تعمل الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها بعض المناطق في العالم عى تدبير القرى واخلائها من سكانها. ولكن فلسطين تعرضت لنكبة غير طبيعية تمثلت في الغزو الصهيوني وما نتج عنه من صراع عربي – صهيوني أدى إلى تدمير مئات القرى العربية وطرد سكانها العرب منها لاحلال الصهيونيين محلهم. وليست حرب 1948* هي التي حملت وحدها كثيراً من عرب فلسطين على إخلاء قراهم وسببت تدمير معظمها وإقامة مستعمرات صهيونية على أراضيها. فلم تكن الحرب إلا حلقة من حلقات الصراع العربي – الصهيوني على فلسطين والمؤامرة التي تعرض لها شعب فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر ولا تزال تنفذ بنودها حتى اليوم. وكان صك الانتداب البريطاني على فلسطين (رَ: الانتداب على فلسطين) هو التطبيق العملي لوعد بلفور*. فقد ساهمت سلطة الانتداب بالتواطؤ مع الصهيونية في تهجير السكان العرب من قراهم التي كانت تقوم في أفضل بقاع فلسطين لتقدم على انقاضها المستعمرات الصهيونية.

أ- التوزيع الجغرافي للقرى العربية المندثرة قبل عام 1948: ارتبط توزيع القرى العربية المندثرة أثناء فترة الانتداب البريطاني بالمناطق التي تمت فيها صفقات بيع الاقطاعات الواسعة من أراضي فلسطين على يد السماسرة وكبار الاقطاعيين. وقد بيعت هذه الأراضي الخصيبة إلى مؤسسات صهيونية متخصصة في شراء الأراضي التي قام عليها الاستيطان الصهيوني في مراحله الأولى (رَ: الجمعية اليهودية للاستعمار في فلسطين) و(رَ: الكيرين كايميت) و(رَ: الكيرين هايسود). وارتبط التوزيع أيضاً بمناطق الامتيازات التي حصل عليها الصهيونيون في فلسطين من سلطة الانتداب البريطاني، وهي مناطق تتميز بخصب اراضيها كسهل الحولة* وسهل عكا* وسهل مرج ابن عامر* وسهل بيسان ووادي الحوارث*.

وقد اضطر السكان العرب في القرى الواقعة ضمن الأراضي المبيعة للصهيونيين أو الممنوحة لهم الى اخلاء قراهم تحت ضغط شديد من سلطة الانتداب فقام الصهيونيون بتدميلاها وإنشاء مستعمرتهم عليها. وتشير الأرقام إلى أن معظم القرى العربية التي تم تدميرها أثناء الانتداب تقع في فلسطين الشمالية. وقد اندثرت قرابة 60 قرية عربية في فلسطين حتى أوائل عام 1945 موزعة على الأقضية كما يلي:

ويسترعي الانتباه في هذا الجدول أن كثيراً من القرى العربية المندثرة تقع في قضاءي حيفا والناصرة لاعداد سهل مرج ابن عامر في كل منهما. وأما بقية الأقضية فانها تشتمل على أراض أميرية آلت إلى سلطة الانتداب بعد زوال الحكم العثماني (رَ: الأرض، ملكية) ثم منحها سلطة الانتداب فيما بعد للصهيونيين على شكل امتيازات في السهل الساحلي* الفلسطيني وفي سهل عكا وادي الأردن (رَ: الغور). وبموجب هذه الامتيازات تمكن الصهيونيون من طرد سكان القرى العربية التي دخلت ضمن امتيازاتهم وتدمير قراهم. وقد ساهمت عدة عوامل في انتقال ملكية الأرض إلى الصهيونيين الذين انتهزوا الفرصة وأجبروا سكان القرى العربية على إخلاء قراهم. وكان هذا الاخلاء المرحلة الأولة التي سبقت مرحلتي تدمير هذه القرى وانشاء المستعمرات الصهيونية على أنقاضها.

