فاطمة عوض حسن منصور

الجيش عمل صفين على الشارع من الجنبين، وإحنا مشينا بالنص وأخذونا من الخلة لمحل بقولوله مفرق صفد، هناك من تحت عين الأسد، وقالولنا اطلعوا من هون ع الجبل وممنوع تطلعوا وراكم واللي بطلّع وراه منطخه. 2009, Aug
كفر عنان

مكان المقابلة: بيت الراوية في قرية الرامة (حارة الدبّة)
سنة الولادة: 1936
مكان الولادة: قرية كفر عنان
تاريخ المقابلة: 20\8\2009
أجرت المقابلة: رنين جريس

-----------------------------------

رنين: شو اسمك الكامل
فاطمة: فاطمة عوض حسن منصور وأمي اسمها فطوم احمد الناصر وهي من مواليد كفر عنان وتجوزت أبوي واللي بكون ابن عمها.

- متذكرة أي سنة ولدت؟
- مش عارفة، كانت الدنيا لخبطة، ولما أجو اليهود يعملوا لنا هويات بعد ما تهجّرنا، أمي أعطتهم أعمار أصغر من أعمارنا عشان يشفقوا علينا وما يطردونا. بس اللي بعرفه انه أبو مروان، جوزي، أكبر مني بسنتين مش أكثر، يعني أنا يمكن عمري 72.

- إحكي لي عن بيتك أيام كفرعنان.
- كان بيتنا بآخر البلد من تحت، بيت تراب، كان قدّامنا حاكورة. سيدي، أبو أبوي، الله يرحمه، جاب حجار عشان يعمّر دار. كنا أربع أخوات وصبيين وأمي وأبوي وسيدي وستي.

- شو أعماركم؟
- أنا الكبيرة، وبعدي أخوي محمد وبعدين كلثوم وبعدين انشراح، بعدين أحمد، بعدين رسمية. لما طلعنا من البلد أمي حطت أحمد بظهرها جُوّا الفستان، ورسمية كانت في الدماجه وحطتها بحضنها وأنا وباقي أخوتي كنا نمشي.

- متذكرة اليوم اللي طلعتوا فيه من البيت؟
- لأ، بس متذكرة إنّي كنت أمشي جنب أمي. راح أحكيلك الحكاية من اول. اليهود فاتوا عنا، طوّقوا البلد وحاصروها. فاتوا ع البيوت وصاروا يقولوا إطلعوا من البيوت بدنا نهبّط البلد. أجو هبطوا بيت دار أخوه لسيدي. الناس خافت وطلعت قعدت بأرض اسمها الخلة ع طريق المغار، هاي ارض لبلدنا. الختيارية بقيت وما طلعت، بس إحنا الصغار والنسوان طلعنا ع الخلة. أجا سيدي وقال لستّي هاتي نخبّي الأولاد بقلب المغارة، كان في عنّا بالبيت مغارة نحط فيها تبن للطرش. قالت له ستي بلكي هبّطوا البيت والأولاد ماتوا؟ خلينا نطلعهم معنا. لما أطلعونا وتأكدوا ما ظل حدا بالبلد، أجو المسؤولين اليهود، ما بعرف شو اسمهم، جابوا سيارات، اختاروا الشباب مثل أبوي وجيله وأخذوهم ع المعتقل ولما اعتقلوهم ظلينا إحنا ا طفال والختيارية والنسوان. الجيش عمل صفين على الشارع من الجنبين، وإحنا مشينا بالنص وأخذونا من الخلة لمحل بقولوله مفرق صفد، هناك من تحت عين االأسد، وقالولنا اطلعوا من هون ع الجبل وممنوع تطلعوا وراكم واللي بطلّع وراه منطخه. وأنا ماشي بالطريق مع أهلي، تطلعت لتحت على الأرض واللا شفت كوم ناس ع الأرض. قلت لأمي شوفي هدول الناس جايين يناموا هون بالشارع، واللا هم ثماني قتلى شباب. أنا فكرتهم فراش. قتلوهم وكوموهم كوم واحد. كمّلنا طريقنا ع عين الأسد وضلينا ماشيين حتى وصلنا ع بنت جبيل بالليل.

