو بعمل هون؟ قلت له أنا مع القيادة. قال لي مع القيادة وأمك مرميّة عند عين الرينة؟ فتركت الناصرة فورًا ورحت أفتّش على أمي. أمي طلعت من الحدثة لما أجو اليهود وقالوا للنسوان روحوا من هون أو بنطخكو. أنا طلعت من الحدثة في أيّار، وقررت لحالي أروح عند القيادة. كان عندنا شويّة طرش، وأمي تركتهم بكفر سبت عند خالتي أخت أمي. فركبت باص للوبية، ومن هناك مشيت من لوبية لمفرق مسكنة، اليوم جولاني، لكفر سبت. جبت الطرش من هناك، وكفر سبت والسجرة ولوبية بعدها مش محتلة. هذا كان بشهر حزيران. الوالدة بعدها بالرينة. حطّيت البقرات بكفر كنّا، أمّنتهن عند ناس بعرفهن من أخوالي، ورحت جبت أمي لكفر كنّا. استأجرنا بيت عند واحد، أنا وأمي لحالنا. أبوي وأخوتي الاثنين بالمعتقل، وأخ بالأردن. بعد ما طلع حياة الوالد، واليهود احتلت الجليل كلّه، وصار هدوء، أجا موسم الفلاحة، والناس بكفر كنّا طلبوا مني أحرث أرضهم وأساعدهم بالفلاحة، فساعدتهم. أبوي توفّى بكفر كنا، بعد فترة قصيرة، بأوّل الشتوية، آخر الـ 48 أو أوّل الـ 49. وظلّيت بكفر كنا. لما اليهود عملوا إحصاء النفوس، إحنا كنّا بكفر كنّا، كان يفوت مأمور التسجيل على كل بيت. وإحنا سجلونا بكفر كنّا. بعد سنة أخوتي طلعوا من السجن، وأجو من الأردن لكفر كنا، وسكنّا الثلاثة مع بعض هناك. لما كان عمرى حوالي 25- 26 سنة تجوّزت، بسنة الخمسين، من كفر كنا. في سنة 1958 جينا على طمرة.

فش أغلى من الوطن. يا ريت نرجع. لكن الوضع كله يأس. أنا حاسس إنهم اليهود بدهم يطردونا حتى من هون، فمين بيحكي عن العودة. اليهود ما بيعترفوا بالحق".

-----------------------------

عبد الكريم زيدان مزيد الهياجنة (أبو الهيجا)
مكان الولادة: قرية حدثا
تاريخ الميلاد: 1925
مكان المقابلة: منزله الحالي في طمرة
تاريخ المقابلة: 18.3.2014
أجرى المقابلة: عمر الغباري