ملخَّص بحث تاريخي عن شارع تْسڤِي روزنبلاط، يافا 12 - 14 ، جنوب حي النُّزهة، فوق طريق سَكنة درويش.
يُعتقَد أنها بيوت تملكها عائلة أبو عمارة

معلومات عامة

وفقًا لخريطة في أرشيف بلدية تل أبيب، تقع البيوت التي تحمل الأرقام 8 - 14 في شارع تسڤي روزنبلاط في القسيمة 32 من الحوض 7046. وكان الشارع يحمل في الماضي اسم شارع 3218.

تدلّ خطط البناء لمنازل أخرى تقع في الشارع نفسه على احتمال أن تكون أرقام الأحواض والقسائم مطابقة للترقيم الذي سجّلته خريطة التقسيم الانتدابي. إن ألقينا نظرة على خريطة القسائم لبلدية تل أبيب نستدلّ على أن البيوت التي تحمل اليوم الأرقام 8 - 10 - 12 - 14
كانت في الماضي منزلًا واحدًا، عِلْمًا بأن ملف المبنى الموجود في أرشيف البلدية يتعامل معها كوحدة واحدة أقيمت عليها مع مرور الزمن ثلاثة بيوت صغيرة.

التصوير الجويّ للمنطقة الذي نفّذه مصوّرو أمريكان كولوني في سنوات الثلاثين من القرن الماضي يثبت بأن الحي الذي يضم شارع روزنبلاط كان آنذاك قائما. إنه الجزء الجنوبي من حي النزهة الذي نما جنوبًا مع تطوّر الجادّة، التي كانت تسمى في الماضي كِينْچ جورج. إذا أمعنّا النظر في الصورة نرى بوضوح أن البيوت في هذا الجزء من الشارع كانت متّصلة بعضها ببعض. تاريخ الشارع قبل 1948 يصعب من ملف المبنى استجلاء الكثير عن ماضي المكان ما قبل 1948 . ثمّة تلميح قويّ واحد فقط، يدلّ على ما جرى: رسالة عرضية أرسلها يعقوڤ بودنِر من سكان الحي عام 1953 إلى القيّم العام. إلّا أنّه لا يمكن، من خلال الرسالة، أن نفهم أيّ بيت بالضبط هو المقصود. لكن محادثات مع سكان روزنبلاط 12 تدلّ على أن البيت كان تابعًا حتى وقت غير بعيد لشركة عميدار. 

لم نجد أي مستند يشير إلى الملكية السابقة لتلك المنازل، لا سيما وأن تاريخها "الرسمي" قد شُطِب، فوسّعنا البحث إلى المنطقة المحاذية. تُظهِر الصور الجوية بكل وضوح البيتين رقم 2 و- 4، وهما منزلان محاذيان للجادة. على الجانب الآخر من قُطر الجادة يمكننا رؤية مستشفى الدجاني الذي لا يزال قائما حتى اليوم حاملاً تسميته الجديدة "تْسَهَلون".

يمكننا الاستنتاج من ملفّات البناية الموجودة في الأرشيف إلى أن البيت رقم 2 بُني على ما يبدو عامَ 1933 على يد سعيد الفصيح، وأن مالكه الجديد، إبراهيم أبو خضرا، أجرى فيه أعمالا ترميمية وأضاف إليه طوابق جديدة عام 1947 . تحمل الخرائط توقيع المهندس المعماري فاروقي 9 . أما البيت 4 فمُلْكٌ لداود السكسك منذ عام 1933 على ما يبدو. وقد تحدّثنا إلى عمر سكسك من سكان حي العجمي في يافا فأخبرنا بأن عائلة داود السكسك تقيم حاليًّا في الأردن. 

إذا تقدّمنا في الشارع نحو نقطة الالتقاء الشمالية الشرقية لشارعَي روزنبلاط وحَسِيدِي أُومُوت) الذي كان يدعى في الماضي شارع رقم 224 (، نجد البيت رقم 9. تشير وثيقة تعود لعام 1936 إلى أن البناية كانت مُلكًا لمحمود العزوني، وهو ما تؤكّده سندات صادرة عن لجنة البناء التابعة لبلدية يافا عامَي 1936 و- 1937.