ب- عوامل انتقال ملكية الأرض إلى الصهيونيين:

1) فوضى الحيازة والتملك في أواخر العهد العثماني: انتشر الفساد بين موظفي السلطات العثمانية حتى صار بمقدور أصحاب النفوذ من الأفراد والأسر والهيئات نقل ملكية أية مساحة من الأراضي الحكومية التي هجرها الفلاحون مقابل مبالغ مالية بخسة بعد استرضاء المسؤولين بين موظفي الدولة. وبالإضافة إلى ذلك أنكر بعض الفلاحين الفلسطينيين ملكية ما كان بحوزتهم فعلا من الأرض خشية الالتزام بدفع الضرائب الباهظة وخوفاً من غزوات البدو وتخلصا من تحكم المرابين. وبعد أن أصدرت الحكومة قانون “الطابو” عام 1858م أصبح على كل فلاح تسجيل ما لديه من أراض والحصول على سند ملكية جديد (كوشان). وقد تقاعس كثير من الفلاحين عن تسجيل أراضيهم إما لجهلهم بحقوقهم القانونية وإما لشكهم في نوايا السلطات. بل بلغت السذاجة بسكان سارونة حدا جعلهم ينكرون ملكيتهم للأرض هرباً من دفع رسوم التسجيل. وكانت غالبية الملاكين عند التسجيل تعطي بيانات بمساحات أقل بكثير من حيازاتهم الحقيقية، مما أحدث أخطاء فاحشة في قيود الأراضي لدى دوائر التسجيل.

2) الاقطاع في فلسطين: ضمت الاقطاعات بعض القرى العربية فأصبحت مهددة بالزوال بعد أن بيعت أراضي الاقطاعات. وهكذا تحكمت فئة من الاقطاعيين في مقدرات قرى عربية بكاملها في سهل الحولة وسهل مرج ابن عامر وغيرهما من الأماكن.

ومع اشتداد تيار الهجرة الصهيونية (رَ: الصهيونية إلى فلسطين) وزيادة الطلب على الأرض وارتفاع أسعارها تورطت بعض العائلات العربية الكبيرة في عقد صفقات لبيع أراضيها للصهيونيين. وكانت هذه العائلات الاقطاعية تبيع الجمعيات الصهيونية التي تشرف على شراء الأراضي في فلسطين جزءا من أراضيها الواسعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

3) سياسة سلطات الانتداب إزاء الاستيطان الصهيوني: آلت جميع الأراضي التي كانت بحوزة الحكومة العثمانية إلى إدارة الانتداب البريطاني على فلسطين في مطلع العشرينات. وعندما عين هربرت صموئيل أول مندوب سام على فلسطين منح الصهيونيين 175 ألف دونم من أخصب أراضي الدولة قرب قيسارية* وعتليت على الساحل بين حيفا* ويافا* أتبعها بعد ذلك بدفعة ثلنية مقدارها 75 ألف دونم على البحر الميت* لإقامة مشروع شركة البوتاس الفلسطينية. وتكررت هباته السخية من الأراضي الساحلية الخصبة حتى بلغ مجموع ما منح الصهيونيين أو نقل اليهم من أراضي الدولة نحو مليون وربع من الدونمات، أي 58% من مجموع الأراضي التي كان يملكها الصهيونيين عام 1948، فأربت المساحات التي تحولت اليهم حتى قيام كيانهم على 2.1 مليون دونم.

وتجدر الإشارة إلى أن سلطة الانتداب سنت قانوناً للأراضي اشتمل على البنود التالية:

(1) يحرم على الملاكين الذين لا يسكنون فلسطين استغلال أراضيهم. وكانت هناك اقطاعات واسعة تملكها عائلات لبنانية وسورية تقيم في بيروت ودمشق. وهذه الاقطاعات التي كانت من أجود الأراضي هي استهدفها القانون.

(2) تحول الأراضي الأميرية (المشاع)، ومساحتها قرابة 12 مليون دونم، إلى أرض ملكية تخضع لتصرف حكومة الانتداب. والهدف من ذلك إتاحة المجال المتسلل الصهيوني إليها.

(3) يحق لحكومة الانتداب نزع ملكية الأرض. وبموجب هذا الحق تمكنت الصهيونية من الاستيلاء على أراض هامة بمساعدة السلطة الحاكمة التي مارست هذا الحق لتشديد الضغط على أصحاب الأرض العرب.

(4) تخضع الأرض البور غير المستغلة لما تقضيه المصلحة التي تحددها إدارة الانتداب. وقد استغل هذا النص للاستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض وإعطائها الصهيونيين بحجة أنها لم تكن تستغل (رَ: استملاك الأراضي للصالح العام) و(رَ: الاستيلاء على أرض في ساعة الطوارىء).

