الحاج موسى محمد داوود سلامة

"احنا ما تجندناش مع عبد القادر الحسيني، هو مر من البلاد ونادى الشباب للقسطل، مرق من البلد وقال الحقوني يا موالح اليوم يومكم" 30/11/2007
المالحة

الحاج موسى محمد داوود سلامة، ولد في قرية المالحة عام 1920 وهجّر منها عام 1948. استقر في بيت جديد على أرض اشتراها في بيت جالا الى ان احتلت إسرائيل بيته الثاني عام 1967 وضغطوا عليه ليهاجر عن بيته، لكنه هذه المرة لم يفعل. بنوا حول "حوشه" مستوطنة "جيلو" ليصبح لاجئاً محاصراً الا انه صمد وبقي على أرضه مع أولاده وبناته وأحفاده.

التقيته في منزله المقابل لمدينة بيت جالا والمطلّ على حاجز عسكري كبير يفصل القدس عن الضفة الغربية
ويشرف على شارع المستوطنين الذي شهد عدة مواجهات بين فلسطينيين وإسرائيليين، جنوداً ومستوطنين، هو "شارع الأنفاق".
أجريت المقابلة يوم الجمعة 30/11/2007  بحضور أحد أولاده واثنين من أحفاده الذين مع مرور وقت المقابلة صاروا شركاء، تارة لي في السؤال وتارة له في الجواب . كان سؤالي الأخير له "هل سترجع المالحة يوم ما يا حاج؟"، بعد لحظة صمت سيطر الضحك على جو الغرفة.


يقول أبو محمد بكل فخر:

- " المالحة بقولولها كرسي بني حسن. وشيخها شيخ المشايخ  يمكن سمعت عنه، عبد الفتاح درويش، مية قطروس (خادم أو عامل) كان عنده، قسم طباخين وقسم عجانين، عبد الفتاح بحكم الولجة، بتير، حوسان، الخضر، القبو .... لحد باب الواد بحكم عبد الفتاح. عبد الفتاح كان شيخ على الجبل وأبو غوش على الساحل.
- أول مختار بذكره الشيخ محمود قشطة مختار الجواريش، وثاني مختار محمود صافي مختار عيلة الفواكسة، ثالث مختار عيسى أبو قمل .... كل عيلة إلها مختار. بلدنا كبيرة بحكمهاش مختار واحد، كانت على أربع تلال.

عيون
- اسم بلدنا الأول دير الهوى، ليش سموها المالحة؟ العين وسط البلد وصار الناس يوردوا بالغنم والبقر سوين هسهس وبرغث، أجا محمد درويش أبو عبد الفتاح قالهم إطلعوا الغنم والبقر وردينا على عين يالو بين الولجة وبين المالحة، عين يالو نهر هاي، أنا دخلت فيه حوالي مية متر، جوّا عند النبع، هذي سيلة بتنزل من حيط مدقوقة بمطبة، شغل دقّيقة، بتنزل المي مثل حليب بزاز الغنم، هاي أنا وصلتها.

- وليش سموها المالحة؟
- لمّا الغنم ثقل على الناس وسبب برغث وذبان، أجا أبو عبد الفتاح ودار فيها فتة ملح، راحت المي وارتدوا على عين يالو. ظلينا نستعمل عين يالو ونشرب منها وكل إشي لحد ما طلعنا من البلاد.

أرض
- أكثر الناس كانوا فلاحين وانت عارف الفلاح ، مزارع، فلاح بزرع عدس بزرع قمح بزرع فول بزرع شعير بزرع كوسا بزرع باتنجان بزرع فقوس بزرع عنب عندنا تين عندنا خوخ عندنا رمان جنة المالحة يا زلمة جنّة.
- اراضي المالحة من شرق بتحد دار المندوب السامي بشارع القدس الخليل، وغربة بتحد عين كارم والجورة والولجة، وشمالي تحد القرّامة وبيت مزميل، ومن شرقة حدودنا القطمون لباب الخليل، ومن شامة بيت صفافا. كان يحطوا جرون القمح والعدس والذرة بباب الخليل، يعني البيادر هناك. دير المصلبة ورحابيا كانت مع البلد، أرضنا وصلت بركة ماميلاّ كانت بلد كبيرة. بعرفش رقم يمكن 2500 يمكن 3000 .

