اليوم، 15/5/2004، تحلّ الذكرى السادسة والخمسون للمأساة التي وقعت عام 1948. هذه هي السنة الثانية التي تقوم بها جمعية ذاكرات بإحياء هذا اليوم في مدينة تل أبيب يافا من أجل تذكير سكانها بتهجير معظم الفلسطينيين من بلادهم، وسط تدمير معظم بلداتهم، وجرائم حرب أخرى. كانت النكبة هي الحدث الذي حدّد "طابع العلاقات" بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المكان، ومنذ ذلك الحين تتواصل عمليات الطرد، المجازر، هدم البيوت والتمييز ضد مواطني الدولة العرب. ولكن يبدو أن النتيجة الأخطر للنكبة هي تحويل معظم الفلسطينيين إلى لاجئين، خمسة ملايين من بين ثمانية ملايين – تعداد الشعب الفلسطيني. اللاجئات الفلسطينيات لا يتوقّف حنينهنّ ومطلبهنّ بالاعتراف بحقّهنّ في العودة إلى بيوتهنّ وأرضهنّ. عودة اللاجئات الفلسطينيات هي المشكلة الأساسية في الصراع العنيف الذي نعيشه، ولذلك فإنّ الموافقة التامة على حقّ العودة هي شرط أساس لكلّ اتفاقية سلام وعملية مصالحة بين الشعبين.

اليوم سنسير في مسيرة العودة الأولى في تل أبيب يافا من المكان الذي كانت فيه قرية الجمّاسين الغربي وحتى قرية صوميل. اتجاه المسيرة لم يأت من باب الصدفة. إذا كان الفلسطينيون قد هُجروا عام 1948 من صوميل الى الجماسين، من الغرب إلى الشرق، فنحن نسعى اليوم إلى الإشارة عبر اتجاه المسيرة إلى اتجاه عودة اللاجئين، إلى داخل البلاد، إلى مناطق فلسطين 1948. في هذه المناسبة نتوجّه، أيضًا، إلى بلدية تل أبيب لإطلاق اسم القرى الفلسطينية التي كانت فيها على شوارع المدينة، وهي ستّة قرى (الجماسين، صوميل، أبو كبير، الشيخ مونّس، جريشة وسلمة). ستكون هذه إيماءة رمزية للرغبة في المصالحة مع سكان البلاد الفلسطينيين الذين انهار عالمهم عام 1948. سنمرّ في المسيرة في شوارع المدينة التي تحمل أسماء – نمير، بنكس، فايتسمان وجابوتنسكي – رجال بيض، من قيادة الصهيونية التاريخية. سنذكر بنشاطهم في خدمة الصهيونية ومساهمتهم في مأساة 1948.

جمّاسين الغربي

الجمّاسين هما بلدتان كانتا على ضفّتي وادي العوجا (يُسمّى اليوم "اليركون") وقد عاش فيهما بشكل ثابت قبائل بدوية منذ مئات السنين. المنطقة التي كانت في السابق تعجّ بالمستنقعات كانت ملائمة لتربية ماشية الجاموس. ولذلك سمّيت القريتان "جمّاسين". سمّيت البلدة القريبة من البحر (نحو 2.5 كم) الجماسين الغربي، وتلك الأبعد (نحو 5 كم) الجماسين الشرقي. كانت جماسين الغربي قريبة من ملتقى وادي العوجا بشارع يافا – ملبس (بيتح تكفا). بين الشهادات على وجود القرية في القرن الـ 16، وجودها في سجلات الضريبة لدى السلطة العثمانية في نهاية ذلك القرن. وفقًا لتلك السجلات تنتمي القبيلة إلى ناحية بني صعب، وهم بدو أصلهم من غور الأردن، وقد دفعوا الضريبة للجماسين. هناك شهادات من القرن الـ 18 تدل على بلدة ثابتة لمسلمين في المنطقة. كما ذُكر، كان مصدر معيشة أبناء القبيلة الأساسي هو تربية الجواميس، تسويق حليبها ولحومها وبيعها كدواب حمل في منطقة يافا. حتى عشرينيات القرن السابق، عاش السكان البدو في خيم. مع توسع الاستيطان اليهودي وتقلص مساحات المستنقعات والمراعي، تحوّل البدو إلى مزارعين وعمّال حيث أقاموا أكواخًا من الطوب الطينيّ وعرائش خشبية. زرعوا نحو 200 دونم من بيّارات الحمضيات، 150 دونمًا من شجر الموز و173 دونمًا من الحبوب. عمل قسم من السكان كعمال في بساتين المستوطنة الألمانية شارونا (اليوم، كرياه). وفقًا لسجلّ السكان عام 1922، كان في الجماسين الغربي 200 نسمة وارتفع عددهم حتى 1944 إلى 1000 نسمة. تعلّم أطفال البلدة في مدرسة الشيخ مُونّس.