بس وإحنا طالعين نواحي عيد الأسد، بالجبل، ولما قطعنا الشارع، لاقينا تحت الزيتونة طفلة من عيلبون أمها تاركتها وحاطه تحتها حرام زهر ولافيته عليها وفي كيس فيه أواعي حد البنت وقنينه حليب فاضيه والمصاصه بفم البنت. كان يومها معنا بنت كبيره بالعمر بقولولها ديبه العصمان، أمي قالتلها يا ديبه احملي البنت بلكي بتلاقي أهلها، قالت لها أنا ما خلفت وما بدي احمل أولاد الناس. دشّرت البنت وراحت، كملنا مشي ووصلنا بين عين الأسد وبيت جن بالوعر، شافتنا ختياره راجعه من بيت جن وبتبكي وقالتلنا شفتو طفلة وانتو طالعين؟، قلنا لها اه، حكينا لها وين، ولما رجعت ما لاقت البنت. يمكن الجيش اخذها لأنه كان قريب كتير منها. قلنا لها ليش زتتها أمها، قالت لنا أمها كانت حامليي ولد ع ظهرها وولد بحضنها وما قدرت تحمل الثلاثة.



ببنت جبيل نمنا كل اللاجئين بالجامع. بعدها اجت سيارات اخدتنا من الجامع ع صور، وهناك بنوا مخيّمات وحطونا فيها. أنا قعدت تقريبا شهر أو شهرين بصور. بعدين اجا سيدي وصار يسأل الناس عنّا، وجابنا من مخيم صور على بيت جن. بذكر الدنيا كانت شتا وبرد كتير، سيدي جاب حرامات وركّب أخوتي ع حمير ورحنا لحتى وصلنا بيت جن، رجعوا معنا كمان أولاد أخوها لستي أم أبوي حمد ومحمد. في بيت جن شتت الدنيا كتير كتير وغرقنا مي، فتنا عند ناس دار صالح الولي صديق سيدي. دفّونا وغيروا لنا أواعينا والصبح سيدي ركّبنا ع الدواب وضلينا مروحين ع كفرعنان. كتير ناس رجعت ع كفرعنان البلد كانت مليانه.

بعد فترة أجا الجيش وطوق البلد وضبّونا كمان مره وحطونا تحت البلد مش نفس المحل اللي كنا فيه بالأول، جمعونا عشان يعطونا هويات. إحنا أعطونا هويات حمراء مؤقتة عشان كنا بلبنان. بعد مده يمكن سنه أو سنه ونص، اجو وطوقوا البلد وحطّونا بمنطقة الخلة وين كنا قاعدين أول مرّة ورحّلونا. قسّمونا، اللي معه هوية زرقاء لحال واللي معه هوية حمرا لحال، اللي معه هوية زرقاء روّحوه واللي معه حمرا جابوا سيارات الساعة ثمانية الصبح وقعّدونا بقلب السيارات للليل، لا أكل ولا شرب ولا أشي. راحوا وجابوا ناس من فراده معهم هويات حمرا وحطوهم معنا. بالليل أخدونا وساقوا فينا وكبّونا ع الحدود بين زبوبيا وبين إسرائيل، هناك نزلونا وقالوا ما تمشوا بالسهل بمرج ابن عأمر أمشوا مع الشارع. أجا حمد أخوها لستي وقال ما بدنا نمشي بالشارع لأنه يمكن يكونو حاطين ألغأم، خلينا نمشي بالسهل. وإحنا ماشيين بالسهل سمعنا حسّ  مي، فكرنا انه نهر بس ما قدرنا نشوف من العتمة. ضلينا مكاننا لأنه خفنا نتقدم والمي تجرفنا، قعدنا هناك وأول ما طلع النهار، شافونا من بعيد الجيش الفلسطيني الموجود عند زبوبيا، شافوا أكوأم ناس ع الحدود، فكرونا يهود ومعنا أسلحة وصاروا يضربوا علينا. كان في واحد معنا من فراضة، وقف يشوف مصدر الطخ واللا الرصاصة اجت فيه ووقع ع الأرض طرش دمه علي، لليوم بتذكر دمه الحامي على جسمي. بعدين اجت ستّه الختياره للشاب، كانت طرشة لابسة حطه ومعها عكازه، أعطت حطتها لأمي، وأمي رفعت الحطة ع العكازة وصارت تركض بالسهل. شافوها المسلحين ع النقطة ووقفوا ضرب النار.

اجو خمس أو ستة أشخاص منهم على الخيل، ركّبو الشاب الميت ودفنوه ببلد قريبة، وإحنا حطونا بسيارات وسحبوا فينا. اجو أولاد ستي أم أبوي راحوا ع دكاكين يجمعوا شويه خبز ومي عشان نوكل. وبعدين أخذونا ع نابلس، بنابلس بمخيم بلاطه، وسكنا فيه. أجا واحد اسمه عامر وصار يعطينا كل اثنين رغيف خبز يعني كماجه صغيرة، اليهود بقولولها اليوم بيتا. كان يقسمها بالنص ولكل اثنين خبزه، ويعطينا لكل واحد خمس حبات تمر نغمّسه بالخبز، وأمي تجبلنا مي في تنكه عشان تسقينا.

