جميل محمد حيدر

أنا طلعت من بلد الشيخ ابن 5 سنين. كانت بلد عامرة، كان جنبها بلد من براكيات صفايح اسمها الحواسة. بتذكر آذان الجامع، كان الشيخ عبد الله إمام الجامع، وبتذكر كولد كنت أروح برمضان عند الجامع ولما يأذّن المغرب أركض أبشر أهلي أذّن أذّن الخطيب 2012, Dec
بلد الشيخ

والدي من سكان طيرة حيفا. سكن والدي في بلد الشيخ لآنه قريب من الشغل في الريفينري (مصفاة البترول) وشركات البترول وأي بي سي، ومعسكرات الجيش. كان والدي يشتغل في معسكر للجيش وكان معه عرب ويهود يشتغلوا هناك. كان مسؤول عن عمال في مخزن لمواد البناء. وكان اخوه مسؤول عن التصدير من الكامب لبرّه. والدي انتقل من طيرة حيفا إلى بلد الشيخ سنة 1939-1940. وسكن هناك حتى الـ 48 وأنا ولدت هناك يوم 9.5.1943 وولد هناك أخوي عام 1946. يوم من الأيام دخلوا اليهود على طرف البلد وقتلوا منها اثنين ومن بعدها صار زعزعة بالبلد، وبعدها فاتوا بالليل على بيوت ورموا فيها قنابل وهدّوا البيوت على أصحابها.

صارت الناس تخاف، حاولوا أهل البلد يحطوا حرس حول البلد والناس اللي بيوتها في طرف البلد صاروا ينهزموا ويناموا عند ناس داخل البلد. بيتنا كان تقريباً في نص البلد من الجهة الشمالية. قبل سقوط بلد الشيخ طلع أبوي منها ورجع عند قرايبه في طيرة حيفا. بعد ما طلعنا من بلد الشيخ بشهرين سقطت حيفا. وبعد حيفا بشهرين تقريباً سقطت الطيرة. رحنا عند أصدقاء بقرية عسفيا، وقسم من دروز عسفيا كانوا يتعاونوا ويحاربوا مع الهجناه. فقالوا لنا اصدقاءنا قبل سقوط الطيرة إنه الأفضل نطلع من الطيرة ونيجي نحتمي عندهم. كانوا عارفين انه اليهود راح يحتلوا الطيرة. قعدنا في عسفيا حتى 1952، بعد ما هديت الأمور، رجعنا على طيرة حيفا، بيوتنا صارت مصادرة وساكنين فيها يهود، ومنعونا نسكن فيها، فسكنّا بطرف الطيرة ببعض البيوت اللي ما زالت فاضية مثل بيت جدي، وباقي الناس من الطيرة اللي رجعوا بنوا خشبيات أو براكيّات صفايح وسكنوا فيها. أهل طيرة حيفا رجعوا للطيرة وسكنوا جنب عين الميّ، وكانوا كلهم طرّاشة [أصحاب مواشي]، الجبال فاضية والميّ متوفرة، لكن ممنوع يوصلوا بيوتهم. سكنّا بالطيرة من 1952 وأغلب الناس ظلوا حتى 1976. ومنهم حتى بعد هيك. كنت أروح أتعلم بعسفيا وأرجع أنام بالطيرة. درست بمدرسة ثانوية بمدرسة ليلية يهودية في طيرة الكرمل. واشتغلت كمدير عمل ومقاول بناء. عمري 69 سنة.

أنا طلعت من بلد الشيخ ابن 5 سنين. كانت بلد عامرة، كان جنبها بلد من براكيات صفايح اسمها الحواسة. بتذكر آذان الجامع، كان الشيخ عبد الله إمام الجامع، وبتذكر كولد كنت أروح برمضان عند الجامع ولما يأذّن المغرب أركض أبشر أهلي أذّن أذّن الخطيب. ابن عمي حيدر محمود ( صحافي وشاعر يعيش بالأردن) أكبر مني، وكان ياخذني أحياناً معه للمدرسة، بذكر تقريباً وين كانت المدرسة، وبذكر مثل الخيال شكل المدرسة، كانت طابق واحد وبناية طويلة. بذكر منطقة الحواصل والمحلات كانت عامرة. والدي كان عمره 96 سنة لما توفي، فكان يحكي لي كثير عن بلد الشيخ. بذكر السهل كله زراعة وبذكر في سهل بلد الشيخ كان حنّانة، هي ناعورة فوق بير ميّ يحركها جوز حمير أو بقر، مثل دولاب عليه دلو كان يطلِع الميّ من البير ويصب بقنوات الريّ للزراعة. بذكر مرّة كنت عطشان ووقفت تحت الدلو حتى أشرب منه. ما كان بالبلد كهربا. أبوي كان يشتغل في معسكر نيشر للجيش البريطاني جنب مقبرة القسام وكان يروح على الشغل مشي. مصنع نيشر كان موجود قبل ال 48. كان ليهود.