في حرب 1948 واجه السكان مشكلتين: صدامات مع سارقين يهود من تل أبيب واستيعاب قرية صوميل التي هرب سكانها منها في أواخر كانون الأول 1947. وأجبر ضغط "الهغاناه" المتزايد على جماسين على الهرب في 17 آذار والانتقال إلى الشيخ مونس.

مردخاي نمير 1897-1975

 من ضبّاط الهغاناه في تل أبيب. في الثلاثينيات تم اعتقاله وسُجن في معسكر مزرع على أثر مظاهرة ضد الكتاب الأبيض. كان في الحرب العالمية الثانية رئيس مكتب التجنيد للجيش البريطاني، وهذا ما يؤكّد التعاون الصهيوني-البريطاني الذي تسبّب في النكبة.

منذ عام 1947 وحتى إقامة الجيش الإسرائيلي كان نمير عضو القيادة القطرية للهغاناه. من العام 1948 وحتى 1951 عمل في وظائف دبلوماسية في الكتلة الشرقية. وهكذا عرض مشكلة اللاجئين أمام وزير خارجية الاتحاد السوفييتي فيشنسكي ونائبه زورين: "لم نطرد اللاجئين العرب. هناك 300-350 ألف عربي خضعوا لدعاية المفتي وهربوا دون ضغط من جهتنا، وهذا ما يشهد على ضعف علاقتهم بأرض البلاد. اليوم لا تريد الدول العربية تحمّل نتيجة سياستهم ورغبتهم بإعادتهم وسط أيام الحرب والهدنة. إنّ تضخيم مسألة اللاجئين، بجهود بريطانيا أساسًا، لا يعود لسبب إنسانيّ، لأن قدرة الزعماء العرب على المساعدة كبيرة، لو أرادوا ذلك؛ الهدف هو سياسيّ وعسكريّ. اللاجئون ليسوا سوى وسيلة تنفيذ، طابور خامس. وعمومًا – حتى من دون اعتبارات عسكرية – بما أنه حدث وغادر العرب ونشأت في دولة إسرائيل مجموعة سكانية متجانسة أكثر، فهل يوجد مبرّر أصلا لتوطينهم في نطاق دولتنا والتسبّب بشكل مصطنع بمشكلة معقّدة؟ فها هم أخيرا يعيشون في نطاق دول عربية ولديهم مساحات أرض ضخمة خالية من السكان. الأكثر منطقية هو أن يستقرّوا هناك بشكل ثابت، وإذا ساد سلام بيننا، فسنكون مستعدّين لمساعدتهم بالمفهوم التقنيّ، العلميّ وغيرها. في ضوء تجارب نقل السكان بعد حربين عالميتين، يجب عدم استبعاد هذا لدينا، أيضًا".

منذ العام 1959 كان مردخاي نمير رئيس البلدية الخامس لتل أبيب-يافا. خلال فترة ولايته حاول أن يطرد بالقوّة سكان بيوت قرية صوميل العربية لكن معارضتهم الحازمة حالت دون ذلك. تم تصوير الإخلاء العنيف الذي جرى بتاريخ 12.9.62 ضمن يوميّات سينمائية منعت الرقابة عرضه، ثمّ عادت المحكمة العليا وسمحت بعرضه. كان الشعار الشائع في تل أبيب يومها: في عهد لفانون عفّن اليركون وفي عهد نمير عفّنت المدينة كلّها...