يكشف لنا سندٌ صادرٌ في 20 كانون الثاني 1936 يمنح محمود العزوني رخصة للبناء معلوماتٍ كثيرة. منها، على سبيل المثال، بأن الشارع تابع لحي النزهة، وأن الأرض التي بُنِي البيت عليها تدعى قسيمة الشيخ شعبان، أما الشارع المسمّى اليوم حَسِيدِي أُومُوت فقد حمل في تلك الفترة اسم طريق سكنة درويش، وذلك لأن الطريق كانت تمتدّ من حي سكنة درويش جنوبًا إلى قلب المدينة.

خطط البناية المهندس إبراهيم النبواني، وكانت معدَّة للسكن وبلغت مساحة قطعة أرضها 536 مترا مربعا، فيما تبلغ مساحة المبنى الجديد 183.13 مترا مربعا. وفقًا لخريطة التقسيم الانتدابي يقع البيت على القسيمة 12 / 34 من الحوض 46. لم نعثر على أي سِجِلّ عن البيت رقم 11.

أما البيت رقم 13 ، الواقع تماما مقابل البيوت التي نتناولها هنا، فبُني عام 1932 على يد هاشم أبو عمارة. الصورة الكاملة في محصّلة الأمر غير متكاملة وتنقصها بعض الأجزاء. شهادات لسكان فلسطينيين ترعرعوا في يافا وبقوا فيها بالرغم من التشريد والنكبة: الحديث مع وائل قبطان يوسّع الرؤية بعض الشيء ويسبر نظرنا إلى طبقة أعمق في التاريخ. منشأ عائلة قبطان يبدأ في تركيا العثمانية. يروي وائل أن السلطان في قصر توپ كاپي في اسطنبول (قبل عام 1853) أوفد عائلة قبطان سفيرةً له في المنطقة، وأرسل للهدف عينه بعثات أخرى من العائلة إلى غيرها من المناطق الخاضعة للإمبراطورية.

كان منزل عائلة قبطان حتى عام 1948 يقوم على الأرض التي أقيم عليها لاحقا النادي الرياضي مكابي يافا التابع لجمعية الرياضة البلغارية. يقول وائل إنه مع تبدّل الحكم وسيطرة الانتداب البريطاني، تركت العائلة عقاراتها، ثم اضطرت عام 1948 إلى الهروب بكامل أفرادها إلى بلدان مختلفة. تُظهِر خريطة تعود لبداية القرن العشرين أن القسيمة التي كانت تضم المنزل (تحدّها اليوم الشوارع هنريخ هِينِه ونِسْ لَچُوييم وغزّة) تخضع لأملاك الوقف.

وكانت الأرض قد أُعطيَت في الخمسينات إلى جمعية الرياضة البلغارية بعد أن قطنها بالكامل قادمون من بلغارية. لقاؤنا بإسحاق عبد الرؤوف ونجله هشام أبو عمارة شكّل منعطفًا كبيرا في كشف اللثام عن تاريخ البيوت في شارع روزنبلاط. وُلد أبو هشام عام 1932 في يافا في سكنة الدرويش، في الاتجاه الجنوبي للجادة. في 1948 تشرّدت أسرته المصغّرة بين الرملة وغزة، أما هو ففرّ إلى الأردن. بعد وضعت الحرب أوزارها حصل إسحاق على إذن بلمّ الشّمل لأنه لم يكن بالغًا بعدُ سن ال- 18 . تمكّن والده من إعادة الأسرة من الرملة إلى يافا، بل وأحضر ابنَي عمَّيه من خان يونس. تعلو الذكريات وتطفو على امتداد الحديث، فتتّضح صورة يافا الثلاثينات رويدًا رويد ا. يتذكّر أبو هشام اليوم الذي أصبح فيه الشارع يحمل اسم رئيس بلدية يافا آنذاك عبد الرؤوف البيطار، )وهو اليوم يشكّل الجزء الجنوبي من شارع شِڤْطي يسرائِل( وكيف اصطحبت العائلة كل الأطفال لمشاهدة حفل تدشين الشارع باسمه الجديد ووزّعوا عليهم الشّراب والحلوى. تلقّى إسحاق تعليمه في مدرسة تحمل اليوم اسم ڤايتسمان تقع خلف مستشفى الدجاني (اليوم – حي تْسَهَلون). يروي بأن عائلة أبو عمارة كانت تملك بيّارات في المنطقة كلها، وكانت إحدى المناطق مستودعًا لمضخّات مياه استُخدِمَت لري البيّارات، بل ومدّت بالماء حي العجمي الواقع أعلى التلّة. حين بنوا جزء الجادة الجنوبي تعرّضت أراضٍ تابعة لعائلة أبو عمارة ولغيرها من العائلات للمصادرة، حصلت بدلها على قطع تقع في مواقع مختلفة من المنطقة.

