فخري جداي

قبل الاحتلال كان البلد عامر فيه علم وكرامة. بالخمسين كانت بلد ميتة. جثة بلا روح. فيها ناس بس غرب. ما كنتش أعرف حدا. زي غريب في بلده. كانت دايما عندي الرغبة اني اترك واطلع 2007, Aug
يافا

ولدت في يافا سنة 1926 في حي العجمي. أنهيت المدرسة الابتدائية والثانوية في مدرسة الفرير. سنة 1945 سافرت لبيروت لدراسة مهنة الصيدلة في الجامعة. وعدت للبلاد في 16 أكتوبر 1950. وقتها كان قانون شمل العائلات. قدرت أرجع لأن غيابي عن البلاد كان بسبب تعليمي. بعد رجوعي بفترة قصيرة ألغوا هذا القانون.

يافا كانت مديتة العز والمجد لكل فلسطين ولكل الشرق الأوسط.كانت مركز علوم وسياسة وثقافة وكل شيء.كان فيها مدارس على مستوى عالي جداً ونوادي. سكان يافا كانوا من الطبقة الأرستقراطية البرجوازية. نعم كان فيها عائلات فقيرة بس حتى الفقير كان عايش منيح.

أنا ترعرعت في يافا. التعليم كان حتى الساعة خمسة. يوم الخميس ويوم الأحد تعلمنا نص نهار. كنا احنا وعيلة دمياني أصحاب المصبنة أصدقاء واخوة. عائلة دمياني كانت من أغنى عائلات فلسطين. تركوا في يافا 36 عمارة والمصبنة وخمس بيارات. أكبر بيارة الهم كانت في بيت دجن 550 دونم. من أحسن البيارات في فلسطين. أنا وجورج كنا زي أخوة عايشين مع بعض. كنا نتردد على النادي لأنه في حينه كان نوادي في يافا على مستوى عالي. كنا نروح على النادي الأنطوني جنب مدرسة تيراسنطا. وكنا نروح على بيارات الدمياني في بيت دجن وعلى بيارتهم على نهر الجريشة – اليوم اسمه اليركون.

أول سينما انبنت في يافا هي سينما أبولو، وين اليوم معمل الرخام الزكاك هناك كانت السينما. هون أجت غنت مرة أم كلثوم. والدي حضر الحفلة. أنا وأخوي حكمت سافرنا، هو سافر لأميركا يدرس علوم سياسية. يافا كانت بلد مفتوحة. كان في بعض الشباب يكونوا سهرانين في النادي وفجأة واحد يقول يللا نروح نسهر في بيروت ونرجع. بعض الأصحاب مثل جورج دمياني كان عنده سيارة. كان في نادي اسمه "سيركل سبورتيف" وكانوا يسموه نادي الاستقراط. اليوم صار محل تابع للهستدروت. كانوا يترددوا عليه ناس "إيليت". ضباط وحكام. حاكم اللواء - كروسبي كان ساكن في يافا. وكان هناك مقر القنصل الفرنساوي، بتذكره منيح لآنه كنا نصيف كل سنة في لبنان وكنا نروح نوخذ الفيزا من هناك. كنا نظل في لبنان شهرين. القنصل كان يعرفني من مدرسة الفرير، كان يناديني ويختملي الجوازات بسرعة.

في آخر شارع "شعري نيكنور" كان هناك "كليف أوتيل"، من أفخر الأوتيلات بعد أوتيل كينغ دافيد في القدس. مع السنين يمكن بالثمانينات الأوتيل انهد وبنوا محلة بيوت كبيرة. هو كان ملك للراهبات في القدس، بفتكر راهبات المحبة. واحد اسمه بركات مرته سويسرية وأولاده بيتر وجوني هن كانوا يدروا الأوتيل عشرات السنين. كانوا مشهورين. عرفت أنه جوني موجود لليوم في سويسرا.
أنا سمعت عن سقوط يافا في الأخبار. كنا متعلقين كثير بالأخبار. كنت كل يوم أقرا جريدة. شعرنا بالغضب الشديد على سقوط يافا. غضبنا أكثر إشي كان على حكام العرب. وأولهم العائلة الهاشمية اللي هم أساس النكبة. جذور النكبة موجودة في سنة 1917 لما قام الشريف حسين بالثورة ضد الحكم العثماني. هون بدأت النكبة. كان اتفاق مع وايزمن على تأسيس الدولة اليهودية، هون أساس النكبة.
في جامعة بيروت كل الطلاب العرب من كل البلدان كانوا مليانين غضب تجاه الحكام العرب. من عبد الله للملك فاروق. اللي كان مطلع على الأحداث عرف انه القضية كانت منتهية. الاتفاقات بين الانكليز والعائلة الهاشمية كانت ضد فلسطين. الانكليز أخذوا الانتداب على فلسطين بس حتى يقيموا دولة يهودية في فلسطبن.