دفيد تسفي بنكس (1895-1952)

محترف سياسي من تل أبيب في الحزب الصهيوني الديني "همزراحي"، السابق للمفدال. في الثلاثينيات دعم زعيم "همزراحي"، الراب فيشمان، القيام بترانسفير للفلسطينيين إلى العراق وعارض مقترحات التقسيم. شغل بنكس وظائف رسمية كثيرة. كان من المبادرين للمفاوضات بين الإيتسل والهغاناه على التعاون في احتلال مدينة يافا في نهاية شهر نيسان 1948. تمّ في بيت فيشمان وبوساطته التخطيط لاحتلال يافا، عبر لقاءات بين بيغن ولنداو، ضابطا الإيتسل، وبين يغآل يدين وغليلي ضابطا الهغاناه. منذ آب 1948 وحتى شباط  1949 كان رئيس لجنة الأمن في مجلس الشعب ومن بعده مجلس الدولة المؤقّت، التي تحوّلت بعد الانتخابات للكنيست إلى لجنة الخارجية والأمن. اشتمل نشاط اللجنة على مسائل مختلفة مثل تفكيك قيادة البلماح، الدعاية الانتخابية، الانتخابات في الجيش الإسرائيلي وميزانية الحرب.  بعد الانتخابات للكنيست الثانية عام 1952 عُيّن فيشمان وزيرًا للمواصلات. من خلال صلاحيّاته في تزويد وتوزيع الوقود، حاول تقليص المواصلات أيام السبت. على أثر ذلك، ألقى علمانيون غاضبون قنبلة على مدخل بيته، ما تسبّب له بنوبة قلبية قبل أن يتوفّى بعدها بشهور. تجدر الإشارة إلى أنّ زعيم حزب بنكس، موشيه شبيرا، وزير الاستيعاب والصحّة في الحكومة المؤقّتة، هاجم ممارسات الفظائع والمجازر التي نفّذها جنود الجيش الإسرائيلي ضد عرب الجليل خلال عملية حيرم في تشرين الأول 1948، ما اضطرّ بن غوريون إلى تعيين لجنة تحقيق في "ممارسات الجيش في المناطق المحتلة"، بلغة كتاب التعيين.

بما أنّ بنكس كان ضالعًا في احتلال مدينة يافا، فقد اخترتُ ناشطة من يافا كشخصية يجدر إعادة إطلاق اسمها على الشارع. علمتُ من سامي أبو شحادة أمورًا فاجأتني جدًّا. اسم الناشطة: عدلة عابر. كانت إحدى قائدات حركة النساء العربيات الفلسطينيات، حركة نسوية نشطت في الثلاثينيات والأربعينيات. قبل تمأسسها، كان يتمحور نشاط الحركة في العشرينيات في التطوّع والرعاية، مثل الاهتمام باليتامى وتوزيع طعام على الفقراء. منذ العام 1929 تمأسست الحركة واحتفلت بذلك في "المؤتمر الأول للنساء العربيات الفلسطينيات" الذي عقد في القدس بمشاركة 200 امرأة. منذ تمأسسها حملت الحركة طابعًا سياسيا وكان لها حضور سياسيّ هام. شاركت النساء في، وبادرت إلى مظاهرات، دعمن المعتقلين السياسيين وساهمن في خطاب نسويّ داخل المجتمع الفلسطيني. كانت الأهداف التي وضعنها نصب أعينهنّ: تحسين وضع النساء العربيات الفلسطينيات اجتماعيًّا واقتصاديًّا، تحسين تعليم النساء الشابات، زيادة احترام النساء، تحسين وضع البلاد من ناحية اقتصادية، اجتماعية وسياسية. حين وقع القصف البريطاني على يافا عام 1937، اخذت ناشطات الحركة على عاتقهنّ كتابة تقرير مفصّل حول الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تسبّب بها القصف. يبدو أنّ الحركة أقلقت راحة البريطانيين. هناك تقارير للبريطانيين من الثلاثينيات تشتمل على ادّعاءات ضد نشاط الحركة.

حاييم فايتسمان     1874  -  1952

عالم كيمياء وناشط صهيوني. في مطلع القرن كان محاضرًا في البيو-كيمياء في جامعة مانشستر.

