كان مفترق كفر عنان – الواقع على مسافة كيلومترين شرقيّ مفترق المغار – نقطة لقائنا لبدء الجولة التي نظمتها ذاكرات في موقع القرية الفلسطينية كفر عنان. "كان هذا المكان مقدسًا وقد أطلقوا على شجرة السنديان هذه اسم "المباركة". لقد تعامل الناس معها باحترام وامتنعوا عن القيام بأفعال مسيئة بقربها. لم يكذبوا، لم يسرقوا. ترك الفلاحون محاريثهم تحت الشجرة طيلة الليل دون أن يجرؤ أحد على المساس بها. هنا، حيث نقف، كان عدد من القبور. قبور أشخاص من القرية. واليوم كما ترون، جعل اليهود من الموقع قبر الرابي حلفتا وأبائه". هكذا افتتح الجولة حسن منصور (أبو مروان)، في الخامسة والسبعين من عمره. يعيش أبو مروان وعائلته اليوم في قرية الرامة المجاورة. ويعيش فيها نحو ربع لاجئي كفر عنان. سائر سكان القرية تمّ طردهم إلى لبنان وهم يعيشون خصوصًا في مخيم اللاجئين نهر البارد. بعدها بقليل سوف يأخذنا أبو مروان إلى البيت الذي ولد فيه عام 1934 وطُرد منه عام 1948 إلى جانب سكان القرية الـ 400. سرنا، نحو 100 شخص، وراءه وأصغينا إلى الألم في كلماته. "وضعنا رايات بيضاء على البيوت وراية بيضاء كبيرة على الشارع، ومع ذلك جاءوا في اليوم التالي وطردونا". وهو يذكر أين كانت بيوت القرية وعددها 73 بيتًا، حتى النكبة. سرنا بين أنقاض البيوت التي دمّرتها إسرائيل تمامًا، فيما عدا بيت واحد، بيت خالد يوسف، على طرف القرية الشرقي. أبو مروان، زوجته، أولادهما، بناتهما وأحفادهما وعدد من أقاربهم رافقونا بانفعال داخل قريتهم. كان الشعور – رغم مسافة زمنية تبلغ 61 عامًا – أننا نحلّ ضيوفًا على العائلة في قريتها. وقد تعزّز هذا الشعور حين دار أحد شبان العائلة على "الضيوف" حاملا بيديه صندوق تفّاح. في الجهة الشرقية من القرية، مغارة المجنزر، تحولت إلى قبر حنانيا. مقبرة كفر عنان تقع على مسافة غير بعيدة منها. مقبرة مهملة ومدنّسة. أبقينا في المكان لافتة تشير إلى مقبرة القرية وتذكّر بها. في الطريق ذكر أبو مروان أسماء أصحاب البيوت المدمّرة. كذلك، أمسك بخارطة رسمها من ذاكرته ومن المعلومات التي واكبها وحدد فيها جميع البيوت التي كانت. في مركز القرية وقف إلى جانب أحد البيوت وقال: "هذا بيتي، هنا ولدت وعشت حتى جيل 13". كان والده مختار القرية. هنا أيضًا أبقينا لافتة تشير إلى بيت أبو مروان. مطلع عام 1949، طلب جنود إسرائيليون من المختار جمع سكان القرية لإجراء "تسجيل سكاني". وقالوا أيضًا إنه يمكن للشبان الذين هربوا إلى الجبال أن يعودوا. وحين جاء هؤلاء أخذ الجنود سبعة منهم وخرجوا بسيّاراتهم. "سائر سكان القرية، جمعوهم في الربعان، هنا في هذا المكان، فصلوا الرجال عن النساء، الأطفال والمسنين. أمرونا أن نسير شمالا. أخذوا 35 شابًا ومعهم والدي المختار إلى السجن. أطلقوا النار في الهواء لتسريع سيرنا. في الطريق، إلى جانب مفترق المغار، رأينا جثث الشبان السبعة الذين أخذوهم قبل ذلك بسيّارة. لقد قتلوهم".

واصلنا الجولة في القرية، مررنا قرب بقايا المسجد ووصلنا السيح – كان عبارة عن بركة ماء طبيعية اعتاد السكان إسقاء مواشيهم منها، وكان الشبان يقفزون إليها ويسبحون. اليوم، صارت البركة الجافة مجرّد حفرة لا حياة فيها.
خلال الجولة، تلقّى جميع المشاركين/ات كتيّبًا بعنوان "ذاكرات كفر عنان" الذي أصدرناه لهذا النشاط، من أجل رفع هذه القرية التي تمّ محوها عن وجه الأرض إلى الوعي. اليوم من الصعب التعرّف على موضع القرية المدمّرة الواقعة على الهضبة الموازية لكفار حنانيا. على طرف شارع 85 مقابل كفار حنانيا التي بنيت على أرض القرية أبقينا لافتة مع اسم كفر عنان، للفت انتباه العابرين.

3.10.2009


قرية/مدينة: