المالحة قبل النكبة
قرية عربية تقع على بعد 5 كم جنوب غرب مدينة القدس ثم تحولت إلى ضاحية منها مع اتساع البناء. سميت بهذا الاسم، كما يبدو، لوجود عين ماء مالح بالقرب من جامع القرية. يحد المالحة من الشمال قرية لفتا ومن الجنوب شرفات وبيت صفافا وبيت جالا ومن الغرب قرى الولجة وعين كارم والجورة. كان عدد سكانها عام 1945 حوالي ألفي شخصاً أغلبيتهم من المسلمين وكان عدد المسيحيين فيها حوالي عشرة أشخاص. وكانت مساحة أراضيها حوالي سبعة آلاف دونماً امتلك اليهود حوالي 13% منها حتى عام 1948. بنيت المالحة على أرض جبلية ترتفع 750 متراً عن سطح البحر مشرفة على مناطق واسعة من كل الجهات عدا الشمال. وقد استثمرت أراضيها في زراعة الحبوب والخضروات والأشجار المثمرة وخاصة أشجار الزيتون.  التي شغلت 23% من أراضي القرية. لم تحظ المالحة بعيون ماء طبيعية كثيرة، فقد كانت عين يالو التي تبعد عن بيوت القرية حوالي 2 كم العين الوحيدة التابعة للمالحة. لذلك قام السكان بإنشاء آبار لتجميع المياه داخل القرية. وفي السنوات الأخيرة من الاحتلال البريطاني تم نقل الماء  من عين يالو إلى المالحة بواسطة أنابيب ومضخّات. وكان السكان يمارسون إلى جانب الزراعة والرعي وتربية المواشي بعض المهن اليدوية كالبناء و"دق حجر البناء" والتجارة والخدمات.

أنشئت في القرية عام  1932 "مدرسة بني حسن" وكانت من أوائل المدارس في منطقة القدس. وكان في القرية مسجد واحد ينسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب لاعتقاد الناس أنه بني في المكان الذي صلـّى فيه الخليفة عمر عندما مرّ من تلك المنطقة. لا يعرف متى بني المسجد إلاّ أنّ مئذنته قد تم ترميمها عام 1927 بسبب تصدعها. بنيت بيوتها من الحجر واتخذ مخططها شكلاً مستطيلاً. كان مجموع بيوتها عام 1931 نحو 300 بيت. ومرّ من أراضيها الجنوبية خط سكة حديد يافا – القدس، وكان بها عيادة طبية ومجلس بلدي.
يوجد في المالحة الكثير من القبور الكنعانية والرومانية المحفورة في الصخر مما يدل على عراقة المكان الذي كان مسكوناً منذ العصر البرونزي والروماني ويعتبره اليهود موقع قرية "منحات" التوراتية. في سنة 1596 كانت المالحة قرية من قرى لواء القدس وكان عدد سكانها 286 نسمة.

احتلال القرية
حسب الشهادات التي جمعت من بعض لاجئي المالحة ومن المصادر المختلفة كالصحف المحلية والعالمية، يتبين أن أهالي القرية حاولوا عام 1948 بإمكانياتهم المتواضعة الدفاع عن بلدهم بل وشارك بعضهم قبل سقوط المالحة في معارك أخرى حول القدس بين العرب والصهاينة مثل معركة القطمون ومعركة القسطل وغيرها.

يذكر تقرير نشرته صحيفة "فلسطين", التي كانت تصدر في يافا, أن الهجوم الأول على المالحة يعود إلى تاريخ 6 آذار\مارس 1948,(group194.net) لم يؤت في التقرير إلا إلى ذكر تسلل وحدة يهودية إلى تخوم المالحة واشتباكها مع المدافعين عن القرية, من دون تحديد عدد الإصابات. أما المؤرخ الإسرائيلي بني موريس فيذكر أن القرية أخليت على مرحلتين, كانت أولاهما في نيسان\أبريل جراء المجزرة التي وقعت في دير ياسين المجاورة بتاريخ 9 أبريل.