علم وعمل
- بلدنا منصوبة على ثلاث جبال، زي بابور البحر، دار عبد الفتاح أربع طوابق على بعض وبالبلد في ميذنة مع درج داخلي، يمكن سبعين درجة، وفيها ثلاث مدارس.  كان فيها ناس متعلمين، المحامي أمين درويش محامي معروف، ومصطفى عبد الفتاح درويش ضابط بثلاث نجم وأخوه محمد كذلكواسحق كذلك.     
- أنا ببداية حياتي كنت ولد رحت عالمدرسة، كان بالمالحة مدرسة للذكور ومدرسة للبنات، وفي بير حوالي 12 متر تحت المدرسة.، إلو بابين وعليه طرمبة، بلدنا كانت راقية، دير الهوى، مليانة خير، كانوا أجاويد.
-  مدرسة الاولاد ست غرف على طابقين وفيها ست معلمين بذكر منهم عيسى أهرام من القدس علمني والأستاذ الشيخ كامل من القدس والشيخ عبد الفتاح النابلسي، المدرسة كانت تعلم للصف السادس وبعدها اللي بتحرج بروح عالمدرسة الإبراهيمية بالقدس . ومدرسة البنات ثلاث غرف، وقسم من البنات تعلموا، مثل سارة الحج مريم بنت الشيخ حسين ويسرى وعبد الفتاح كان الو ثلاث بنات يتعلموا وفي منهن طلعوا على مدارس القدس ،
- . انا تعلمت للسادس وما كمـّلتش، قالي روح قلت بديش قالي ليش قلت أنا بدي أتعلم دقّـيق، معلّم بنا يعني، قالي شو بدك قلت اشتريلي عدّة، أبوي كان عنده حلال، غنم وبقر، تاجر ببيع لبن وحليب لليهود بمحاني يهوده، أنا معلّم دق. أنا سويت لواحد مهندس لبناني قوارة من حجر مع أربع شمع وقورتله إياه وحط تراب للورد  وأعطاني خمس دنانير يوم ما كان الدينار دينار. أنا معلم  دقاقة معلم، مش حيا الله.

