مريم عبد الله أحمد شحادة

أنا شفت وسمعت كيف بيدمّروا دورنا. كانوا يحطّوا متفجرات ويفجروها. البلد كانت قرية صغيرة. تفجير وتفجير على طول يومين، واحنا سامعين. احنا كنّا جنوبي البلد وشايفينها. صارت الناس بعد هيك تروح على البلاد بدل ما تظل بالجبال. 10/10/2014
صرعة

ما كان عندي كوشان حتى أعرف أي سنة ولدت. كنا عايشين في بلدنا كويسين وصار معنا مشاكل بسبب اليهود. يوم من الايام هاجموا البلد كنت في بيتنا في صرعة كان عمري حوالي عشرين سنة وكنت متجوزة وكنت صرت مخلّفة ولدين واحد مات وهو صغير والثاني معاي، يعني طلعت من صرعة ومعي ولد واحد، جوزي هو محمود محمد حمدان أبو لطيفة. من صرعة. صار مناوشات مع اليهود واحتلوا قبلنا اللد والرملة ويافا. هاجموا بلدنا بالليل وكان عندنا قوة من مصر ومن الأردن قال ع شان تحمي أهل البلد. أنا ما كنت أعرف حجم هذي القوة ولكنهم ما قدروا يحمونا. هاجمونا اليهود بالليل. سكّرنا الدار بالمفتاح وطلعنا شردنا. فكّرنا نطلع على الجبل وثاني يوم نرجع. سمعت ضرب نار على البلد لما هاجمونا. كان الهجوم من جهة الغرب وشامة [الشمال]، من جهة الرملة واللد. ومع الهجوم ع بلدنا طلعوا معنا البلاد اللي جنبنا، إشوَع وعسْلين وعَرتوف. الناس تهجّجت. أقوى هجوم كان على بلدنا، يمكن ع شان موقعها كان عالي على التل، ويمكن ع شان كان عندنا قوة أردنيّة مصريّة. طلعنا من صرعة بالليل. رحنا باتجاه محطة البابور [القطار] في عرتوف، وحطّينا في الجبال قبال البلد، بعاد حوالي 4 كيلو. اليهود احتلوا البلد وصاروا وقت الصبح يهدّوا فيها، واحنا شايفين. أنا شفت وسمعت كيف بيدمّروا دورنا. كانوا يحطّوا متفجرات ويفجروها. البلد كانت قرية صغيرة. تفجير وتفجير على طول يومين، واحنا سامعين. احنا كنّا جنوبي البلد وشايفينها. صارت الناس بعد هيك تروح على البلاد بدل ما تظل بالجبال. إحنا رحنا على زكريا، إشي راح على بيت نتيف، وإشي على بيت عطاب. تفرّقت الناس. أنا وجوزي رحنا ومعنا ابني وابن جوزي على بيت نتيف. رحنا مشي. قعدنا في عريش. دور بيت نتيف كانت مليانة ناس لاجئين. بنينا عريش من غصون الشجر. قعدنا في بيت نتيف حوالي شهرين. بعدها رحنا على زكريا لأنه أخوالي في زكريا، وأمي وأبوي كمان راحوا من صرعة على زكريا. ما لقينا دار نقعد فيها بزكريا فقعدنا بمغارة. كل البلد كانت مليانة ناس مهجّرة من كثير بلاد، من بلدنا ومن عرتوف ومن اشوع وعسلين. قعدنا هناك شهر. صار هجوم على زكريّا زيّ ما صار علينا في صرعة. طلعنا على الجبال زيّ ما طلعنا من بلدنا. وأخوالي طلعوا. جدّي من جهة أمي من زكريّا اسمه الحاج عليّان أبو لبن. لما احتلوا زكريّا، كان قسم من أهلها ما زالوا ببيوتهم. ما لحقوش يطلعوا. وفي بعض ناس رجعت بعدين ع زكريّا. رحنا بعد هيك مشي على بيت أولا. سكنّا في بيت مع كمان 15 عيلة. بعد 5 أيام طلعنا. رحنا على سعير، مع أخوالي. دار أبو راحوا على الشيوخ. بالليل ركبنا بشاحنة من بيت أُولا إلى سعير. الشوفير نزّلنا بمحل ما بنعرفه، ولما طلع الصبح شفنا إنه مزبلة. واحد من أخوالي قرر يرجع على زكريا وقال بدّي أرجع وخلّي اليهود يقتلوني ويعملوا فيي شو بدهم. أولاده وأخوته رفضوا وهو راح لحاله. مشى من سعير على زكريا مشي وقعد هناك. بعد شهر راحوا أولاده وأخوته تسلّلوا لزكريا وجابوه من هناك. كانوا بدهم يظل معهم. بعدها أنا وجوزي تركنا أخوالي ورحنا على بيت ساحور، وقعدنا تحت زيتون بيت ساحور 15 يوم. صاروا يقولوا انه أريحا بلد دافية وما فيها مطر كثير، والشتا قريب. فصارت الناس تحمل أغراضها وتروح باتجاه أريحا. مشيناها مشي من بيت ساحور عن طريق حزما حتى أريحا. يعني رحلة عذاب عذاب. هناك صاروا ينصبوا للناس خيام. قسم عند العوجا وقسم في عين السلطان وقسم في عقبة جبر. احنا نزلتنا الشاحنة عند مركز البوليس بأول أريحا بعد عقبة جبر. قعدنا تحت شجر السدر. رحمة جوزي اشترى أكياس، خيطناها ببعض، بالنهار نربطها ع الشجر فوقنا ع شان تعمل فَيّ، وبالليل نفرشها تحتنا وننام عليها. الله لا يعيد هذيك الأيام. نزل مطر قوي. ثاني يوم الوكالة صارت تنصب خيام. كانوا يعطوا العيلة الصغيرة خيمة صغيرة والعيلة الكبيرة خيمة كبيرة. إحنا أعطونا خيمة صغيرة وسكّنوا معنا كمان ختيارة. والله لما أتذكر هذيك الأيام إنها صعبة كثير علينا. ظلينا هناك شتوية وصيفية وكمان شتوية. بالصيف مرضوا الناس، فصاروا يطلعوا الناس للضفة. صاروا مخيم اسمه الجلزون وسمّوا باقي المخيّمات، وإحنا طلعت رحلتنا للمخيم هاذ. أغلب بلدنا أجت باتجاه هذا المخيم وجينا معاهم. جينا هون يمكن قبل 50 سنة. وإن شالله نرجع على صرعة. والله لو بروح أعمل هناك خيمة أو عريشة إنها أحبّ ما عليّ. بدّي أعاود أرجع ع صرعة.