أدار في الحرب العالمية الأولى مختبرات البحرية البريطانية وطوّر موادّ قتالية (قطن مشتعل). هذه العلاقات السابقة مع البريطانيين ساعدته على التواسط من أجل الحركة الصهيونية لدى قادة بريطانيا، رئيس الحكومة لويد جورج، وزير الخارجية جيمس بلفور، وزير الداخلية صموئيل، إضافة إلى سياسيين كبار آخرين. عمل بنجاح كي تسمح بريطانيا بإقامة بيت قوميّ لليهود في أرض إسرائيل بعد أن يهزم البريطانيون الأتراك. كان الاعتبار البريطانيّ هو توطين يهود مخلصين لبريطانيا في مفترق إستراتيجي في الطريق إلى الهند؟

في كانون الثاني، بعد لقاء في شرق الأردن، وقّع فايتسمان مع الأمير فيصل، من قادة الثورة العربية وحاكم سوريا المنتظر، اتفاقية على التعاون العربي الصهيوني في تطوير الدولة العربية وأرض إسرائيل.

أيّد فايتسمان القيام بترانسفير للفلسطينيين: وقال في آذار 1930 لنائب وزير المستعمرات البريطاني إن "فكرة الترانسفير هي تجربة تاريخية جريئة للتعامل مع مشكلة جرى حتى اليوم التعامل معها بالعواطف. عدد من عرب فلسطين قد يتسرّبون إلى الدول المجاورة، وهذا التبادل السكاني يمكن رعايته وتشجيعه". واقترح قايتسمان إقامة "شركة تطوير" لشراء أراض في شرق الأردن يكون بالإمكان اعادة توطين العرب الفلسطينيين عليها.

تلقّى تقريرًا من وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شاريت عن طرد الفلسطينيين. كان ردّه على ذلك: "إذا انصاع العرب لأمر الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، سيخلي اليهود يافا وعكا". مطلع عام 1949 أدّى القَسَم ليصبح رئيس دولة إسرائيل. كان من المبادرين إلى البرنامج النووي الإسرائيلي وساعد أبو القنبلة الإسرائيلية بروفيسور أرنست دفيد برغمان.

15/5/1948، بن غوريون يقرأ وثيقة غير الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل

 السيّدات والسادة، بودّي أوّلا الاعتذار أمامكم على أنكم اجتمعتم سدى أمس، 14 أيار 1948، وفقًا لدعوتنا لحضور هذا الاجتماع. أمس، في اللحظة الأخيرة، قرّرت عدم قراءة الوثيقة التي تمّ تأليفها، والتي كان يمكن أن تشكل برأينا أساسا لمحاولة السيطرة العنيفة من قبل التجمّع اليهودي على المساحة التي يعيش فيها أكثر من مليون فلسطينيّ على مرّ مئات وآلاف السنين. عنوان الوثيقة التي سحبناها "إعلان عن إقامة دولة إسرائيل"، تجسّد التهديد بخطر استمرار العنف وازدياده، ولربّما حتى بطرد بشر من بلادهم واحتلال مناطق إضافية مستقبلا. 

في فلسطين – أرض اسرائيل، عاش الشعب العربي الفلسطيني، فيها تبلورت هويّته الوطنية، السياسية والروحية. وفيها أبدع موروثًا ثقافيًّا وطنيًّا، عربيًّا وإنسانيًّا.

يعيش اليهود في مناطق مختلفة من العالم، وطوّروا فيها ثقافات غنية مرتبطة بمحيطهم. نحن نأمل من كل قلبنا أن نتمكّن في فلسطين أيضًا من تطوير ثقافة متميّزة تقيم حوارًا دائمًا مع المحيط ومع الشعب العربي الفلسطيني الذي يعيش هنا. لقد أنتج اليهود في الشتات لغات متميّزة، أدبًا، مسرحًا وفكرًا، هي مفخرة في الإبداع وحظيت باعتراف عالميّ بإنجازاتها. نحن نامل أن يتمكّن اليهود في فلسطين أيضًا من تطوير ثقافة متميّزة تقيم حوارًا دائمًا مع المحيط ومع الشعب العربي الفلسطيني الذي يعيش هنا. 

