وجيه عطاالله

1196518823
عسلين

وُلدت تحت خيمة نصبت مئات مثلها على سفح جبل لم يظهر منه إلاَ هي والصخور الرمادية على نحو يشهد بأنه تعرض للغزو ولأول مرة.

كان شتاء عام 1956 قاسياً حين أجُبر سكان الخيام إعلان حالة الطواريء لأكثر من أسبوعين، حيث إقتلعت رياحه وأمطاره وثلوجه عدداً كبيراً من الخيام.

فمولدي والشتاء أجبرا والدي البحث عن مكان آمن آخر في نهاية تشرين ثاني من نفس العام، فإنتقل الى قرية قريبة تدعى جبع- شرقي الاسم الجديد مخيم قلنديا.

سمعت الكثير من والدي كيف أجبر على ترك قريته عسلين " قضاء القدس " والطريق الطويل الذي هام به مع آلاف اللاجئين الفلسطينيين حتى إستقر به الحال في المخيم.

لم يكن والدي يجيد إلاَ زراعة الأرض وتربية الماشية، وحين أفاق على نفسه مجرداً من كل شيء بدأ يبحث عن مهنة يعتاش منها فعمل عاملاً في دائرة الأشغال – يرصف الشوارع الجديدة، والأرض العذراء حول خيمته في المخيم تحولت الى منطقة سكنية بأزقة موحلة.
مسموعاتي ومشاهدتي كفتى بعمر 15 سنة لم تؤهلني بعد للتعرف على هويتي الجديدة كلاجيء يعيش في مخيم رغم إنعكاس هذه البيئة على كل ملامح حياتي، ورغم إدراكي بأن بلدي الأصلي هو عسلين وربما علقت لمناداتي بالعسليني.

هكذا شعرت بحجم السرقة الكبيرة التي تعرضنا لها حينما زرت عسلين لأول مرة عام 1975 وأدركت بأن غناء والدي بجمال الأرض والقرية وأيام العز ليست مبالغة وأدركت أيضاً بأن عبير البحر ويافا يأسر مشاعرك وطعم برتقالها لا يمكن أن يقارن بمثيله إلاَ الذي تذوقته في أريحا.

حينها أحببت البحر، ولطالما بعد زيارتي الأولى له مباشرة ولعدة ليالٍ أحلم به وأستحضره الى فراشي الأرضي وإستمتعت في تلك الليالي بشعور العائم طيلة ساعات نومي.

لم يعد بالإمكان زيارتك يا بحر، حتى لو طلبت الإذن وإنتظرت الساعات الطويلة أمام مكتب الحاكمية العسكرية فلن يمنحوني تلك الفرصة التي إلتقيتك فيها قبل 32 سنه، وكصديق وفيً مازلت أسأل عنك وأطمئن على أخبارك حتى عرفت بأن طول ساحلك الفلسطيني 450 كم ولم يتغير.

--------------------------------
وجيه عطاالله
من عسلين المهجرة – قضاء القدس
حالياً من سكان مخيم قلنديا
ولد عام 1956
درس الاخراج السينمائي والتلفزيوني
أمين سر – متطوع -  لاتحاد مراكز شبيبة المخيمات
منذ العام 1994