وقد أشارت صحيفة "نيورك تايمز" إلى أن "الهاغاناه" بدأت اعتداءاتها على المالحة ليل 1- 2 أيار\مايو, إذا وسعت مواقعها جنوبا انطلاقا من حي القطمون في القدس.

وقعت القرية في قبضة الإسرائيليين بعد معركة ضارية استمرت بضعة أيام. ففي ليل 13-14 تموز\يوليو. قامت وحدة من "الإرغون" (الإتسل) وفصيلتان من فرقة "يونثان" التابعة ل"جدناع" (كتائب شباب البلماح), بدخول المالحة متخذة لها بعض المواقع في القرية. واستمرت المعركة من بعد منتصف الليل حتى طلوع الشمس واستشهد خلالها ثلاثة أشخاص من المالحة: نعمان حسن أحمد عودة وموسى حسن عودة المدعو حسن زهرة وحلوة السالم (كتاب المالحة قبل 1948،عيسى علان). ويروي السيد صالح مصلح الحلو (المصدر السابق) " أنّ القوات العربية شنت  هجوما مضادا في 15 تموز\يوليو, شارك فيه مقاتلون من المالحة وساعدتهم المدفعية المصرية التي كانت موجودة في الصليب بين شرفات وبيت لحم. بدأ الهجوم من الجهة الجنوبية الغربية وكان بعض المقاتلين موجودين في جبل علي شرارة ومعهم مدفع برن ليغطوا على تقدمنا نحو اليهود، وكان بعض المجاهدين يتمركزون في أرض باطن الخضر تحت شرفات حيث كان معهم مدفع برن ويطلقون النار على اليهود الذين تمركزوا في بيت مصطفى نمر وكان هذا آخر بيت من بيوت القرية من جهة الجنوب، وشارك عديد من رجال المالحة في هذه المعركة ذكر منهم كل من محمد أحمد أسعد وشحادة عصفورة وصالح علقم وصالح مصلح الحلو وأحمد محمود جابر ومحمود عطية معلى وقد أصيب رشيد أحمد رمضان بطلقة في ظهره وتوفي على أثرها في المستشفى" وذكر المصدر نفسه اسمي شهيدين إضافيين سقطا في معركة المالحة هما موسى جمعة شرارة وأحمد محمد أبو كمل. وتم تحرير بيت مصطفى نمر علقم ووجد بداخله عشرة قتلى من اليهود. أجبرت وحدة الإرغون (الإتسل) على الانسحاب من أقصى مواقعها في القرية. وفي اليوم نفسه, أصدر المقاتلون المصريون غير النظاميين, العاملون جنوبي القدس, بلاغا أعلنوا فيه أنهم استردوا المالحة بمؤازرة المجاهدين الفلسطينيين. وقد نشرت صحيفة "نيورك تايمز" آنذاك نص البلاغ. لكن سرعان ما عادت القرية فوقعت في قبضة الاحتلال بعد وصول تعزيزات. وذكرت صحيفة "نيورك تايمز" أن الإسرائيليين استخدموا, في 14 تموز\يوليو, المدفعية المتوسطة المدى ونيران مدافع الهاون للقيام بهجمات تضليلية على الجبهة, بحسب ما جاء في تقرير مراسل الصحيفة. وأفادت الصحيفة نفسها, في 16 تموز\يوليو, أن القرية باتت تحت السيطرة الإسرائيلية, وأن الهجوم العربي المضاد الذي شن في ذلك اليوم, والذي أسفر عن مقتل خمسة عشر من أفراد الإرغون (الإتسل) وجرح عشرين آخرين, لم ينجح في استردادها. وقال قادة الإرغون (الإتسل) إن "الهاغاناه" خذلتها إذا انسحبت من مواقعها في جبل متاخم, ولم تقدم لها التغطية النارية في أثناء الهجوم العربي, إلا إن الهاغاناه نفت هذه الاتهامات. بعد أيام معدودة, أي في 22 تموز\يوليو, أخبر قائد منطقة القدس الإسرائيلي, دافيد شالتيئيل, مراسل صحيفة "نيورك تايمز" أن قريتي المالحة وعين كارم الإستراتيجيتين قد احتلتا في الفترة الممتدة بين الهدنتين, وانتهى بذلك "خطر اجتياح مصري" للقدس.