على أثر اللاسامية المتفاقمة في أوروبا وصعود الفكرة القومية، اختارت أقلية من يهود أوروبا الانفصال وخلق حركة قومية يهودية منفصلة هدفها إقامة بيت قومي لليهود في فلسطين. إنّ الهجرة اليهودية إلى فلسطين كانت مدعومة من الأمبراطورية البريطانية، التي سعت إلى نقل ثقافتها وتأثيرها إلى الحيّز العربي. هذا الدعم وجد له التعبير الأوضح في إعلان بلفور في الثاني من تشرين الثاني 1917.

في الكارثة التي ألمّت بشعوب أوروبا تمّت إبادة غالبية اليهود الذين عاشوا فيها، وأثبت ذلك مجدّدًا ضرورة النضال ضد جميع أشكال التعصّب القومجيّ ورفض الآخر. أبوابنا ستكون مشرّعة أمام جميع اليهود الذين لم يجدوا حتى اليوم ملجأ من فظاعة الكارثة، وسنساعدهم قدر الإمكان على العيش في فلسطين أو في كل مكان آخر. إنّ استيعاب اليهود في فلسطين لن يكون على حساب سكان البلاد العرب الفلسطينيين. العنف الرهيب بين العرب واليهود في فلسطين أدّى إلى سقوط العديد من الضحايا، وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم. قبل شهر ونصف الشهر ارتكب اليهود مجزرة إجرامية ضد سكان قرية دير ياسين، وقتلوا 93 رجلاً وامرأة. هذه المجزرة أدّت إلى فرار الكثير من الفلسطينيين من بيوتهم. اليوم التقيتُ المهجّرين من قرية مسكة، الذين يحضرون معنا بناءً على دعوتي. الجولة في قريتهم، التي طردوا منها قبل نحو شهر ولا تزال خاوية منذ ذلك الحين، تسبّبت لي بصدمة عميقة. قوّاتنا المسلّحة احتلت اليوم قرية أم الزينات وطردوا سكّانها. أنا أدعو من هنا إلى عودة جميع اللاجئين إلى قراهم التي تمّ تهجيرهم منها. القوّات المسلحة اليهودية ستنسحب من القرى المحتلة وستساعد على إعادة تأهيل القرى التي تضرّرت في الحرب. سنعوّض كلّ إنسان تضرّر جسديًّا أو في ممتلكاته.

 في 29 تشرين الثاني 1947 اتّخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارًا يلزم بإقامة دولتين في فلسطين، ضمن وحدة اقتصادية وتدويل القدس. مخطّط التقسيم أعطى صلاحية قانونية دولية لوجود المجموع اليهودي في فلسطين، وهذه حقيقة تعزّز من توجّهنا للاندماج في هذا الكيان السياسيّ.

نحن نقرّ بأنّه ابتداء من لحظة انتهاء الانتداب، هذه الليلة، 15 أيار 1948، وحتى إقامة السلطات المنتخبة والمنتظمة التابعة للدولة، سيعمل "مجلس الشعب" كممثل أساسيّ للجمهور اليهودي الراغب في التفاوض مع الفلسطينيين العرب ومع جهات فوق قومية تعيش في البلاد لأجل إقامة كيان سياديّ في إطار قرار الأمم المتحدة المذكور. مع انتهاء الانتداب البريطانيّ تنشأ فرصة لخلق حياة مشتركة لعرب ويهود في فلسطين، من غير التزام بالخضوع لإملاءات الدول العظمى. الدولة التي ستقوم ستشكّل ملجأ لليهود والفلسطينيين الذين يتعرّضون لضائقة في العالم وللاجئين الملاحقين مهما كانوا؛ ستعمل على تطوير البلاد لصالح جميع سكّانها؛ ستكون قائمة على أسس الحرية، العدل والسلام؛ تسري مساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها دون فرق في الدين، العرق، الجنس والقومية؛ تكفل حرية الدين، الضمير، اللغة، التعليم والثقافة؛ تحافظ على الأماكن المقدّسة لجميع الديانات؛ وتكون مخلصة لمبادئ وثيقة الأمم المتحدة.

