مقدمة
جلست السيدة رقية أبو الهيجا، أكبر معمرة من الرويس، على شرفة بيتها الحالي في طمرة وقالت بألم: أنا أرى بلدي الرويس من هنا، أنظروا كم هو قريب مني ولكن ما أبعدني عن العودة إليه. بتعبيرها هذا جسدت هذه السيدة، ابنة التسعين حولاً تقريباً، جزءاً من مأساة الفلسطينيين الذي عرفوا بعد النكبة بالمهجرين الداخليين. فهم يسكنون على بعد مئات الأمتار فقط من بلدهم الأم إلا أن السلطات الإسرائيلية منعتهم بعد احتلال قريتهم من العودة إليها. إن العبرة من مثل هذه الحالات هي أن معنى النكبة لا يقتصر على تهجير السكان واقتلاعهم من بلداتهم فحسب، وإنما أيضاً يشمل قرار المحتل بمنع عودة اللاجئين إلى أراضيهم رغم انتهاء حالة الحرب.

حاولنا في هذا الكتيب تلخيص تاريخ قرية الرويس من مصادر متعددة. فقد جمعنا معلومات من كتب تاريخ، وأجرينا مقابلات مع مهجرين ومهجرات من القرية، وأضفنا خرائط قديمة وحديثة تثبت وجود القرية، وقمنا بتصوير الموقع كما هو اليوم، واستعنّا بوثيقة تاريخية نشرها وحققها الباحث شكري عراف.

تتقدم جمعية زوخروت بشكر خاص للأخ إبراهيم خليل أبو الهيجا، أحد الناشطين من قرية الرويس وعضو في لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل، الذي كان صاحب المبادرة لإصدار هذا الكتيب وتنظيم جولة تعليمية للجمهور في قرية الرويس بمشاركة أهالٍ من قريته، وتزويدنا بمواد جمعها في إطار جهوده لتأليف كتاب له عن الرويس.

تصبو زوخروت من خلال جولاتها في القرى التي احتلتها إسرائيل عام 1948 وهجرت أصحابها وهدمت منازلهم إلى تعريف الجمهور، خاصة الإسرائيلي، بأحداث النكبة الفلسطينية، وإلى المناداة باعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن نصيبها في هذه النكبة، والعمل على تصحيح الغبن وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
    
"ذاكرات الرويس" هو الكتيب رقم 57 في سلسلة الكتيبات التي تصدرها "زوخروت" عن القرى والبلدات المنكوبة في هذه البلاد، وقد صدر قبله كتيبات عن المواقع التالية: ميعار، بلد الشيخ، ياجور، البصّة، الطيرة / حيفا، صمـّيل الخليل، المنشية / عكا، معلول، طبرية، عاقر، البروة، خبيزة، كفر سبت، القبو، عيلبون، إقرث، كفر بـِرعِم، المنشية – يافا، الغبـَيـَات، سبلان، العراقيب، كفر عنان، الدامون، مسكة، السُّميرية، سمسم، الراس الأحمر، عين كارم، عجور، كويكات، أم برج، خربة اللوز، الشيخ مونـّس، المالحة، العجمي في يافا، عمواس يالو وبيت نوبا، حطين، الكفرين، الشجرة، ترشيحا، بئر السبع، جليل، اللجون، سحماتا، الجولان، اسدود والمجدل، خربة جلمة، الرملة، اللد، عكا، حيفا، عين المنسي، الحرم (سيدنا علي)، عين غزال، لفتا ودير ياسين.

زوخروت (ذاكرات)
آذار 2013
________________

بداية القرية
يعود تاريخ الرويس إلى عام 1191م، كما هو تاريخ عائلة أبو الهيجا في فلسطين، فهي تعود في نسبها إلى أحد قادة جيش صلاح الدين الأيوبي حسام الدين البخاري المعروف بأبي الهيجاء (والهيجاء معناها الحرب ولقب كذلك لشجاعته وقوته). كان أبو الهيجا قائد فرقة في جيش صلاح الدين وخاض معها معارك عدة، منا معركة حطين. استشهد حسام الدين أبو الهيجاء عام 1191م في معركة قرب كوكب راكان في الجليل، ودفن فيها، وقد سميت لاحقاً كوكب أبو الهيجا نسبة إلى ذلك القائد. وما زال قبر أبي الهيجا موجوداً هناك وبني فوق القبر مبنى مقبب تحول إلى مزار، تقام عنده طقوس دينية وصلوات.

وقد تكرم السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى عائلة أبو الهيجا إكرامية تقديراً لقائدها، عدداً من قرى فلسطين مثل عين حوض، الرويس، حدثا، كوكب أبو الهيجاء وسيرين.

كانت أرض الرويس منذ ذلك الحين مزرعة تابعة لكل عائلة أبو الهيجاء وخاصة أهل حدثا، فكانت أرض مشاع يأتي أهل حدثا في المواسم يفلحونها، ويقيمون فيها (يعزبون) حتى انتهاء الموسم، فيجمعون المحصول ويعودون إلى حدثا. في أواخر القرن الثامن عشر قرر بعض الأشخاص من عائلة أبو الهيجا، من حدثا ومن كوكب، أن يسكنوا في تلك الأرض بشكل دائم، فأسسوا حينها النواة الأولى لقرية الرويس. ويروي أهالي الرويس أن من أول من سكن القرية، في نهاية القرن الثامن عشر، كان إبراهيم حسين أبو الهيجا وأولاده الثلاثة، حسين وعبد الرازق ورضوان. وكذلك طه أبو الهيجاء وأولاده الثلاثة، منصور وإبراهيم ويوسف الملقب بشقير. 

وقد انتقلت عدة عائلات، سوى عائلة أبو الهيجا، للسكن الرويس خلال سنوات العشرين ومنها دار حماد ودار صبح ودار الشعار ودار أبو عيسى ودار عرار ودار أبو البصل ودار الكتاني. وكانت عائلة أبو الهيجا في الرويس قد تشعبت إلى أفخاذ وبطون منها: دار أبو حميد، دار عبد الأسعد، دار حسن عبد العزيز، دار عوض، دار الحلون، دار علي ياسين، دار سمارة، دار أبو خليل، دار محمود طه، دار الصادق، دار إدريس، دار منصور، دار شقير ودار عبد المجيد.

الرويس
قرية عربية في الجليل، من أصغر قرى المنطقة، تم احتلالها وتهجير أهلها في تموز 1948. كلمة الرويس هي تصغير كلمة الرأس، وقد تعني القمة أو التل المرتفع. تقع الرويس على بعد 12 كيلومتراً جنوب شرق مدينة عكا، ترتفع على تل صخري صغير يشرف على سهل عكا. ذكرها الصليبيون باسم كاربليه (Careblier). وكانت طريق فرعية تربطها بقريتي الدامون وكابول والبروة إلى الشمال، وبطمرة إلى الجنوب، وتقع شرقي شارع شفاعمرو – عكا، ولم تبعد كثيراً عن شارع صفد – عكا العام وشارع حيفا – عكا الساحلي.

كان عدد سكانها عام 1887م 190 نسمة، وعام 1922 حوالي 154 نسمة، وعام 1931 وصل إلى 217 نسمة وعام 1945 كان عددهم 330 نسمة وعام 1948 وصل عدد سكان الرويس إلي 383 نسمة جميعهم من المسلمين وعدد منازلهم 77 منزلاً. بنيت معظم البيوت من حجر وبني قسم منها خلال سنوات الثلاثين والأربعين من القرن العشرين بالأسمنت والحديد. وكانت مساحة القرية 17 دونماً.

كانت القرية تنقسم إلى حارتين تفصل بينهما طريق، الحارة الفوقى والحارة التحتى. كان للقرية مسجد، ولم يكن فيها مدرسة لقلة عدد السكان، فتعلم أبناؤها في مدرسة الدامون المجاورة، التي كان فيها مدرسة حتى الصف الرابع، ثم في طمرة حتى الصف السادس. تعلم قسم كبير من أهل القرية على يد الشيخ سعيد خطيب صبح، الذي كان يدرس الأولاد أسس القراءة والكتابة وحفظ القرآن قبل التحاقهم في المدرسة.

كان سكان الرويس يتزودون بمياه الشرب من الآبار المنزلية التي كانت تجمع مياه الأمطار فيها خلال موسم الشتاء، فقد كان في كل بيت بئر. وحفر أهالي القرية بئراً جنوب القرية كانت تزودهم بالماء طيلة أيام السنة.

اعتمد أهالي القرية في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي. كانت مساحة أراضي القرية 1163 دونماً، منها 40 دونماً زرعت زيتوناً، وزرع ما يعادل 844 دونماً بالقمح والشعير والذرة والسمسم والبطيخ، وكان 222 دونماً بساتين خضروات، وكان 82 دونماً أرضاً بوراً.

كان في القرية دكانان، أحدهما لعبد المجيد العبد والآخر لعلي الصالح سماره.

وكان اخر مختار في قرية الرويس حتى عام 1948 محمد رشيد أبو الهيجاء، وقد توفي ودفن في طمرة عام 1955، حيث نزح إليها واضطر للسكن فيها كغالبية أهالي الرويس بعد أن قررت دولة إسرائيل عدم السماح لهم بالعودة إلى قريتهم.  




لتحميل الملف