حكى لنا أبو هشام عن الشيخ شعبان الذي يقع البيت في شارع روزنبلاط 9 على أراضيه. يقول بأن الشيخ اشترى في سنوات الكفاح الفلسطيني الصعبة ضد البريطانيين (1936 - 1939) بساتين تركها أصحابها وكان يسقيها. يسترجع أبو هشام المحطات التي يعرفها حول شارع روزنبلاط، فيحاول موضعة منزل صديقه عيسى أبو عمارة، والد سعيد أبو عمارة الذي شغل لفترة ما منصب سفير فلسطين في موسكو وعمّان، ويشغل اليوم منصب وزير في حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، ويحاول الاستهداء إلى المكان الذي وقف عليه منزل شقيق عيسى، إبراهيم أبو عمارة، وكلاهما ابنا عمّ والده. مع تقدّم الحديث نكتشف أن أبا هشام يتكلّم عن القسيمة التي نسعى لجمع المعلومات عنها. يبدو أن منزلَي عيسى وإبراهيم كانا قائمَين على كامل القطعة التي تقوم عليها اليوم البيوت 10 - 14 في شارع
روزنبلاط.

يستذكر أبو هشام كيف سار مع سعيد أبو عمارة في الشارع للبحث عن بيته، وكيف خرج إليهما الجار خليلي إسماعيل، قدّم لهما الشراب ودعاهما إلى بيته. إنه يذكر شجرة التوت التي كانت في آخر الشارع. يقول إن بيت عيسى كان ما زال هناك قبل بضع عشرات السنين، لكنه حين مرّ بالمكان مع سعيد قبل بضعة أعوام باحثًا عن البيت لم يجداه.

البيوت بعد 1948

أُولَت كل البيوت في الشارع بعد 1948 إلى "القيّم العامّ" الإسرائيلي وأُعلن عنها أملاكَ غائبين. لم يبقَ في الشارع أحد من سكان المكان الأصليين. عائلة أبو عمارة التي سكنت في هذا الشارع انتهى بها المطاف حاليًّا في الأردن مع كل أفرادها. تسكن الشارع في الوقت الحالي عائلات فلسطينية ويهودية، بعضها مالِكٌ وبعضها الآخر يستأجر من شركة عميدار. ومِن ضمن هؤلاء مَن يقيم هناك منذ الخمسينات.

المنازل التي أنشئت في الأصل على قطعة الأرض هذه لم تعُد هناك، فقد جرى هدمها بالكامل تقريبا، وأُنشئَت مكانها أربعة منازل صغيرة كلٌّ منها ذو طابق واحد. التقسيم الداخلي للبيوت يشهد على أنها كانت في وقت ما جزءًا من منزل واحد كبير، أقلُّها البيوت 10 – 12 - 14 . السّور الحجري المقام على أرض البيت رقم 12 يشهد بدوره على حكاية من الماضي. من الواضح أنه بناء قديم، ولعله تاخَمَ الفِناء الداخلية التي ميّزت البناء هناك في تلك الحقبة. ثمّة مفتاح مغروس في داخله. هل كان هذا مفتاح المالكين الأصليين؟

 




لتحميل الملف