بيوت صرعة كانت بنا قديم. عقود لكن من طابق واحد. كل بيوت البلد تقريبًا زيّ بعض، ما عدا البيوت الجديدة. في ناس صارت تبني في أرضها خارج البلد. هناك بنوا من حجر. كانت دار يقولوا لها دار حسين، كانت حارة يعني محل قعدة أو ديوان، كانت عبارة عن صف ثلاث عقود وفوقهن قعدة. ودار عبد الله كانت قبال البلد، مبنيّة من حجر فيها جوز عقود وفوقهن قعدة. البلد كانت قاعدة على راس جبل. والله ريقي نشف. كل مرّة بنجيب سيرة البلد بينشف ريقي. من الانفعال. أنا مشتاقة للبلد. كانت صرعة معتليّة الجبل وحواليها أرض كثيرة. أرضها تبدا من عند محطة عرتوف، عند وادي الصرار، حتى كفرورية. أرض واسعة. أنا كنت أشتغل بالأرض، واشتغلت بالحصيدة. كنا نزرع قمح وشعير وذرة وكرسنة وعدس وفول. وما كانوا يبيعوا المحصول. كله كانوا يخزنوه بالدار للشتوية. بالصيف يزرعوا البندورة والخيار والكوسا وبالشتا يزرعوا للحصيدة والدّراس. كانوا ياكلوا من أرضهم. 

الأعراس
أولًا كان أهل العريس لازم يرضوا بالعروس. مش زيّ اليوم. أهل العريس يروحوا يطلبوا العروس. أنا أجا طلبوني أخوة جوزي. كان مهري 200 ليرة فلسطينية. أشتروا لي أهلي شويّة أغراض. بعد حوالي شهرين تجوزنا. العرس عند العريس كان سهرات لمدة أسبوع. كانوا يذبحوا ويطعموا الناس. كل سهرة فيها سحجة وسامر [حدّاء] والشباب تدبِك والختبارية يسهروا ويسمعوا حداية. العروس كانوا يحنوها ليلة العرس وبس، وثاني يوم ياخذوها. يوم العرس إذا كانت العروس غريبة كانوا يبعثوا حصان يجيبوها عليه.
- الشيخ صامت هذا ولي. كان حوله ساحة كبيرة وكانوا يصلّوا فيه. ويصلوا فيه صلاة العيد. هو كان جامع بدون ميذنة وحوله رواقات. بس الزلام كانوا يصلّوا فيه. النسوان تصلّي بدارها. القبر كان على جنب الجامع من الجهة الشرقية. مقبرة البلد كانت غربي الجامع. فش دور بين الجامع والمقبرة.