سيدي كان بمجد الكروم، صار يدور علينا كمان مرّه، لحقنا سيدي وأجا ع بلد اسمها الدَحِي، أجا وصار يسال مين الدلول هون اللي بقدر يدلني ع عائلتي. لما لاقى الدلول، اجا واخذه على مخيم بلاطة. سيدي اخدنا من مخيم بلاطة ع الحمير ومشينا بالليل، وبالنهار كنا نتخبى بالوعور لحد ما وصلنا ع مجد الكروم. سيدي وستي كانوا يومها يشتغلوا بالرامه، يحصدوا يحلشوا ويتشغلوا بالبيوت عشان يطعمونا أنا وأخوتي لأنه أبوي محبوس.

بمجد الكروم أجا الجيش علينا كمان مرّه، طوّق البلد، واطلعوا اللي مش معهم هويات عشان يكبّوهم مره ثالثه. أجا سيدي عند المختار وقاله دخيلك بدهن يوخدوا الأولاد وأبوهم محبوس وأنا متت لحد ما جبتهم. قال له المختار ما بطلع بايدي أشي. لما طوقونا اجو بدهم يركبونا بالسيارة، راح سيدي لواحد اسمه أبو خضر وصار سيدي يهد ع أجريه يبوسهم ويبكي وكل ساعة يحطونا بالسيارة سيدي يهجم ع السيارة (باكية).

تعبنا كتير كتير، مع انه سيدي ختيار، صار يبوس باجريه ويبكي، قاللو ابني بالسجن والأولاد شو بدنا نعمل فيهم، يا بتوخد الأولاد بتربيهم يا بتسمحلي فيهم. الضابط شفق ع سيدي ورجّعنا وسيدي قال إذا أبوي طلع ع إسرائيل منروح معه وإذا طلع ع لبنان منروح معه. لما اطلعوا أبوي سالوه وين بدك تروح، قال لهم عند أولادي بإسرائيل وأجا عنا ع مجد الكروم.

لما طلع أبوي، اجت ستي أم أبوي وأبوي وسيدي راحوا يتعيّشو بالرامة أيام الزيتون. في واحد اسمه يوسف الصالح بده عمال، أبوي وسيدي راحوا عنده واشتغلوا ولما اجو بدهن يرجعوا قال لهم يوسف الصالح جيبو أولادكم وعائلتكم وأنا بعطيكو غرفه تعيشوا فيها لحتى تخلصوا الزيتون. جبنا أغراضنا سكنا عند يوسف الصالح وصرنا نشتغل بالفلاحة، نحصد ونحلش ونعشّب ونزرع دخان ونقطف رجال ونسوان. قعدنا خمس سنين عايشين عنده. من بعدها هو إعتاز المحل اللي إحنا فيه. رحنا دورنا ع محل تاني بالأجار ولاقينا خشّة تراب عند واحده اسمها بيك العلي، مرأة من الرامه عندها بس بنت واحده. كنا سيدي وستي وأمي وأبوي، أربع بنات، وأخوه اثنين في نفس الخشّة، ندير الفرشة بالعرض وننام عليها. وبعدين أجينا سكنا هون بالبراكيه بحاره الدبة.

المعايشة بالرامه كانت أحسن من مجد الكروم وغير انه إحنا هون اقرب لبلدنا. هاي الدبة كان يملكها فؤاد سعد وكانت مضمونه لقرية ساجور ومش للرامه، كانوا الفقرا ساكنين فيها، وكانت النوَر من زمان ساكني هناك، يخيموا فترة ويفوتو ع الرامة يشحدوا وبعدين يحملوا أغراضهم ع الحمير يفوتوا ع الرامه، يشحدوا ويوكلوا ويقعدوا يومين ويمشوا.

إحنا اشترينا خيم وقعدنا بالدبة، بعدين الدنيا صارت تشتي، المي تفوت علينا. دُرنا ع المزابل ندّور ع تنك، ومن التنك عملنا براكيات وسكنا فيها. إحنا لليوم بقولو لنا من أهل الدبة أو من الحي الغربي، مع انه بالهويات إحنا من الرامة. يعني إحنا من سكان الرامة بس مش من أهل الرامة الحقيقية، أهل الرامه الحقيقيين هم دروز ومسيحية وما فيها إسلام. مع الوقت اشترينا أراضي وعلمنا أولادنا وعمرنا بيوت، بس منضل اسمنا اللاجئين.