وذهبت سلطة الانتداب إلى أبعد من ذلك فعملت على وضع الفلاحين العرب أصحاب الأرض في ظروف سيئة بقصد إرغامهم على بيع أراضيهم. ومن الأعمال التي مارستها السلطة بهذا الصدد:

– إجبار الفلاحين العرب على دفع الضرائب المتراكمة عليهم دفعة واحدة رغم أن الانتاج الزراعي لم يكن في مستوى تحمل هذه الأعباء.

– حرمان الفلاحين العرب من مقومات الانتاج الرئيسة كترك القرى العربية بدون طرق معبدة، مما أدى إلى عزلها عن المدن وعن بعضها، وإلى تعريض الانتاج الزراعي للتلف والكساد بسبب عجز الفلاحين عن ايصال انتاجهم إلى الأسواق.

– حرمان القرى العربية من التعليم والرعاية الصحية بقصد ابقاء الفلاحين العرب. وهم غالبية السكان، وراء أسوار التخلف.

4) سياسة الاستيطان الصهيوني: أخذت الصهيونية تسعى منذ أواخر العهد العثماني وطوال فترة الانتداب البريطاني للحصول على الأراضي العربية بشتى السبل. وقد عملت بعض المؤسسات الصهيونية مثل الكيرين كايميت* (الصندوق القومي اليهودي) والكيرين هايسود* (الإدارة المالية لبناء الوطن اليهودي (والييكا (الجمعية اليهودية للاستعمار في فلسطين)* على توسيع نشاطها في حقل الاستعمار الزراعي وتملك الأراضي باتباعها مساحات شاسعة من الأراضي العربية.

وكانت أولى المشتريات الهامة للصندوق القومي اليهودي أيام الانتداب سبع قرى عربية في مرج ابن عامر. وأدت صفقات الشراء الضخمة التي عقدها الصندوق القومي اليهودي في سبيل مرج ابن عامر وغيره من الأمكنة إلى طرد الالاف من الفلاحين. وقد لاحظ السير جون هوب سمبسون* أثناء تحقيقه في أسباب الاضطرابات التي وقعت عام 1929 أن من بين 86.980 أسرة عربية ريفية في القرى كان أكثر من 25 ألف أسرة (أي 29.4%) بدون أرض (رَ: سمبسون، تقرير).

أصبحت الوكالة اليهودية* تمتلك من الأراضي في فلسطين حتى 15/5/1948 ما يلي:

جـ- مأساة القرى العربية المندثرة ابان فترة الانتداب البريطاني.تعرض أهالي بعض القرى العربية في فلسطين مأساة الطرد من قراهم ابان فترة الانتداب البريطاني. وكانت تلك المأساة مقدمة لمأساة أكبر عندما طرد معظم عرب فلسطين من قراهم اثر حرب عام 1948. وفي كلتا الحالين قام الصهيونيون بتدمير القرى العربية وإنشاء مستعمراتهم على أنقاضها أو فوق أراضيها.

وأهم المناطق التي شهدت قام بعض الأسر الاقطاعية غير الفلسطينية ببيع ممتلكاتها فيها للصهيونيين والتمهيد لطرد سكانها العرب منها: سهل مرج ابن عامر، وسهل الحولة، وسهل عكا، والجزء الشمالي من السهل الساحلي الفلسطيني.

1) سهل مرج ابن عامر: كانت أراضي سهل مرج ابن عامر وسهل بيسان في العهد العثماني ملكا للسلطان العثماني. وكان الفلاحون الفلسطينيون يستغلونها ويندفعون ما عليهم للسلطان لقاء استغلالهم الأرض. ثم منح السلطان العثماني صيارفة يقيمون في بيروت ما مساحته 230 ألف دونم من أراضي المرج مقابل خدماتهم له.

وفي عام 1869م اضطرت الحكومة العثمانية إلى بيع بعض تجار وأغنياء وبيروت معظم ممتلكاتها في سهل مرج ابن عامر. ومن القرى العربية التي بيعت في هذه الصفقة جنحار* والعفولة* وخنيفس وأم التوت وتل الشمام وتل الفر وتل العدس ومعلول* وسمونة وكفرتا وجيدا وبيت لحم وأم العمد وطبعون* وقصقص والشيخ بريك ومسحة* وساريد وجباتا والورقاني. وفي عام 1872م باعت الحكومة اقطاعيين لبنانيين قرى أخرى هي: المجدل* والحارثية والياجور والخريبة.

