تأسست "ذاكرات" من قبل مجموعة صغيرة من الناشطين الإسرائيليين اليهود سنة 2002، لغرض الاعتراف بالنكبة وبحق الفلسطينيين في العودة، في أوساط المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب تحمل الإسرائيليين المسؤولية عن النكبة: عن تهجير ونهب الشعب الفلسطيني.
في الأيام التي تلت اندلاع الانتفاضة الثانية وانهيار مسيرة أوسلو، في الوقت الذي فقد فيه المجتمع الفلسطيني داخل دولة إسرائيل، أيضا، الثقة بالعمليات السياسية، وفي الوقت الذي أعلن فيه إسرائيليون كثر بأنّه "لا يوجد شريك"، أدرك مؤسسو ومؤسسات ذاكرات بأن رفض المجتمع الإسرائيلي التعلم عن النكبة، وتجاهل حقوق اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين، هو ما أدى إلى طريق مسدودة في عملية غاب فيها، منذ بداياتها، حسن النية، كما غابت فيها الصراحة والاعتراف بالتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.
إن النكبة، التي تعني بالعربية "الكارثة الكبرى"، هي اسم الأحداث الدامية التي بدأت بعد المصادقة على مخطط تقسيم فلسطين سنة 1947 وأدّت إلى اقتلاع نحو 750،000 فلسطينية وفلسطيني، أي نحو 85% من السكان العرب الذين كانوا يعيشون على الأراضي التي أقيمت عليها دولة إسرائيل. غالبية هؤلاء المهجّرين وأحفادهم لا يزالون يعيشون كلاجئين مفتقرين للجنسية في أرجاء الشرق الأوسط، في الضفة الغربية، وفي غزة، وفي سائر أرجاء الأرض، وهم ممنوعون من العودة إلى ديارهم حتى يومنا هذا، إلى جانب الأقلية التي تبقّت من المهجّرين على الأرض التي صارت دولة إسرائيل وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، ولكنهم قد منعوا في الوقت ذاته من العودة إلى بلداتهم التي تم تدميرها، وإلى أراضيها التي صودرت لصالح البلدات اليهودية.
هؤلاء، جميعًا، لم يكونوا على الإطلاق جزءا من الخطاب الإسرائيلي. ورغم أن بقايا القرى الفلسطينية المدمرة منتشرة في أرجاء البلاد، فإن غالبية الإسرائيليات والإسرائيليين لم يعرفوا كلمة نكبة، ولم يتعلموا أبدا بشأن التفكير بالدولة التي يعيشون فيها بوصفها دولة أقيمت بواسطة جرائم الحرب، كما أنّهم بكل تأكيد، لم يتنادوا إلى تحمل المسؤولية عن هذه الجرائم. وبدلًا من ذلك، يتعلّم الإسرائيليون تصديق الأساطير الكاذبة، والمغرية، التي تتمحور حول "قلة من الناس ضد الكثيرين" و "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". لقد ولدت ذاكرات من هذا الإدراك لدى الناشطات والناشطين الذين ثقفوا أنفسهم داخل النموذج الصهيوني. بدأ هذا الاعتراف أثناء جولة في "منتزه كندا" الذي أقامه الصندوق القومي اليهودي على قرى عمواس، ويالو، وبيت نوبا، وهي القرى التي تمّ طرد سكانها سنة 1967. هنالك طرحت فكرة نصب لافتات تذكّر بالقرى التي تم مسحها من الحيّز، ومن الذاكرة الإسرائيلية، كوسيلة للكشف عن الحقيقة، وتحمل المسئولية على الطريق، وهي فكرة اتّسعت مع إقامة "ذاكرات" لتشمل مئات القرى، والمدن، والبلدات التي هدمت منذ بداية الاستيطان اليهودي في البلاد، وحتى اليوم.
كان الكشف عن الحقيقة التاريخية التي تمّ إسكاتها وإنكارها، هدفا رئيسيا لـ “ذاكرات" منذ إنشائها. ورغم الموقف الناشطيّ الخارج عن حدود الإجماع الإسرائيلي، فقد نجحت الجمعية في طرح مصطلح "نكبة" على جدول الأعمال، وفتح عيون آلاف الناس، والتسبب بإعادة التفكير بالتاريخ والحاضر في أوساط فئات كثيرة وهامة.
لكننا لا نكتفي بجعل المعلومات التاريخية والتربية لمعرفة الماضي في متناول الناس. النكبة ليست حدثا تاريخيا انقضى، بل هي سيرورة مستمرة حتى اليوم، يتمّ في إطارها نهب الشعب الفلسطيني من كامل وطنه. من المهم بالنسبة إلينا في "ذاكرات" أن نواصل الإشارة إلى الأمر، وأن نواصل أيضا الدعوة إلى تطبيق حق العودة الفلسطينية، وهو في رأينا مفتاح لتفكيك استعمار وصهينة الحيّز، ومفتاح لخلق حلّ عادل ومستدام. لقد أقيمت "ذاكرات" في السنوات التي فقد فيها الكثير، إسرائيليون، وفلسطينيون، وغيرهم، الأمل في تحقيق السلام والمصالحة في الحيّز الواقع بين البحر والنهر. أمّا موقفنا فهو معاكس: نحن مصرّات على الأمل، بوصف الأمل موقفا جذريا. إلا أنّ أملنا هذا ليس منعزلا عن الواقع، ولا عن الوقائع التاريخية، ولذا فنحن نؤكد بأنّ الطريق الذي لا حياد عنه للتوصل إلى حل، هو التمعّن بشجاعة وصراحة بجذور النزاع، وتحمل المسؤولية عن المظالم التي ارتكبت.