والدي كان كل يوم يجيب ثلاث صحف: فلسطين والدفاع والأهرام كانت توصل الساعة ثلاث من مصر. والدي كان يلزمنا نقرأ الصحف قبل الكتب المدرسية. والدي كان صيدلي وهو اللي أسس الصيدلية هاي سنة 1924.

لما كنت في بيروت كنت 11 شهر مقطوع عن أهلي وعن أخبارهم. ما كنتش مفكر انه هن عايشين. تقريباً سنة بعد احتلال يافا ما كنتش عارف مصير أهلي شو كان. أنا أخذت إذن من الجامعة إني ما أحضرش المحاضرة الأولى لأني كل يوم كنت انزل على مينا بيروت انتظر أهلي ييجوا. لأنه كثير ناس من اللي بعرفهم كانوا يقولوا أنه والدك كان بالمينا بستنّى يوخذ سفينة وييجي. كانوا ناس من يافا ييجو كل يوم لمينا بيروت. أول ناس استقبلتهم كانوا دار دمياني. سألتهم عن أهلي. أمهم – أم داوود- قالت لي أنه أهلي ظلوا في يافا وما تركوا، حتى امك عزرتني ليش أترك. أغلب الناس تركت خوف. بذكر في يوم كنت في مختبر الفيزيولوجي في جامعة بيروت، أجا البواب وحكالي أنه في واحد من الصليب الأحمر بيسأل عني. وفعلاً كان شخص من الصليب الأحمر بسيارته وكان معه مكتوب من والدي. هذه كانت لحظة غير شكل. أنا كنت حاسس انهم ميتين. بالمكتوب كتب والدي أنه عم بعمل المعاملة عشان أرجع. كنت مفكر مع صديق صيدلي من القدس نفتح محل في بيروت لأني ما كنتش مخطط إني أرجع. وكان في عرض أفتح محل في سوريا. مكتوب والدي غير كل التخطيط. شفته كأنه نزل من السما.

بعد انهاء المعاملة جيت بسيارة الصليب الأحمر من بيروت الى يافا مباشرة. السيارة نزلتني أمام البيت.
رجعت ب 15 أكتوبر 1950. شفت بلد جديدة. بالنسبة إلي كانت بلد حزينة، فش فيها روح. اللي ظلوا فيها من أهلها حوالي 3200 واحد من 100 ألف. الناس هربوا من الخوف بعد مذبحة دير ياسين ومش زي ما بقولوا أنه ملوك العرب قالولهم اطلعوا.
قبل الاحتلال كان البلد عامر فيه علم وكرامة. بالخمسين كانت بلد ميتة. جثة بلا روح. فيها ناس بس غرب. ما كنتش أعرف حدا. زي غريب في بلده. كانت دايما عندي الرغبة اني اترك واطلع.