وقد باع هؤلاء التجار إلى الصهيونيين بين عامي 1921 و1925 أكثر من 200 ألف دونم من أراضيهم في سهل مرج ابن عامر. وكانت تلك الأراضي المبيعة تشتمل على 22 قرية عربية تقطنها 1.746 عائلة. ونتيجة للبيع اضطر أفراد العائلات العربية البالغ عددهم أكثر من 8.700 نسمة إلى ترك هذه الأراضي وهجر منازلهم متشردين في وطنهم. وكان هؤلاء قد لجأوا قبل رحيلهم من ديارهم إلى سلطة الانتداب يطلبون حمايتها. ولكنها سلطت عليهم الجيش والشرطة فأطلقوا عليهم نيران أسلحتهم حينما رفضوا مغادرة أراضيهم وتمكنوا من طردهم وتسليم الأراضي إلى الصهيونيين خالية من السكان العرب. وهكذا استولى الصهيونيون على القرى العربية فهدموها وأزالوا معالمها وأقاموا فوق أنقاضها ستا وخمسين مستعمرة صهيونية أشهرها كفار باروخونهلال وكفار دافيد وتراسلفانيا وبلوغوريا ومرحفيا وعين حارود.

وكان في سهل مرج ابن عامر قبل وقوع المأساة وترق لآلاف من السكان العرب المقيمين في المناطق الجبلية المجاورة. فكان هؤلاء السكان ينقلون إلى المرج بعد الحصاد لرعي مواشيهم فانقطع رزقهم منه بعد انتقاله إلى الصهيونيين. يضاف إلى ذلك أن قرى المرجج كانت مصدر خير وبركة للمدن العربية المجاورة كالناصرة* وجنين* وبيسان* ففقدت بزوال القرى العربية خير عملائها ومصدر ثروتها.

2) سهل الحولة: تقدر مساحة هذه المنطقة بنحو 165 ألف دونم؟ وكانت الحكومة العثمانية قد أعطت احدى الأسر اللبنانية امتيازاً ينص على استصلاح ما مساحته 55 ألف دونم من أراضي مستنقعات الحولة. وعندما عجزت هذه الأسرة من تنفيذ الامتياز باعته للصهيونيين الذي لم ينقلوه إلا بعد قيام كيانهم، أي خلال الخمسينات (رَ: الحولة، تجفيف بحيرة). وكان من نتائج تحويل الامتياز إلى الصهيونيين أن طردت العائلات العربية من قراها الواقعة ضمن منطقة الامتياز. ومن القرى العربية التي محيت من الوعود نتيجة لذلك قرى خان الدوير ومداخل والمنشية* ودفنة* وحقاب والمطلة.

من جهة ثانية باع اقطاعيون لبنانيون آخرون إلى الصهيونيين نحو 65 ألف دونم من أراضي السهل. ولم يبق من أراضي السهل لأصحابها العرب أثناء الانتداب سوى 45 ألف دونم فاغتصبها الصهيونيين في حرب 1948.

3) سهل عكا: كانت أسرتان لبنانيتان تمتلكان مساحة كبيرة من أراضي سهل عكا. وقد بيعت هذه المساحة الواسعة من أراضيهما الممتدة ما بين عكا* شمالاً وحيفا جنوباً إلى الصهيونيين. وكانت الأراضي التي تملكها احدى هاتين الأسرتين تشمل عدداً من القرى العربية المعروفة مثل نهاريا* والانشراح وحانوتا والدار البيضاء والهربج. وقد أخرج سكان هذه القرى العربية من أراضيهم تلك من تسلم البالغين أثمانها من جمعيات الأرض الصهيونية.

4) القسم الشمالي من السهل الساحلي الفلسطيني: اشتمل هذا القسم الشمالي من السهل الساحلي على مستنقعات* وكثبان رملية في مساحة صغيرة منه في حين كان معظمة أراضي خصبة صالحة للزراعة. وقد تمكن بعض الاقطاعيين من امتلاك جزء من هذه الأراضي. فحصلت أسرة لبنانية اقطاعية على ملكية وادي الحوارث منحة من السلطان العثماني مقابل خدمات قدمتها له. وامتلكت أسرة لبنانية اقطاعية أخرى ما مساحته 4 آلاف دونم في وادي القباني.