من يوم ما احتلونا بالـ 67 صرت أروح كل يومين على صرعة. كل موسم زيتون كنت أروح ألقّط زيتون من صرعة وأجيبه هون. كنت أجيب خرّوب وأجيب تين وأجيب صبر. كل شيء بتّاكل كنت أجيبه، حتى الفطر بالأرض كنت أجيب منه. مش لحالي، كنّا نروح مجموعة نسوان. ظلّيت أروح لحدّ ما بنوا الجدار. كنت أركب وأروح بباصات اليهود. قريبة من الجامع.

البيت اللي طلعت منه كان بأرض شويّ بعيدة عن البلد راح زلمتي بنى فيها. لكن سكنّا فيها مدّة قصيرة وتهجّرنا. ثلاث أشهر. البيت كان في كرم بعيد عن مركز البلد. هناك كانوا دار عبد الله، دار حماد، دار أحمد حسن، دار محمد شريف، دار سهيل. حوالي عشر دور المبعدات عن البلد. دارنا كانت جديدة ومنها أطلعوني الجيش، أجت قوّة جيش على دارنا وقالوا إطلعي من هون وروحي نامي بالبلد. سكّرت الباب بهذا المفتاح [تحمل مفتاح بيتها]. رحت ع البلد ومن هناك كلنا مع بعض.

كانت مدرسة واحدة لعدّة بلاد: صرعة وعرتوف وإشوع وعسلين ورافات. المدرسة هون وعرتوف ع الشرق، وعسلين من المدرسة وشامة، واحنا غرب المدرسة. البنات ما كانت تقرأ. المتعلمين بالبلد كانوا عدد قليل جدًّا، يمكن عشرة، وكلهم من الجيل الصغير. عائلات البلد هي دار أبو لطيفة ودار زهران وعيلة السجدية ودار شحادة. 

جنبنا كان مستوطنات يهود، من غرب، وشامة كانت كفرورية ومن شرقنا كانت عرتوف. كانوا مسالمين. كانوا أقلية وعايشين بدون مشاكل. كانت عندهم واحدة يقولوا عنها بتحكّم [تعالج]، بتحكّم عينين وحكمة بسيطة، وأهل القرى كانوا يروحوا يتعالجوا عندها. وعندهم أرض يفلحوها مثلنا. كانوا ييجو عندنا بالمناسبات ونروح عندهم. كان بس الدّين مختلف بيننا وباقي الأشياء مثل بعض. إن صار عند واحد يهودي بتعرفه حالة موت كنت تروح تعزيه، لو كان عرس عندنا أو عندهم كانوا يروحوا على بعض. عرتوف اليهودية كانت تجامل أكثر من كفرورية. كفرورية كانت بعيدة شوي للغرب الشمال. لكن عرتوف كانت قريبة ومسالمة مع أهل البلاد. لما صارت الحروبات أجو أهل الكوبانية [المستوطنة] عرتوف على مخاتير بلدنا وقالوا خلّينا احنا ما نردّ على الناس اللي أجونا من برّة، لا إحنا ولا إنتو. خلّينا نعيش مع بعضنا. لكن الناس ما صدّقت وما ردّت عليهم. أهل عرتوف ما شاركوا بالهجوم ع بلدنا. لما صارت مناوشات تجمّعوا شباب من القرى وهاجموا الكوبانية، وطخّوا على الكوبانية من جميع الجهات من بعيد. اليهود كانوا قليلين، انسحبوا بالليل وراحوا ناحية يافا والرملة. هم شردوا قبل ما احنا نطلع من البلد".       

--------------

مريم عبد الله أحمد شحادة

مكان الولادة: صرعة
تاريخ الولادة: 1926
مكان المقابلة: مخيم قلنديا للاجئين.

تاريخ المقابلة: 10.10.2014