كانت "ذاكرات" ولا تزال، هي الجمعية الوحيدة التي تركّز على مهمّة الاعتراف بالنّكبة، ومساندة حق العودة في أوساط المجتمع الإسرائيلي. وعلى مدار السنوات، وعلى الرغم من الاعتماد بصورةٍ أساسيّةٍ على التبرعات المحدودة من الجمهور والصناديق غير الحكومية، إلا أنّ ذاكرات قد نجحت في القيام بعمل شامل في توفير المعلومات بشأن النكبة بالعبرية، وهي معلومات لم تكن متوفرة قبل ذلك. وقد شارك عشرات الآلاف، من الإسرائيليات والإسرائيليين، في جولاتنا في القرى والبلدات والمدن الفلسطينية التي تم إفراغها من سكّانها ومن ثم هدمها سنة 1948، وهكذا تعلّموا تاريخا لم يكونوا بالمطلق واعين له، هو تاريخ الحيّز الذي يعيشون فيه، كما تعلّموا أيضا البدء في التفكير بالعودة الفلسطينية، لا بوصفها تهديدا، ولكن كمفتاح للحل.
شارك آلاف آخرون في الدورات، وورشات العمل، والمجموعات الدراسية، والمؤتمرات، والمناقشات، والنشاطات التي بادرت إليها "ذاكرات".
تتضمّن قاعدة بيانات "ذاكرات" شهادات من عشرات الناجيات والناجين من النكبة، إلى جانب شهادات إسرائيليين قاتلوا سنة 1948 وتحدّثوا عن جرائم الحرب التي شاركوا في تنفيذها.
سنة 2014، أطلقت ذاكرات تطبيق iNakba للهواتف المحمولة، الذي يتيح التنقل بين البلدات الفلسطينية المهجّرة وتعلم تاريخها. وهي أداة فريدة تقوم بترسيم الخريطة غير المرئيّة للبلاد، البلاد التي تم هدمها وإخفاؤها عن الأنظار. لقد استخدم عشرات الآلاف، ولا يزالون يستخدمون، هذا التطبيق، بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين الذين يسعون للعودة لرؤية قراهم الأصلية. وقد تمّت إعادة إطلاق التطبيق مجددا سنة 2022، وهو تطبيق يعبّر عن رؤيتنا لإنهاء الاستعمار، وإنشاء حيّز من العدالة والمساواة، ودعوتنا للإسرائيليين لتحمل المسؤولية والمشاركة في العملية.
أما اليوم، فذاكرات هي جمعيّة مسجلة مع خمس عضوات طاقم، والعشرات من عضوات وأعضاء الجمعية، والمتطوعات والمتطوعين، غالبيتهم من اليهود الإسرائيليين، ولديها قاعدة مجتمعية واسعة من المشاركين في النشاطات، والمساندات والمساندين في البلاد وأرجاء العالم.
تعقد ذاكرات ورشات عمل ومؤتمرات ومجموعات دراسية ونشاطات لتعميق ممارسة العودة، أي أنها لا تسعى، فحسب، إلى الاعتراف بالحق، بل وتسعى أيضا إلى التفكير في الترتيبات والإجراءات التي من شأنها أن تتيح العودة، ودعم حياة اللاجئين العائدين، وجميع ساكنات وسكّان البلاد.
ترى "ذاكرات" أن العودة هي عملية طويلة ومتعددة الأبعاد، ولا تقتصر فقط على العودة الجسدية للاجئين الراغبين بالعودة إلى البلاد، بل إنها تشمل أيضا اندماجا لائقا لهم، اندماجا كريما ومبنيا على الاحترام (dignified) داخل مجتمع فلسطيني- يهودي مشترك ومبني على المساواة. عبر هذا المفهوم المتّسع، تبدأ العودة قبل وقت طويل من عودة اللاجئين، كما أنّها تستمر وقتا طويلا أيضا بعد عودتهم.
من خلال الجولات، والأنشطة المباشرة، والحملات، والمشاركة في النقاشات في البلاد وعبر العالم، وتوفير القدرة على الوصول إلى المواد التعليمية والمعلومات وغيرها، تواصل ذاكرات كونها واحدة من المجموعات الوحيدة التي تقوم بترسيم رؤية راديكالية ومتماسكة للعدالة التي تشمل حقوق جميع المقيمين في البلاد، والعائدين إليها.