ولم يكن الاقطاعيون في وضع اقتصادي مريح فأقدم أحدهم عام 1922 على رهن حصته في أراضي وادي الحوارث، ومساحتها 5.350 دونماً عند رجل فرنسي فباع هذا الرهينة لجماعة من الصهيونيين. واتجه الصهيونيون إلى اقطاعي آخر فباع حصته من وادي الحوارث. ثم ادعى الصهيونيون أن البيع يشمل ما يخص قبيلة الحوارث العربية. ونظرت المحاكم في هذه القضية التي شغلت الرأي العام عدة سنوات وربح الصهيونيون القضية.

وهكذا اشترت جمعية الكيرين كايميت الصهيونية في 27/5/1929 أراضي وادي الحوارث البالغة مساحتها 32 ألف دونم بمبلغ 41 ألف جنيه فلسطيني.

ولم تنفذ الشرطة البريطانية الأمر الصادر بإخلاء الأرض لعدم وجود أي مكان آخر تنقل إليه المزارعين العرب الذين كانوا يعيشون في الوادي. وبالرغم من ذلك ضغط الصهيونيون على سلطة الانتداب لإخلاء الأرض فقامت عام 1933 بعملية إجلاء السكان العرب وطردت بالقوة أكثر من 15 ألف عربي من أهالي هذا السهل مع مواشيهم التي بلغ عددها 3 آلاف رأس. ولم يحجم الجنود عن اطلاق النار على العرب الذين عزت عليهم مفارقة مساكنهم وأراضيهم وفقدت قبيلة الحوارث كيانها وأصبحت مشتتة. وبالطريقة نفسها باعت الأسر الاقطاعية السورية واللبنانية ممتلكاتها في السهل الساحلي الشمالي ما بين حيفا ويافا. وباعت بعض العائلات الاقطاعية الأخرى مساحات من الأراضي الواقعة في منطقتي طولكرم* ويافا. ومن أمثلة القرى المبيعة ضمن الأرض الشونة* وشفية وزمارين وحوارة ووادي الحوارث ووادي القباني والمراح وشلاليف.

ولا بد من تسجيل بعض المواقف المشرفة لعرب فلسطين الذين عارضوا الصفقات المشبوهة لبيع الأراضي والمعقودة بين الاقطاعيين والصهيونيين. فعلى سبيل المثال كان بعض الفلاحين الميسورين يشترون الأراضي التي يصل إلى علمهم أن أصحابها من الفلاحين الفقراء أو من الاقطاعيين يزممون بيعها إلى جمعيات صهيونية. كما أن المجلس الإسلامي الأعلى* تدخل لشراء بعض الأراضي من أصحابها خشية تسربها إلى الصهيونيين. وبالرغم من ثقل المهمة وصعوبتها فقد اشتريت في بعض الأماكن قرى بأكملها كقرية دير عمرو* وقرية زيتا* التي دفع في سبيلها 54 ألف جنيه استرليني. وكانت الأرض المشاع في قرى الطيبة* وعتيل* والطيرة*. ونهض صندوق الآمة* أيضاً فاشترى بعض الأراضي من الذين أثقلهم الدين، ودخل في قضايا كثيرة حتى انتشل أراضي البطيحة وعرقل بيعها وحمى حقوق المزارعين. وفيما يلي بعض القرى العربية التي محيت من الوجود ابان الحكم البريطاني لفلسطين:

(1) أم التوت: تقع جنوب حيفا غربي جبل الكرمل* على ارتفاع 40 م عن سطح البحر. وكانت عامرة بالسكان المزارعين في العهد العثماني. وقد محيت في العهد البريطاني من الوجود ولم يعد لها أي أثر.

(2) تل الشمام: تبعد قرابة 23 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا. وكانت محطة على الخط الحديدي الحجازي بين حيفا ودرعا، وهي من قرى مرج ابن عامر يمر نهر المقطع* بجنوبها الغربي على بعد 1.25 كم، وإلى الشرق منها بئر ماء. وقد باعت الحكومة العثمانية عام 1869م أراضي القرية إلى تجار من بيروت فباعها هؤلاء إلى الصهيونيين فيما بعد. وكان عدد سكانها 72 عربياً عام 1932. وأقام الصهيونيون عام 1927 سكانها موشاف* “كفار يهوشوع” الذي زاد عدد أفراده تدريجياً حتى أصبح 655 نسمة عام 1970.