المصادر:
الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984
عيسى محمد علان، المالحة قبل 1948، 1997
دافيد قرويانقر، الهندسة المعمارية في القدس، البناء العربي خارج الأسوار، القدس 1985. (بالعبرية)
www.Jerusalem.muni.il (بالعبرية)
www.Group194.net (بالعربية)

---------------------

باللغة الصهيونية: احتلال المالحة حسب رواية منظمة "إتسل"

كان دافبد شالتيئل في عام 1948 القائد العسكري من قبل "الهاجاناه" في منطقة القدس وكان مسؤولاً عن المعارك هناك كقائد لكتيبة "عتصيوني". في تلك الفترة كان التنافس بين التنظيمين الصهيونيين "الهجاناه" و"الإتسل"  ( أو الليحي المنفصل عن الأخير) كبيراً. وتدّعي عصابة "الإتسل" أن شالتيئل لم يف بوعده بالهجوم على البلدة القديمة للقدس ويتهمونه بأنه لم ينو أصلاً فعل ذلك.

يروي يهودا لبيدوت، المؤرخ الصهيوني والقائد في تنظيم الإتسل في كتابه " في لهب التمرد" من إصدار وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال تسليطه الضوء على العلاقة بين "الإتسل" و"الهاجاناه"، يروي كيفية احتلال قرية المالحة. ومما يقوله بأن وحدة من "الإتسل" وسريّة "يهونتان" نجحتا في فجر 10/7/1948 باحتلال خربة الحمامة (اليوم يسميها الإسرائيليون جبل هرتسل) بينما بقيت خربة مزميل (اليوم تسمى قريات يوفل) تحت سيطرة العرب. قتل في هذه المعركة قائد سرية "يهونتان" وعنصران من "ليحي". بعد ذلك بيومين هوجمت خربة مزميل ثانية وهذه المرة تم احتلالها من العرب.

"خلال تلك الأيام ظل رجال "الإتسل" يضغطون على شالتيئل للشروع بهجوم على البلدة القديمة إلاّ أن جوابه كان أنه سيتفرغ لاحتلال البلدة القديمة فقط بعد احتلال المالحة.

في فجر 14 تموز بدأ الهجوم على قرية المالحة. شارك في الهجوم سريّة من "الإتسل" وفصيلان من سرية "يهونتان" بقيادة ميخائيل جروس. قائد القوة من "الإتسل" كان إليعزر سوديط وكان بن- تسيون كوهن نائبه.

تم نصب المدفعية في منطقة "بيت وجان" و"قام رماة مدفع من الجيش بتفعيلها بقيادة دافيد بريسك من "الإتسل". "لسبب ما"، يقول لبيدوت، " لم يسمح لبريسك تجنيد وحدة الرماة التابعة للإتسل مع مدفعياتهم".