- انتو هيك بتحسوا واللا أهل البلد هيك بحسسوك؟
- شو بدي اقلك، أهل الرامة قواد ومتعلمين، مثقفين ومحترمين بس لليوم بنادونا بأهل الدبة (باكية)... في شوية تفرقه... بس هم بحترمونا كتير وأي أشي بدهن اياه إحنا ما منقصّر.

- حتى الجيل الجديد؟
- طبعا، الجيل القديم أحسن من الجيل الجديد، لأنه ع أيام بلدنا كان في علاقات بينا وبين أهل بلدنا والرامه. كان في واحد اسمه جميل نخله وجيد الصالح، كان كتير أصحاب مع سيدي وستي، بس الجيل الجديد ما بيتعرف عليك ولا بعرفك.
أنا بحب الكل.


اولاد فاطمه وحسن منصور بجانب البراكية التي بنوها في حيّ الدبّة في قرية الرامه

- أنت اجيت هون ع الرامه قبل عمي حسن؟
- إحنا أول ناس اجينا ع الرمه وبعدين أهل البلد صاروا ييجوا شوي شوي سكنوا بشوادر وبعيدن عملوا براكيات وسكنوا.

- أهل كفرعنان وفراضة ساكنين سوا هون واللا بحارات منفصلة؟
- مع بعض، كنا بمجد الكروم مع بعض ونقلنا مع بعض، الكل تجمع هون بالدبة لأنه أراضي أهل الرامة ما بخلوا حدا يسكن فيها. وصرنا نوخد اعاشة. كان مركز الحليب عند دير الراهبات، إحنا كنا أربع بنات وصبيان اثنين وسيدي وستي يطلعنا لتر حليب. بس الحمد الله إحنا اشتغلنا وصرفنا ع حالنا.

- احكي لي عن أمك؟ انت كل الوقت مع أمك لأنه أبوك كان بالسجن...
- لما حطونا بالخيمة، أمي كانت تسكر علينا الخيمة وتروح ع الكروم بنابلس، وتروح تشحذ خبز ونصير نوكل وتروح ع الكروم وتطلب منهم شوية أكل خبيزه . كانت أمي تفرم الخبيزات تغسلهم، تحوسهم بالطنجرة وتحطهم ع شقفة نايلون ونوكلهم لحد ما أجا سيدي وروحنا.

- وانت؟
- أنا كنت اهتم بأخوتي الصغار.

- ع أيام كفر عنان شو كانت أمك تعمل؟
- ما كانت تعمل أشي .. كانت تربينا، وبالزراعة تنزل ع الأرض، لما أمي تكون حبلى أو ترضع، تروح ستي وسيدي وأبوي يفلحوا ويضبوا الفلاحه للبيت. واحنا الصغار نضل بالبيت كل الوقت. بكفر عنان المرا المخلفة كانت النسوان تساعدها وتخبزلنا وتجبلها مي لحد ما تقوم وتصح.

- ما رحت ع المدرسة؟
- لا، كان في مدرسه بفراضة وعشان نوصل للمدرسة كنا نمشي بالوعر، والبنات ما كانت تروح تتعلم. لما طلعنا من بلدنا رحت ع صور ونابلس ومجد الكروم وصرت كبيرة وما قبلوني بالمدرسة. بالرامه كنت اهتم بأخوتي وما تعلمت. فتت ع المدرسة أول مرة بس لما كنت أروح ازور أولادي واسأل المعلمين عن أولادي.

- بعد ما طلعتم من كفرعنان ايمتا كانت أول زيارة الك عليها؟
- لما سكنا بالرامه كنا نروح نضم زيتون من بلدنا بالسرقة، زيتون كفرعان ضمنوه ناس من المغار من المنهال، ولما كانوا يشوفونا كانوا يطردونا. فصرنا نروح لهناك بعد ما هم يضبوا ونلقط زيتون بالسرعة. ولما تجوزت صرت أروح مع جوزي كتير.

- شو صار بأغراض البيوت؟
- أخذوها سرّاقين من المغار والقرى العربية المجاورة. لما جابنا سيدي من صور رجعنا ع البيت، ما لاقينا فيه أشي. كانت ستي أم أبوي بالبيت مع الختيارية فاتوا عليها وأخدوا الأغراض، أثاث البيت اخدوه وكمان خوابي الزيت والزيتون. ستي قالت للسرّاق الله يخليك خلي لي شوية زيت اطعمي الأطفال. ما رد عليها واخذ كل شي حتى الطحينات. كان عنا جاروشه ستي تعمل عليها ذره وقمح، كمان اخذوها أخذوها. 

شو بدي اقللك احنا جيلنا ما قدر يعمل اشي، بلكي الجيل الجديد بقدر يعمل اللي ما عملناه؟؟؟!!