(3) تل الفر: ويدعى “كفر الفر” أيضاً، قرية عربية تقع شمالي غرب مدينة بيسان على الطرف الشمالي الغربي لسهل بيسان جنوبي نهر جالود* على انخفاض 75 م دون مستوى سطح البحر. وكان فيها في مطلع الثلاثينات من هذا القرن قرابة 100 نسمة من العرب تسربت أراضيهم إلى الصهيونيين بأساليب مختلفة أجبرتهم على أثرها سلطات الانتداب البريطاني على الرحيل فاستولى الصهيونيون على أراضيهم وبيوتهم وهدموها وأقاموا مستعمرة تل يوسف شمالي القرية المهدومة.

(4) جباتا: قرية عربية جنوب غرب مدينة الناصرة يرجح أنها تعود في شأنها إلى العهد الروماني. وقد قامت على تل يعلو 120 م عن سطح البحر على الطرف الشمالي لمرج ابن عامر. ويمر نهر المقطع على بعد 4 كم جنوبها. وكان يمر بها خط سكة حديد الحجاز بين حيفا ودرعا وخط أنابيب نفط العراق. وكان عدد سكان جباتا عام 1922:318 عربياً أخذت أراضيهم تتسرب إلى الصهيونيين بأساليب مختلفة حتى أصبحت ملكا لهم فأنشأوا عليها عام 1936 كيبوتز* “جفت” شمال غرب القرية العربية. وأما البقية الباقية من العرب فقد رحلت عنها فاندثرت القرية. وتزايد سكان الكيبوتز من 30 نسمة عام 1931 إلى 630 نسمة عام 1970.

(5) جيدا: تقع جنوبي شرقي مدينة حيفا عند الطرف الشمالي الغربي لمرج ابن عامر على ارتفاع 100م. وفيها بئران وخزانان للماء لاستعمال أهل القرية الذين بلغ عددهم 337 نسمة عام 1922. وكانت الحكومة العثمانية قد باعت عام 1869 أراضي جيدا لتجار من بيروت فقاموا ببيعها للصهيونيين. وأخليت من سكانها العرب نهائياً في عام 1945 بمساندة السلطات البريطانية. وأقام الصهيونيون على أراضي جيدا مستعمرة “رامات يشاي” منذ عام 1925. ثم أزالوا معالم القرية العربية.

(6) الحارثية: تقع جنوبي شرق حيفا، ويمر خط سكة حديد درعا – حيفا على بعد نحو كيلومتر غربها. وهي على تل يرتفع 75م عن سطح البحر في موقع استراتيجي بين سهل عكا ومرج ابن عامر. وقد باعت الحكومة العثمانية أراضي الحارثية الى بعض تجار بيروت عام 1872م ثم باعها بدورهم إلى الصهيونيين الذين أقاموا عام 1935 سكان القرية كيبوتز “شعار هاعملد قيم” الذي بلغ عدد سكانه 580 نسمة عام 1970.

(7) حانوتا: من قرى الجليل التابعة لقضاء عكا. وتبعد عن الحدود اللبنانية قرابة كيلومتر واحد وعن رأس الناقورة* 5 كم وتقع على ارتفاع 340م عن سطح البحر، ومساحة أراضيها 3.991 دونماً. وكان عدد سكانها من العرب 62 نسمة عام 1928. وقد تم ابتلاع أراضي القرية والقرية نفسها بعد تأسيس كيبوتز “حنيتاه” قرب القرية العربية عام 1938، إذ أخذ يتسع وتزداد مساحة أراضيه على حساب أراضي حانوتا حتى حل الكيبوتز محل القرية العربية التي أزيلت من الوجود وغادرها سكانها العرب ليحل محلهم مهاجرون صهيونيون من أواسط وشرقي أوروبا.

(8) حوارة: من قرى طولكرم. وهي غير حوارة نابلس. وتقع جنوبي غربي طولكرم في أراض سهلية ارتفاعها نحو 30 م عن سطح البحر. وكان معظم سكانها العرب يعملون في الزراعة*. وقد دمر الصهيونيون حوارة بعد طرد سكانها منها وأقاموا على أراضها مستعمرة “سند همد”.