مجتمع
- تجوزت وعمري عشرين. وبعدين أخذت إمه لموسى ، كان نسوان ثنتين عندي، خلفت ست اولاد وأربع بنات إمّه. والثنتين متن.
- كان في البلد أربع قهاوي وكثير ساحات، هاي القهاوي للي بلعبوا شدة وبشموا الهوا، والساحات للختيارية اللي زينا يسهروا ويغنوا للعرس. بقا بلدنا فوق الريح يا زلمة. ساحة الجواريش، ساحة أبو قمل، ساحة الفواكسة وساحة معلاّ وساحة قوار، خمس ساحات. الساحات للأفراح يعملوا القهوة واللحم والذبايح والعرس والطبايخ والبارود، بقت أيام عز. ويلعبوا على الخيل، بقى هاذ سعيد درويش يلف من تحت بطن الفرس ويطلع على ظهرها. أو كان يطيح تحت بطن الفرس ويطول ست صرارات وهي رايحة عالمشوار، كان قرد سعيد درويش. كانوا يعملوا مسابقات عالخيل. والعرس... الزلام ترقص قدام والعريس وراهن والنسوان يزغردن ورا وطبّالة وزمارة وزغاريد وطخ بارود للجو. أعراس زمان أحسن. وين أعراس اليوم . اليوم زي الشحاد.  هناك شهر وهم يغنوا. أنا أنا عشرين يوم أبوي  وهو يغني ويذبح ذبايح. كنت وحداني أنا. وأبوي كان مبسوط. غنم وبقر عنده، تاجر بقى وعندنا دور، دور عتق ودور جداد. عندنا بيار وزتون. يمكن ميتين دونم إلنا. فيها رمان وعنب وتين. الناس توكل منها ما حدا يقولها إشي. بلادنا بلاد الخير يا بنيّي.
- المالحة بقى اسمها كرسي بني حسن، عين كارم ما حدا بدري عنها. الساحات عندنا كانت للضيوف. إن جيت من شرقة أو من غربة أو من شامة أو من قبلة تلقى ساحة، مين ما يدخل على الساحة هو ضيفك بدك تذبح وتطعم. بلدنا كانت أول قرية وأقدم قرية أحلى قرية.
- كان في مجاملات بين بلدنا وبين البلاد اللي جنبنا بيت صفافا وشرفات ودير ياسين وعين كارم. كنا نعزم بعض عالمناسبات.
- واحنا صغار كنا نلعب جلول وقناطر – قناطر يعني كنا نحط خمس حجار هون وخمس حجار على الطرف الثاني ونضرب على بعضنا. كان عندنا ملعب وفريق فوتبول. بقوا ييجو يلعبوا معنا من بيت صفافا وبقو يروحوا على دير المصلبة. 
حرب
- يوم ما طلعت من البلد كان عمري  28 سنة. حتى كنت جنب عبد القادر الحسيني يوم ما ضربوه، أنا وأخرى اثنين واحد صاحبي، قلتله يا عبد اللي طخّه اللي وراه مش اليهود اللي طخّوه.، والله بين الصبر بالقسطل، اللي حرسه طخّه. قلت الحرس اللي طخه، قسم قالولي اخرس. وقالي اخرى كلمة بطخك انت، كان معاي اثنين قالوا اذا بترفع ايدك بنطخك انت الحرس طخّه، بكذبش موسى.
- أجا جيش عبد القادر.. أجا واحد – الشلبي -  من الخليل أجو  بجيش ولقيوها خالصة، وعاودوا رجعوا. بعد ما انقتل عبد القادر أنا رجعت عالمالحة، جيت على دارنا... ظلت المناوشات مع اليهود، كانوا يطلعوا يطخوا عاليهود، يطلعوا على منطقة القرامة اللي بطل على لفتا، وكانوا يروحوا على المصلبة يطخوا على اليهود وعلى القطمون في الليل.... أهل المالحة وكان معاهم كمان ناس ييجو من الولجة ومن بيت صفافا ومن شرفات.
- احنا ما تجندناش مع عبد القادر الحسيني، هو مر من البلاد ونادى الشباب للقسطل، مرق من البلد وقال الحقوني يا موالح اليوم يومكم. رحنا معاه، احنا فزعنا ، كنت شب ولد يعني، طلعت مع اللي طلعوا وراحوا عالقسطل، وحاربت معاهم يومين بليلتين. كان ينادي عشان يطلع اليهود من القسطل، مرق من بيت صفافا واقطمون والبقعة والمالحة والجورة وعين كارم. من كل بلد طلع شوي. والقسطل مليانة صبر. اليهود على جهة واحنا على جهة. هم يطخوا واحنا نطخ، انقتل ثلاثة وقتها مننا، كنت ولد أنا يمكن 14 سنة وكان معاي اثنين واحد عوض الله وواحد موسى عواد، وكان معاي سلاح، (اصحى تروح تسوّيلنا تحقيق...)
- كان مناوشات بهجموا عليهم بالليل ، يروحوا يطخوا عاليهود في مقور حييم وعين كارم وعند شركة إيجد والمصلبة ومحانيه يهوده. اليهود استقووا بال – 48 مع اليهود اللي أجو من برّة وبدهم يطردونا من القرى ويوخذوها وظلوا ورانا ترحلونا. زمان اليهود ما بقوا يسترجوا يتخرفوا. وكانت علاقة صداقة. نروح عليهم وييجو علينا. يشتروا مننا. يضيفونا ونضيفهم. بقتش هاي الفتنة.
- يوم مجزرة دير ياسين أنا كنت بالمالحة. سمعنا عن اللي صار. في إلنا بنات متجوزات في دير ياسين. في واحدة من بلدنا  حبلى بعطوها، اسمها يمكن زينب محمد اسماعيل.

لجوء
-  اليهود ما دخلوا المالحة في هذيك الفترة. كنا عاملين حرس منا وكنا نطخ. وبعدين استقووا علينا اليهود، حاصرونا وصاروا ييجونا من شرقة ومن غربة. وهاي بلد بدها توكل وبدها تشتغل. وصاروا يضربوا. وغير هيك الحريم والاولاد طلعوا، طلعوا بعد دير ياسين. سمعنا انهم ذبحوا وقتلوا فطلعوا الحريم. رحنا على بيت جالا وشرفات والولجة وسلوان والطور، كل واحد راح عند ناس بعرفهم أو بقربهم. واحنا الشباب رجعنا نحرس البلد. ظلينا لحد ما استقووا علينا. فطلعنا على بيت جالا، بالأول جينا لاجئين وبعدين قعدنا بالأجار، ثلاث دور استأجرنا، نسوان ثنتين وللغنم. ب 20 قرش كان أجار الدار. سكنا بالأجار  وبعدين حبيت أشتري هون لأنها مناسبة للغنم. وفيها طبيعة. هاي الأرض اشتريتها في الخمسينات وعمرت فيها وظليت لليوم.
- سنة 67 احتل اليهود هون. بقى جيش أردني وشرد. واحنا ظلينا هون. اليهود حاولوا يوخذوا الأرض ويطردونا من هون. ما بقاش النا جيران، بقينا لحالنا.  يوم  بنوا جيلو حاولوا يطلعونا.فضربت الجنود لما أجوا يطلعونا وحبسوني أنا وأبوي ومرتي. ومع ذلك ظلينا.
- زرت المالحة عدة مرات. دارنا هدوها. البيوت الموجودة بعرف اصحابها، الدار الكبيرة بوسط البلد جنب الجامع هاي دار عبد الفتاح.
- زمن الانكليز اشتغلت في شارع يافا بالعمارة اللي عليها أسد، مع بنات متطوعات، دخلت اشتغل كناس وبعدين دخلوني المطبخ وبعدين صرت سفرجي وبعدين سكند كوك يعني مساعد طباخ. كان عندي بسكليت أروح وآجي عليه. بزمن الانكليز صار شغل للناس وبنوا مدارس وفتحوا شوارع ولكن هم اللي جابوا اليهود.
- أهل المالحة موزعين في المنطقة، في سلوان والطور والعيزرية وابو ديس والبيرة ورام الله ووصلوا الأردن. لما طلعنا من البلد  أخذنا قسم من اغراضنا مثل المصاري والبقر والغنم . عبد الفتاح درويش قال للناس ما يطلعوا والناس قالوله انت سمسار. قال انا سمسار بس انا بحميكم، اقعدوا عندي. الناس ما ردت عليه. هو طلع آخر واحد. الناس زهقوا وما عادوا يتحملوا. 