وأنا ولد سمعت عن هجوم اليهود على العرب وبذكر إني سألت أبوي مين هذول اللي بيقتلوا؟ قال لي يهود. سألته وما في حدا ممكن يقدر يقاتل اليهود. قال لي في الحاج أمين الحسيني.

لما سقطت بلد الشيخ أغلب الناس تهجّرت لحيفا وعكا. وبعدين لخارج البلاد بمساعدة الانجليز عن طريق البحر، ولكن نص بلد الشيخ كانت عمّال وموظفين من قرى الجليل والمناطق الثانية. هذول رجعوا كل واحد على بلده. الهجوم على بلد الشيخ أجا من الجبل. كيف بعرفش لكن هذا اللي سمعته. أهل بلد الشيخ تشتتوا في الجليل والضفة ولبنان. أما أهل البلد الأصليين مثل دار السهلي والعائلات القديمة مثل الحوراني ما ظل حدا منهم تقريباً إلا قليل.

حادثة مصافي البترول صارت انتقام. كان يمرق باص عرب من حيفا للجليل، مرّة مجموعة يهود سبّقوا له وهجموا عليه بالرشاشات وقتلوا عدد من الناس بالباص. وفي يوم رمى اليهود قنبلة على ناس عرب قرب مصفاة البترول وقتلوا منهم. وصل الخبر للعمال العرب في الريفينري (مصفاة البترول) فقاموا بجولة قتل وانتقام من العمال اليهود هناك. قتلوا حوالي 40 يهودي. قتلوهم بالبلطات والشواكيش والطواري.

عام 1949 لما إسرائيل صارت تعطي هويات، كان كل واحد من بلد الشيخ يطلبوه للتحقيق. أبوي واحد من الناس اللي انطلبوا للتحقيق وسألوه عن حادثة القتل في مصفاة البترول وأثبت لهم انه كان يشتغل في معسكر بريطاني فاخلوا سبيله. لكن في ناس ثبت إنهم كانوا يشتغلوا بالريفنيري أخذوهم للتحقيق وما ظهروا بعدها. سمعتها من أبوي وعمي. بعد الريفنري اليهود انتقموا من بلد الشيخ. هجموا بالليل ورموا قنابل داخل البيوت وقتلوا كثير ناس.


شهادة ولادة جميل (عبد) حيدر 1943 في بلد الشيخ

مرة كنت في ألمانيا وخسرت القطار المناسب من مدينة لمدينة. وشعرت إني ضعت. فجأة سمعت شباب بيحكوا عربي. سألتهم عن القطار وبعدين سألت من وين الشباب؟ واحد قال من الخليل والثاني قال من حيفا. قلت له أنا من حيفا. من أي عيلة انت؟ قال أنا سيدي من منطقة حيفا من دار الحوراني. قلت له دار الحوراني من بلد الشيخ. قال نعم وأنا من بلد الشيخ. قلت له وأنا من مواليد بلد الشيخ. فقال أنا خلقت بالكويت وأبوي بسوريا وسيدي ببلد الشيخ ولليوم بقول أنا من حيفا. هذا الشخص فما زال بيقول انه من حيفا رغم انه ما شاف حيفا أبداً.

الإنسان المطرود بيظل ينتمي لأصله. ولازم تصير عدالة مع اللي تهجروا. لازم يرجعوا لمسقط رأسهم.  بالنسبة للعودة، العودة مش بس للشخص اللي له أملاك. العودة بتكون لمسقط الرأس وللوطن.

الشعر العربي بيقول:
           نقل فؤادك حيث شئت من الهوى     ما الحب إلا للحبيب الأولِ
          كم منزل يهواه الفتى                     وحنينه أبداً لأول منزلِ

بالنسبة لي اعتقد انه العودة مع وجود اليهود مستحيلة. ما عندي قدرة أفكر أبعد من هيك. عملياً صعب. العنصرية بهذي الدولة وصلت أبعد الحدود، ولا يمكن يوافقوا على العودة.

------------

جميل محمد حيدر (1943)
مكان الولادة: بلد الشيخ
حيفا \ كانون أول 2012