(9) خان الدوير: تقع شمالي شرق صفد في أقصى الطرف الشمالي الشرقي لفلسطين عند الحدود السورية. وقد نشأت هذه القرية على نهر العسل أحد روافد نهر بانياس. وأقيمت على ارتفاع 200 م عن سطح البحر عند تل القاضي*. واكتسب موقعها أهمية منذ القديم فكانت محطة على طريق القوافل التجارية بين جنوب سورية وكل من لبنان وفلسطين. وقد قامت في ظاهرها مدينة “لآش” الكنعانية.

بلغ عدد سكان القرية العربية عام 1938 155 نسمة كانوا يقيمون في 29 بيتا من الطين والحجر البازلتي الأسود. وتربة خان الدوير خصبة تجود فيها زراعة القمح. في عام 1939 أقام الصهيونيون القادمون من رومانيا كيبوتزا في ظاهر هذه القرية العربية سموه “دان” بعد أن طردوا السكان العرب من بيوتهم. وقد بلغ عدد سكان الكيبوتز عام 1960 قرابة 500 نسمة.

(10) زمارين: قرية عربية أخرى من قرى قضاء حيفا تقع على بعد 35 كم جنوبي حيفا فوق تل ارتفاعه 170م عن سطح البحر. وقد باع الاقطاعيون زمارين للصهيونيين الذين أسسوا سكانها عام 1882م مستعمرة حملت الاسم العربي في البداية ثم دعيت “زخرون يعقوب” فيما بعد. وتعد من أقدم المستوطنات الصهيونية في فلسطين. كان عدد سكان زمارين العربية 250 نسمة بقي معظمهم في بيوتهم وقدر عددهم بنحو 23% من مجموع السكان الذين بلغوا 1.302 نسمة عام 1922. ولكن نسبتهم إلى السكان الصهيونيين تراجعت عام 1927 إلى 22% من مجموع سكان قدره 1.600 نسمة. وما جاء عام 1945 حتى خلت زمارين من سكانها العرب بسبب الضغط الصهيوني. وقد قدر عدد سكانها الصهيونيين عام 1970 بنحو 4.480 نسمة.

(11) سمونية: من قرى قضاء الناصرة، تبعد إلى الغرب منها 13 كم وتقع في الطرف الشمالي لسهل مرج ابن عامر عند أقدام جبال الجليل* الأدنى على ارتفاع 125 م عن سطح البحر. وقد باعت الحكومة العثمانية عام 1860م أراضيها إلى بعض تجار بيروت فقاموا ببيعها للصهيونيين الذين أقاموا “معبرة شيمرون” غرب موقع القرية العربية عام 1948. وقد انقلبت المعبرة عام 1951 إلى كيبوتز.

(12) شفية: كانت شفية قرية عربية يعيش فيها عام1922 81 عربياً يعملون في الزراعة وتربية المواشي في القسم الغربي من جبل الكرمل. وقد أنشئت القرية على علوة ارتفاعها 105م عن سطح البحر على بعد 35 كم جنوبي مدينة حيفا. وقد باع الاقطاعيون أراضيها للصهيونيون الذين أسسوا شماليها موشاف “مئير شفيا” بين عامي 1890 و1892. وظل السكان العرب في شفية ومئير شفيا، وبلغ عددهم 40 عربياً من أصل 308 نسمات هم مجموع السكان. وفي عام 1945 لم يبق فيها أي عربي.

(13) الشونة: من قرى قضاء حيفا أنشئت على بعد 39كم جنوب مدينة حيفا في القسم الغربي من جبل الكرمل. وكان في الشونة 66 نسمة من العرب عام 1922. ولكنهم ضموا عام 1931 إلى سكان زمارين القرية منها والمرتبط مصيرها بها. وقد أسس الصهيونيون مستعمرة الشونة عام 1919 جنوبي القرية العربية ودعيت فيما بعد باسم “بنيامينا”. وكبرت هذه المستعمرة بالأعداد المتزايدة من الصهيونيين المهاجرين اليها من ألمانيا وروسيا والقفقاس حتى وصل عددهم إلى 2.950 نسمة عام 1961.