الجيل الثاني والثالث و..
أبو موسى، عيسى سلامة الذي كان حاضرا طوال المحادثة وشارك في قسم منها أحياناً أضاف إلى كلام والده بعض الحقائق التاريخية وبعض الخواطر والقصص الذاتية:

بعد احتلالهم المالحة قام اليهود بهدم حارة الجواريش مباشرة كانتقام على المقاومة العنيفة التي صدرت من ذلك المكان. تقع حارة الجواريش على منطقة الراس، وفيها دار مصطفى نمر علقم. كان الراس نقطة استراتيجية من ناحية عسكرية، فكان أعلى نقطة في المنطقة ويكشف منطقة الولجة وبيت صفافا وشرفات والطرق المؤدية اليها. تمركز المقاومون في منطقة الراس وأبدوا مقاومة قوية ولم يتمكن اليهود من التخلص من تلك المقاومة إلا بمساندة المدفعية.  
 
من سخرية القدر أن والدي وأهل البلد  أصبحوا إذا أرادوا الوصول إلى المالحة يتهمون بالتسلل وكانوا معرضين لعقوبة الإعدام دون محاكمة إذ كان المسلحون اليهود يطلقون النار على "المتسللين". وبهذه الطريقة استشهد ثلاثة من أهل البلد هما نعمان رشيد ونعمان عذبة وفضة التي أحضر أبي جثتها من قرب العين. 

المالحة بالنسبة لنا هي الأرض وهي الوطن.  كنت منذ نشأتي  أذهب تقريباً يومياً إلى هناك مع أبي وأمي. وكنا كأولاد ننزل  ونلعب في حقولها وبين أشجار الزيتون. كان ابي يذهب يوميا ليرعى الحلال. كانت الأراضي الزراعية قائمة لسنوات طويلة. كنا نذهب لقطف ثمار أشجارنا.  البلد كانت مسكونة، هدموا ما لم يعجبهم وسكنوا في البيوت المتبقية. أنا لقربي من المالحة لم أنقطع عنها. كانت بالنسبة لي ملعب الطفولة ومتنزه فترة الشباب. كان شيء يشدني إلى هناك. كنا نتشاجر مع الشباب اليهود هناك. كانوا يعرفون من نحن. كنا مع شباب من قرى مجاورة مثل بيت صفافا نلعب فيها طوال النهار كأصحاب وطن.

انا اليوم كنت في المالحة لشؤون عمل. شباب اليوم لا يشعرون برابط قوي مع المالحة. رغم أنهم يعملون هناك. ابني هذا يعمل في محل بيتزا في المالحة وهذا أخوه يعمل كمرشد في مدرسة للتعليم الخاص، أخي الثاني يعمل في المالحة في منطقة اسمها جبل أبو درويش.

-------------

شهادة الحاج موسى محمد داوود سلامة
مكان الولادة: قرية المالحة (قضاء القدس)
سنة الميلاد: 1920
مكان السكن الحالي: بيت جالا
مكان المقابلة : بيت الراوي في بيت جالا
تاريخ المقابلة: كانون أول، 2007
اجرى المقابلة: عمر الغباري - زوخروت