مشيت بالعجمي، ناس أغراب. أعطوا للشوارع أرقام بدل الأسماء اللي كنا متعودين عليها. هذا شارع يافث كان اسمه شارع 4. شارع بيتنا صار شارع 17، الشارع اللي اسمه اليوم شعري نيكنور كان شارع 42. أرقام الشوارع ظلت سنين طويلة، يمكن عشرين سنة. في شوارع بس جديد أعطوها اسم بدل الرقم. قبل الاحتلال شارع يافت كات اسمه شارع الحلوة. بيتنا في شارع روك في منطقة كرم الزيتون جنب حاووز المي. هذا الحاووز بنوه سنة 1935 وهاي أعلى منطقة في يافا. قبل ما يبنوا الحاووز كان هناك كرم زيتون. جدي متري جداي وأخوه كانوا أول ناس عمّروا عمارات هناك. على زمن أغلب الشوارع ما كان الها اسم رسمي. الناس كانت تعطي اسم حسب اشي مهم. حي العجمي سمّوه على اسم الشيخ العجمي اللي قبره موجود هناك والجامع كمان على اسمه. شارع شعري نيكنور كان اسمه شارع الكونت. على اسم واحد غني كثير اسمه طلماس كان ساكن فيه. أخذ لقب كونت من الفاتيكان لأنه تبرع ببناء كنيسة الموارنة بماله الخاص. واسكندر عوض تبرع بالأرض. طلماس أخذ لقب الكونت. كان الوحيد في فلسطين. هذا كان شرف كبير انك تحصل على اللقب من الفاتيكان. حتى إذا بتطلع اليوم على بيته – اللي كان بيته- في هناك حجر رخام منقوش عليه تاج رمز الكونتية. طبعاً بال – 48 عيلته هاجرت.

أنا مباشرة اشتغلت في الصيدلية. والدي قال أنه اشتغل كفاية وأعطاني استلم الصيدلية. حتى أنه يوم ما جيت كان يوم أحد، يوم الاثنين الصبح بدري أجت والدتي الله يرحمها الساعة 6:00 فيقتني: "يما حبيبي قوم افتح الصيدلية، أبوك رجال كبير صار"، مع انه كان لسه بالستينات. قمت وفتحت الصيدلية وما ارتحتش ولا يوم. ومن يومها 17 أكتوبر لليوم وأنا بشتغل بالصيدلية. ابني كمان صيدلي تعلم بانكلترا. وعندي بنتي البكر موجودة في أمريكا. معها دكتوراة بالأدب الانكليزي وبتعلم بالجامعة هناك. المجتمع اليوم صعب وغير متفهم والعلاقات الاجتماعية معدومة، مش زي ما كنا قبل. أنا بعد الشغل ما عندي محل أروح. بظل بس في البيت.

علاقتي مع اليهود بدأت بفضل شغلي بالصيدلية. جيت للبلد بدون لغة. حاولت أدرسها بس ما كان عندي رغبة داخلية فتوقفت وتعلمتها من الممارسة.

أنا كنت إنسان أحب السياسة أسمع كثير أخبار. كانت عندي هواية اني أكتب مكاتيب لزعماء من العالم اللي يحكوا في خطاباتهم عن القضية الفلسطينية. كتبت لرئيس وزراء انكلترا وتقريباً 90% من أعضاء الكونغرس الأمريكي. وكنت استعمل لغة قاسية في التعليق على خطاباتهم. وكنت أكتب بالجرايد حتى كتبت في مجلة لحزب مبام مقالات عن عبد الناصر.
أنا احب عبد الناصر وأومن بالوحدة العربية. أنا الانسان الوحيد اللي كنت أعيـّد في 23 يوليو من كل سنة وأسكر الصيدلية. ظليت هيك لحد ما توفى الله يرحمه أبو خالد.

أنا بآمن بالوحدة العربية. وعشان تتحقق لازم تصير بالوطن العربي ثورات دم ضد الحكام تمحي كل الحكام بدون أي رحمة. لو خسرنا من مليون ل- 10 مليون عربي بكون سعر منيح حتى نتخلص من هذا التأخر اللي احنا فيه وهذا الخنوع والعمالة. ثورة دم ضد كل الأنظمة من المحيط الى الخليج. كلاب حراسة للمصلحة الأمريكية الصهيوبية.

--------------

شهادة السيد فخري جداي
ولد في يافا سنة 1926
أجريت المقابلة في صيدليته الواقعة في شارع الحلوة أو شارع يافت اليوم
قابله عمر الغباري - زوخروت
لغة المقابلة: العربية
آب 2007