(14) الفولة: كانت الفولة إحدى قلاع فلسطين أثناء الحروب الصليبية. وتقع في قضاء الناصرة جنوبي مدينة الناصرة على مسافة 15 كم في مرج ابن عامر، وعلى ارتفاع 85م عن سطح البحر. وقد باعت الحكومة العثمانية أراضي الفولة إلى عدد من تجار بيروت الذين قاموا ببيعها للصهيونيين عام 1910. وفي العام التالي أنشىء كيبوتز “مرحافيا” فأخذ يتسع تدريجياً حتى أزيلت القرية العربية نهائياً وبلغ عدد صهيونيي مرحافيا 125 نسمة عام 1922 وتزايد عام 1965 إلى 810 نسمات فيهم سكان موشاف “مرحافيا” الذي أسس في عام 1922. وقد دمر الثوار العرب كيبوتز “مرحافيا” أكثر من مرة ثم أعيد بناؤه عام 1929.

(15) المراح: قرية عربية تقع على بعد 44 كم جنوبي مدينة حيفا على ارتفاع 65م عن سطح البحر. وقد استملك الصهيونيون أراضيها من بعض الاقطاعيين وأسسوا شمالها مستعمرة “جفعت عدا” عام 1903. وكان عدد سكانها عام 1931: 210 نسمات بينهم 57 عربياً فأصبح عام 1938 :230 نسمة بينهم 74 عربياً. ولم يأت عام 1945 حتى خلت المراح من سكانها العرب. وأما سكان المستعمرة الصهيونيون فقد ارتفع عددهم عام 1970 إلى 1.290 نسمة.

(16) المطلة: قرية عربية من قرى قضاء صفد تشغل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من حوض الحولة على الحدود اللبنانية. وقد أقيمت على تل علوه 510 عن سطح البحر. وكانت أراضيها ملكاً لبعض الاقطاعيين اللبنانيين فباعوها للصهيونيين الذين أسسوا فيها موشاف “المتلة” سنة 1896 بعد أن أخليت من أهلها العرب. وكان عدد الصهيونيين في عام 1912 نحو 310 نسمات، ولم يتزايدوا كثيراً. وقدر عددهم عام 1970 بنحو 345 نسمة. وقد تعرضت المطلة لعدة عمليات عسكرية من قبل رجال المقاومة العرب (رَ: المطلة، عملية -).

(17) الهربج: تقع جنوب شرق حيفا فوق تل صغير يعلو 27م عن سطح البحر. ويرجح أنها موقع كنعاني قديم. وقد باعت الحكومة العثمانية عام 1872 أراضيها إلى تجار من لبنان فباعها هؤلاء للصهيونيين عام 1922. وكانت تضم 117 عربياً. وفي عام 1924 أسس الصهيونيون موشاف “كفار حسيديم” شرقي الهربج بكيلومتر واحد وشردوا السكان العرب. وفي عام 1950 أسس الصهيونيون المستوطن القروي “كفار حسيديم” قرب الموشاف السابق. وفي عام 1959 أسسوا بجوارهما معبرة بالاسم نفسه. وقد بلغ عدد أفراد الموشاف وحده عام 1970 نحو 400 نسمة من مجموع 700 نسمة ضمتهم هذه المواقع الثلاثة.

(18) وادي القباني: من قرى قضاء طولكرم. وتقع شمال غرب طولكرم في أرض سهلية تعلو 27م عن سطح البحر. وقد بلغت مساحة أراضيها 9.812 دونماً لم يبق للعرب منها عام 1945 سوى 427 دونماً يملكها 320 عربياً. اتشترى الصهيونيون أراضي القرية من عائلة اقطاعية لبنانية وأسسوا فيها عام 1933 موشاف “كفار حاييم” وكيبوتز “مشمار هشارون” قربه. وقد بلغ عدد سكان الموشاف والكيبوتز عام 1970 نحو 730 نسمة معظمهم من الصهيونيين المهاجرين من روسيا وبولونيا.


المراجع:

ابراهيم أبو لغد: تهويد فلسطين، (مترجم)، بيروت 1972.
أنيس صايغ: بلدائية فلسطين المحتلة، بيروت 1968.
صلاح الدين بحيري: أرض فلسطين والأردن، طبيعتها وحيازتها واستعمالاتها، القاهرة 1974.
فلاح خالد علي: فلسطين والانتداب البريطاني 1939-1948، بيروت 1970.
محمد سليمان: أرضنا، بيروت 1977.
مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج1، ق1، بيروت 1973 وج6، ق2، بيروت 1974.
يوسف هيكل: القضية الفلسطينية، تحليل ونقد، يافا 1937.

--------------

منقول عن موقع الموسوعة الفلسطينية