بعد قصف مدفعي كثيف على القرية، جاء دور سلاح المشاة الذي تقدم بثلاث مجموعات: واحدة من الغرب وآخرى من الشرق والثالثة هاجمت مركز القرية. بعد القصف مباشرة بدأ إطلاق نار قوي بين الطرفين، قتل منه يهودا سلونيمسكي الذي هجم مع مجموعة بن – تسيون كوهن. استمرت القوة المهاجمة بالتقدم في ثلاث أذرع وبعد عدة ساعات حبطت مقاومة العرب وانسحب العدو. مع بزوغ الفجر تمت السيطرة على كل القرية. قام إليعزر سوديط بتنظيم الوحدات المقاتلة على طرف القرية وأرسل فصيلاً بقيادة أريه إفشطين ليحتل موقع "الراس" الواقع جنوبي القرية. في ساعات الصباح المتأخرة ذهب اليعزر سوديط إلى القيادة التي جلست في حيّ "بيت وجان" وسلّم قيادة القوة التي احتلت القرية إلى بن – تسيون كوهن. قدم سوديط تقريره عن سير العمليات وطلب تبديل سريته بقوة نشطة حتى يتمكن رجاله من الراحة. بينما هو هناك في مقر القيادة بدأ العرب بقصف القرية قصفاً عنيفاً وشنّت قوة من المشاة هجوماً على فصيل أريه إفشطين المسيطر على موقع "الراس". عندما وصل الخبر إلى القيادة هرع دافد بريسك لتشغيل المدفعية ليقصف العدو، ولكن فوجيء عندما اكتشف أن رماة مدفعية الجيش قد سرحوا لأجازة. قام بريسك بتفعيل مدفعية بنفسه وبعد فترة وجيزة شغّلت مدفعية إضافية وأطلقتا أكثر من مئة قذيفة باتجاه التلال المحيطة بالمالحة. عاد سوديط فوراً إلى القرية ليتولى قيادة قوته هناك وجاءت تعزيزات بقيادة تسفي كنيج من الكتيبة في القطمون. 

في هجومهم المضاد نجح العرب باحتلال موقع "الراس" فقام رجال سرية أريه إفشطين بانسحاب غير منظم باتجاه القرية. تمركزوا داخل بيت متطرف على التلة، وتبين فوراً أنهم كانوا مكشوفين لنيران العدو وازداد عدد الإصابات. نقل الجرحى إلى مغارة محاذية وانسحب الباقون إلى مركز القرية. استمر العرب في هجومهم ووصلوا المغارة واكتشفوا الجرحى الذين استلقوا عاجزين فطعنوهم حتى الموت. أحد الجرحى لم يفارق الحياة، فقد استلقى بلا حراك حتى عندما طعنوه بالسكين. غطّت كومة الشهداء جسده وسال عليه دم كثير فظنه العرب ميتاً. مع حلول الظلام، زحف من المغارة باتجاه القرية، حتى وجده زملاؤه ملقى في الحقل. ومنه عرف ما حدث في المغارة.

وصل العرب إلى أطراف القرية ولكنهم انسحبوا بسبب الهجوم المضاد الذي أعده إليعزر سوديط وتسفي كنيج الذي حضر مع التعزيزات. عادت المالحة للسيطرة اليهودية.
خلاصة المعركة كانت تعيسة: 17 قتيلاً وكثير من الجرحى".

المصدر:
يهوده لبيدوت، في لهب التمرد. معارك الإتسل في القدس، القدس، 1996، ص 408 - 414
الموقع الإلكتروني: داعت – موقع علوم اليهودية والفكر  www.daat.ac.il
יהודה לפידות, בלהב המרד. מערכות האצ"ל בירושלים, ירושלים תשנ"ו – 1996, ע' 408-414
אתר האינטרנט: דעת – אתר לימודי יהדות ורוח  www.daat.ac.il  

---------------------------

يهوده لبيدوت
ولد في فلسطين عام 1928 وانضم إلى تنظيم "الإتسل" الصهيوني. شارك في عمليات ضد البريطانيين. وفي عام 1948 كان قائد سريّة في منظمته وقاد معارك في منطقة القدس وكان له نصيب في احتلال بعضها. بعد النكبة التحق للدراسة في الجامعة العبرية. عام 1960 حصل على شهادة الدكتوراه في موضوع الكيمياء الحيوية (بيوكيميا)، وعيّن أستاذاً في الجامعة نفسها عام 1973.
بين الأعوام 1981 – 1985 عينه رئيس حكومة إسرائيل آنذاك مناحم بيغن مستشاراً له.

منذ عام 1988 بدأ يبحث ويكتب في تاريخ الانتداب البريطاني. ألّف عدة كتب، منها:
على أسوارك ، 1992.
فصول في تاريخ الإتسل، 1998.
ولادة عصابة سرّية، 2001.
في لهب التمرد، 1996.
وهو يشغل أيضاً مدير الموقع الإلكتروني لمنظمة "الإتسل".