تأكيدًا، نوقّع خطيًّا على هذه الوثيقة في مدينة تل أبيب، اليوم 15 أيار 1948.

زئيف جابوتنسكي 1880-1940

من مؤسّسي حركة بيتار. في نيسان 1920 حكمت عليه محكمة عسكرية بريطانية بالسجن لمدة 15 عامًا لقيامه بدور فاعل في الصدامات بين يهود وعرب في القدس. بعد شهرين تلقّى عفوًا، كجزء من صفقة عفو شاملة تم فيها أيضًا إطلاق سراح الحاج أمين الحسيني وعارف العارف. كان العفو محاولة من قبل البريطانيين لفتح صفحة جديدة مع رعايا الانتداب في فلسطين. تم تفكيك الوحدات العسكرية التي بادر جابوتنسكي إلى إقامتها، لأنّها كانت مسؤولة عن الصدامات في منطقة تل أبيب. رأى جابوتنسكي أنّ هدف الصهيونية هو إقامة دولة يهودية على جانبي الأردنّ.  ولذلك عارض قرار تقسيم البلاد. وجهات نظره التي عبّر عنها في مقالاته أدّت إلى توتّر كبير بين اليهود والعرب في الثلاثينات. منذ عام 1930 منعت سلطات الانتداب دخوله إلى البلاد بسبب التحريض في مقالاته، والتي طالب فيها بتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدّسة في القدس ودعا إلى التظاهر في حائط البراق تحت شعار "الحائط لنا". كانت النتيجة صدامات دموية عام 1929. رأى خصومه الصهيونيون الاشتراكيون ديماغوغيًا عديم المسؤولية ذا نزعات عسكرية وفاشية، وعزّزت لقاءاته مع موسوليني ومع قادة فاشيين آخرين من صورته هذه. بعد أن هبط حزبه إلى مكانة حزب أقليّة انسحب من الحركة الصهيونية وأقام منظّمة صهيونية جديدة.

خلال الثورة الفلسطينية 1936-1938 عارض أسلوب ضبط النفس الذي تبنّته الوكالة اليهودية، أي الامتناع عن هجمات إرهابية موجّهة ضد مواطنين عرب. وبإيحاء من جابوتنسكي، نفّذ الإيتسل عمليات إرهابية ضد وسائل مواصلات، بلدات وأحياء عربية. نتيجة لذلك قتل عشرات المواطنين العرب. كان الإرهابي اليهودي شلومو بن يوسيف عضوًا في بيتار وفي الإيتسل ونشط وفقًا لأيديولوجيا جابوتنسكي، زعيمه. حكم البريطانيون عليه بالإعدام بعد إدانته بمهاجمة باص عربي قرب الجاعونة. توفّي جابوتنسكي عام 1940. حين جدّد الإيتسل نشاطه عام 1944 منع قائده مناحيم بيغن الاعتداء على مواطنين عرب.
مقالة جابوتنسكي "الجدار الحديدي"، 1923، تجسّد أكثر أشكال الفكر الصهيونيّ العنيف والاستعماريّ الذي لا يرى أيّة إمكانية لحلّ يقوم على الاعتراف بالفلسطينيين أبناء البلاد. في ما يلي نورد اقتباسًا قصيرًا من المقال:

"توجّهي نحو العرب مثل توجّهي نحو أيّ شعب: انضباط مؤدّب. من ناحية سياسية يتحدّد توجّهي بناءً على مبدأين، الأوّل، إن طرد العرب من أرض إسرائيل بأي شكل يعتبر بنظري مستحيلاً بالتأكيد؛ في أرض إسرائيل سيكون هناك دائمًا شعبان. لا يمكن أبدًا قبول موافقة عرب أرض إسرائيل المسبقة على تحويل أرض إسرائيل من بلاد عربية إلى بلاد ذات أغلبية يهودية. 

