أليست النكبة نتيجة رفض الفلسطينيين الموافقة على خطة التقسيم؟ أليسوا هم من شرعوا في الحرب؟


بادئا ذي بدء، من المهم أن نتذكر بأن الاستيطان الصهيوني في البلاد منذ بداياته سعى إلى تحويل القدر الأكبر من الأراضي لليهود بشكل حصري. وحتى لو لم يتفق جميع المنظّرين الصهاينة وأصحاب القرار منهم على هذا التفسير، فهذه هي الأيدلوجية التي تم تطبيقها فعلا. لقد تم تهجير 57 قرية فلسطينية وفقد الآلاف مصادر رزقهم بسبب أيدلوجية "العمل العربي" قبل سنة 1948. لم تبدأ المقاومة الفلسطينية المنظمة إلا بعد وعد بلفور، الذي منح اليهود، كما هو معروف، الحق في إنشاء وطن قومي رغم أنّ نسبة اليهود آنذاك لم تتعد الـ 10% من سكان البلاد، حيث تجاهل هذا الوعد تماما السكان الفلسطينيين.

ثانيا: لكل إنسان الحق في العيش بأمان في منزله وطنه. إن موافقة الإنسان أو رفضه لتقسيم بلاده ما هي إلا رأي سياسي، لا علاقة له بحقوقه الأساسية. ومع ذلك، فإن هنالك قيمة للتعرف إلى الأسباب الرئيسية لرفض الفلسطينيين لاقتراح التقسيم من قبل الأمم المتحدة. ووفقا لهذا المقترح، تعيّن على الدولة اليهودية أن تمتد على 55 في المائة من الأرض، رغم أن اليهود شكّلوا فقط ثلث سكان البلاد، وقد كانت غالبيتهم من المهاجرين الذين قدموا إلى البلاد منذ وقت ليس ببعيد، كما أن أقل من 10% من مجمل الأراضي كانت ملكا لليهود. إلى جانب ذلك، كان من المفترض أن يشكل الفلسطينيون في الدولة اليهودية نصف تعداد سكانها تقريبا. إن قرار التقسيم لم يكن غير منصف فحسب، لكن هذا المخطط قد أثار مخاوف حقيقية من أن قبوله سيؤدي إلى تهجير المواطنين العرب من الدولة. وعلاوة على ذلك، ولأن الفلسطينيون قد كانوا عمليا غالبية عظمى من ضمن سكان فلسطين الانتدابية، فقد رأوا في مقترح التقسيم محاولة من جانب الأقلية اليهودية لفرض رأيها على الأغلبية. وإلى جانب ما تقدم، فإن هنالك أحيانا ميلا لنسيان أن الكثيرين من الجمهور اليهودي قد رفضوا مقترح التقسيم (التصحيحيون)، أو رأوا فيه مجرد مرحلة انتقالية (مباي) نحو احتلال البلاد بأكملها وطرد جميع سكانها من الفلسطينيين.

إلى جانب ما ذكرناه، فإن حجم القوات العسكرية لا يمثل حالة دفاع يهودية في وجه هجوم عربي، بحسب محاولات ترسيخ الأسطورة القائلة بوجود "قلّة ضد كثرة": ففي نهاية سنة 1947 كان لدى الييشوف اليهودي قوة عسكرية منظمة قوامها نحو 40 ألف مقاتل، وقف في وجههم نحو 10 آلاف مقاتل هم من القوات الفلسطينية غير النظامية وغير الموحدة، إلى جانب متطوعين من البلدان العربية، غالبيتهم بلا خبرة عسكرية. وحتى في آيار (مايو) 1948، عندما اتسعت الحرب وانخرطت فيها الجيوش العربية، كان لإسرائيل تفوق بلغ الضعفين، وقد تمتعت بموارد أكثر ومعدات قتالية أفضل.

وثالثا، إنّ النكبة المستمرة ما هي، في نهاية المطاف، سوى نتاج الخطوة العسكرية التي تجاهلت مقترح التقسيم، وهي الخطوة التي مارست هجمات وعمليات احتلال وراء خطوط خطة التقسيم نفسها، وهي أيضا نتاج الحسم السياسي لدى الحكومة الإسرائيلية، القاضي بمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهدم بلداتهم. من هذه الناحية، فإن مسؤولية الجانبين عن اندلاع الحرب لا يمكن أن تشكّل عذرا أو تبريرا للنكبة.