مقدمة الكتيب
عادت الجرافات بسرعة وقامت بهدم وجرف أساسات البيت الذي حاول الناس بناءه من جديد. هذه الجرافات هدمت قبل عدة أيام منزل عائلة عداسي الذي كان قائماً هنا عشرات السنين في حي العجمي في يافا. عندما حاول الناس وعدد من النشطاء المناهضين لسياسة الهدم والطرد المتبعة ضد العرب هنا إعادة بنائه جاء رد السلطة سريعاً وقوياً. قامت جرافات البلدية بجرف الأرض ودفن آثار الجريمة تحت التراب. تم إخفاء الحجارة التي تدل على ما كان في هذا المكان. كان بيت وكانت حياة جاءت الآلات المجنزرة وعطلت مسارها الطبيعي. طردت البشر وسرقت الحجر كمن يخفي أدلة من ساحة جريمة. وحتى تتم التغطية بشكل كامل قامت البلدية وبكل صلافة بزرع أشجار زيتون في مكان البيت الفلسطيني الذي مسحته من على وجه الأرض. كم هو ساخر هذا المنظر ومستهتر بعقول ومشاعر البشر. فوق الأرض أشجار زيتون وتحت الأرض دفنت الجريمة. الزيتون الذي يرمز للسلام وللسكينة بعد الطوفان تستعمله السلطة الإسرائيلية لتمويه الناظر عما حصل ويحصل في فلسطين. وكأنها ترسل رسالتها البليغة أن حلولها لا تتم مع الفلسطيني وإنما مكانه بعد طرده.
إن استعمال الأشجار وغيرها من النبات لرسم منظر جديد على حساب المنظر الأصلي، لتلفيق الحقائق وغسل الدماغ هو سياسة استعمارية معروفة استعملتها الحركة الصهيونية بشكل مدروس ومتواصل.

لقد تم تغطية عشرات القرى الفلسطينية التي هدمتها الصهيونية عام 1948 بأحراش ومتنزهات بأسماء عبرية كالحرش الذي يخبيء قرية لوبيا وكالمتنزه القائم على أراضي المنسي وخبيزة وغيرها. وهكذا تصرفت الدولة العبرية مع مناطق احتلتها عام 1967، كما هو الحال في منطقة اللطرون حيث أقيم متنزه كندا على أنقاض عمواس ويالو وبيت نوبا. السياسة ذاتها مستعملة على الجهة الإسرائيلية من جدار الفصل العنصري الخانق للضفة الغربية. فالمسافر مثلاً على شارع رقم 6 باتجاه الشمال يرى الأشجار والنباتات الجميلة على يمينه ولا يدرك أنها تحجب عنه جدار الفصل العنصري وتخفي عن أنظاره وعن وعيه الجدار والمسجونين خلفه. فيرى الناظر من هذا الاتجاه منظراً جميلاً وحياة هادئة ولا يخطر بباله أن هناك من يعاني من الجهة الأخرى. هذا هو نفس الانطباع الصادر من المنظر الجديد لموقع بيت عائلة عداسي في حي العجمي.

عندما نقول " إن النكبة الفلسطينية بدأت عام 1948 وما زالت مستمرة" فإننا لا نريد المبالغة أو طرح شعار فارغ المضمون. ما يمر في هذه الأيام على سكان يافا العرب لهو أبلغ دليل على صحة هذه المقولة.

نحن في جمعية "ذاكرات – زوخروت" نتحدث النكبة باللغة العبرية أيضاً حتى يرى الإسرائيليون ما بخفيه الستار الجميل الملون الذي تضعه أمامهم حكوماتهم. عادة ما نركّز على القرى التي هدمتها الصهيونية منذ بداية النكبة. هذه المرة ارتأينا أن نبرز أمام الرأي العام مسيرة مدينة يافا منذ تهجير أغلب أهلها ومروراً بسياسة الظلم العنصرية تجاه من بقي فيها وانتهاء بالمحاولات السلطوية الأخيرة لهدم عدد كبير من البيوت وإخلاء الفلسطينيين من عدد آخر. ولأن المدينة كبيرة فسوف نركّز على حي العجمي فيها. ليس صدفة أن أوامر الهدم والإخلاء صدرت بالأساس ضد الساكنين في حي العجمي، فهو الحي الأخير تقريباً المسكون بأغلبية عربية ساحقة والذي يشعر المتجول فيه أنه داخل منطقة عربية.

يرتبط حي العجمي بالنكبة الفلسطينية ارتباطاً قوياً يفضح ممارسة المحتل البشعة، فبعد تهجير معظم أهله والقيام بعملية التطهير العرقي في المنطقة قام المحتل بتجميع كل الناجين الفلسطينيين من يافا وضواحيها وسجنهم في حي العجمي وإحاطته بسياج شائك لا يسمح لأي فلسطيني أو فلسطينية الخروج منه إلا بإذن من الحاكم العسكري. ومن المدهش أن اليهود أسموا حي العجمي في تلك الفترة بالغيتو Getto لتشابه الوضع فيه لحالة أحياء اليهود في أوروبا تحت الحكم النازي.

يصدر هذا الكتيب ليصوّر الحالة الفلسطينية في يافا منذ 1948 حتى اليوم لينضم إلى 22 كتيباً أصدرتها جمعية "زوخروت" عن المواقع المنكوبة التالية: دير ياسين، لفتا، عين غزال، الحرم (سيدنا علي)، عين المنسي، حيفا، عكا، اللد، الرملة، خربة جلمة، اسدود والمجدل، الشيخ مونـّس، الجولان، سحماتا، اللجون، اجليل، بئر السبع، ترشيحا، الشجرة، الكفرين، حطين وكتيب قرى اللطرون: عمواسن يالو وبيت نوبا.

سوف يتم توزيع الكتيب خلال الجولة المخططة من قبلنا في حي العجمي تذكيراً بمأساته ونكبته.

"ذاكرات – زوخروت"
أيلول 2007




لتحميل الملف