لا يمكننا أن نعرض على عرب أرض إسرائيل أيّ تعويض مقابل أرض إسرائيل. لا يمكن تصوّر اتفاق بإرادتهم.. استيطاننا يجب أن يتطوّر تحت رعاية قوّة دفاعية فقط، غير متعلّقة بالسكان المحليين – جدار حديدي، لا يكون بمقدور السكان المحليين اختراقه. طالما أنّه يوجد لدى العرب بصيص من الأمل في التخلّص منا، فلن يتنازلوا عن أملهم،  ولهذا السبب بالذات، يجب عدم النظر إليهم كرعاع، بل كشعب، حتى لو كان شعبًا متخلفًا، لكنه شعب حيّ. الشعب الحيّ يوافق على تنازلات في مسائل هائلة ومصيرية كهذه فقط حين لا يظلّ لديه أمل..

صوميل (المسعودية)

كانت قرية المسعودية تقع في مركز السهل الساحلي على بعد  1.5 كيلومتر شرق البحر، وحوالي 1.5 كيلومتر جنوبي وادي العوجا (اليركون). تعرف القرية أيضًا باسمها القديم صوميل. اسم المسعودية أطلق عليها مطلع القرن العشرين، لربما لغرض تمييزها عن قرية أخرى اسمها صوميل في لواء الخليل. في سبعينيات القرن التاسع عشر، وُصفت صوميل كبلدة عادية فيها بئر عميقة ومغارة. كانت القرية مؤلّفة من مجموعات بيوت لصيقة بشكل طوليّ فيما يشبه شارعًا من الشمال إلى الجنوب (اليوم إبن غفيرول بين جابوتنسكي وشلومو هميلخ). كان معظم سكّانها مسلمين وفي العام 1945 كان فيها 20 مسيحيًّا ووفقًا لشهادة أهاليها عاش فيها يهود أيضًا، وفي العام 1931 أقيمت فيها مدرسة ابتدائية. في أواسط الأربعينيّات تعلّم فيها 31 طالبًا. مطلع حرب 1948 تمّ إحراق أثاث المدرسة. كان في القرية مسجد أقيم على أنقاض مبنى قديم، يبدو أنّه كنيسة.

عام 1931 كان في القرية 658 مواطنًا سكنوا في 127 بيتًا.

كان مصدر معيشة أهالي القرية الأساس هو بيّارات البرتقال، الزراعة وتربية الماشية والدواجن. عدد قليل من السكّان عمل في التجارة والحرف وفي المساعدة في المنازل. في العام 1938 كانت للقرية بيّارات تمتدّ على مساحة 275 دونمًا. منذ عام 1943 كانت القرية تابعةً من حيث السلطة البلديّة إلى مدينة تل أبيب.

بدأت مغادرة واسعة للسكّان عام 1946 بتأثير ضغط مدينة تل أبيب الآخذة بالاتساع. مع اندلاع المعارك طلب سكّان القرية الامتناع عن المشاركة فيها وتمّ إرسال جنود غير نظاميين من يافا إليهم لحمايتهم من السلب والنهب. في أواخر كانون الأوّل 1947 سيطرت قوّات الهغاناه على القرية وهرب السكان إلى قرية جماسين الغربي.

بعد حرب 48 تمّ استخدام القرية كحلّ لضائقة السكن لدى سكان تل أبيب ممّن هدمت بيوتهم أو احترقت في الحرب، وكذلك لمهاجرين من العراق. وبفعل وجود القرية في منطقة ذات قيمة عقارية عالية، حاولت البلدية ومقاولو بناء إخلاء السكان مقابل تعويضات منخفضة ودار بديلة صغيرة ونائية. كانت ذروة النضال عام 1962 حين انقضّ عشرات عناصر الشرطة على السكّان محاولين إخلاءهم بالقوّة. لكن دون جدوى. إيفلين، من سكان القرية، حدّثتنا عن النضال القانوني الطويل والباهظ الثمن الذي خاضته من أجل البقاء في المكان. تحدّثت عن لاجئي صوميل الذين لا يزالون يأتون بين حين وآخر لزيارة قريتهم. 



Tel Aviv March of Return 2004 (8)



Tel Aviv March of Return 2004 (5)



Tel Aviv March of Return 2004 (4)



Tel Aviv March of Return 2004 (10)



Tel Aviv March of Return 2004 (2)



Tel Aviv March of Return 2004 (1)