إن القتل الجماعيّ والتدمير الرهيب اللذين يقترفهما الجيش الإسرائيليّ في غزّة لا عذر ولا مبرر لهما. وإن التصريحات التي يطلقها قادة إسرائيليّون عن نيّتهم تفريغ قطاع غزة من سكانه ودعوتهم للسكان- اللاجئين النزوح جنوبًا تشكّل جريمة تطهير عرقيّ يجب وقفها فورًا.

إن المشاهد المفجعة التي نراها في غزة مؤخرًا تتراكم فوق مشاهد الفقدان الهائل التي شهدناها خلال الأسبوعين الأخيرين. بالنسبة لنا، ونشطائنا، وشركائنا وعائلاتنا وأعزائنا- هذه أيام حداد وألم. ولكن، وحتى لا نحيد – نحن في "ذاكرات"- عن إخلاصنا لرسالتنا فإننا نؤكّد على أنّ هذا الألم الذي نشعره الآن ما هو إلّا جزء من درب الآلام الطويل الذي شُقّ قبل 75 عامًا على الأقل.

إن قول الحقيقة وتبيان الهيكليّة الاستعماريّة القمعيّة كان دائمًا مهمّتنا، وسيبقى كذلك. وما دامت منظومة القمع قائمة على حالها، فلا أحد منّا سيكون آمنًا حقًّا. وقد تلقينا تذكيرًا مؤلمًا للغاية بهذه الحقيقة في صباح السبت 7.10.2023 عندما قام مسلحون من حركة حماس بقتل مئات الأشخاص، من رجال ونساء، بضمنهم أشخاص عرفناهم/ن شخصيًّا وأحببناهم/نّ، وأسر واختطاف مدنيّين ومدنيّات. كل ساعة منذ ذلك الوقت هي ساعة ألم ومعاناة. شرعت إسرائيل فورًا بقصف السكان المدنيين في غزة بدون تمييز في حملة غير مسبوقة من الانتقام والتدمير. إننا نشعر بالألم على كلّ من فقدنا- والأسماء ما زالت تتوالى- وبالقلق على مصير أصدقاء وأقارب لنا في غزة: فلسطينيين - وأغلبهم لاجئون منذ 1948، وإسرائيليين محتجزين هناك قسرًا.

النكبة لم تنتهِ أبدًا
إن الفقدان لشئ مؤلم، ولكننا لا يمكننا الاكتفاء بالحزن والحداد، لأنه بينما نحاول نحن استيعاب الفقدان والخسارة يواصل وزراء في الحكومة الإسرائيلية ومعهم الكثير الكثير من الإسرائيليّين بالمطالبة بالمزيد من الدماء، والتطهير العرقيّ، والإبادة الجماعيّة، ونكبة ثانية. إن قصف قوافل الفلسطينيين المتجهين جنوبًا في قطاع غزة باحثين عن النجاة، وانتشال جثث الضحايا من بين أنقاض المباني، ومنع وصول الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء، تدلّ على أننا أمام مخططّ ينفّذ وليس مجرد تهديد. لذلك، فإنه من واجبنا أن نذكّر أنفسنا والجميع بأنّ النكبة أبدًا لم تنتهِ، وأنّ كلّ الفظائع التي نشهدها الآن مصدرها تحويل قطاع غزة إلى "غيتو" مكتظ باللاجئين الذين أتاح تهجيرهم عام 1948 إقامة دولة إسرائيل.

لن يأمن أحد حتى يأمن الجميع
عندما تتحدث حكومة مجرمة بلغة الإبادة الجماعية وتكون على استعداد حتى لقصف مواطنيها الذين اختطفوا إلى غزة، وذلك بدافع الانتقام وترميم صورة جيشها، وعندما يقتل أكثر من ألفي طفل (حتى كتابة هذا البيان) في غزة، فإنه يتوجب علينا أن نقول بكل وضوح: إن أمن الإسرائيليين لا يمكنه أن يُبنى على اضطهاد الفلسطينيين. الحقيقة هي أنّ أمننا جميعًا مرتبط ببعضه البعض. وعليه، وحيال الموت والدمار، فإنه من المهم أكثر من أيّ وقت مضى أن نتمسك برؤيا إنهاء الاستعمار والعودة والعدالة والحياة المشتركة المتساوية لكل سكان البلاد.

المسؤولية عن إحداث التغيير
إنّ المسؤولية عن إيقاف دوامة سفك الدماء تقع علينا، وسوف يتحقق ذلك عبر مسار تفكيك الاستعمار. وكما قلنا دائمًا وبوضوح: تفكيك الاستعمار لا يعني تهجير أيّ من السكان. في الوضع الحالي، عندما يحظر النظام الاستعماريّ كلّ نشاط سلميّ وشعبيّ من أجل التحرر ويقمعه بالقوّة، فإن المجموعة المضطهدة سوف تردّ بعنف على العنف الممارس ضدها على مدى عقود. إلّا أن قتل الأبرياء، وخاصة الأطفال، لا مبرر له إطلاقًا، وإن الطريقة الوحيدة لوقف القتل هي تفكيك منظومات القمع التي تشكّل أساس كل العنف الذي شهدناه.  

بين أيدينا تكمن قوة للتغيير. نحن جزء من دوامة الدماء على مدى 75 عامًا وآن الأوان أن نسلك طريقًا آخر.

حتى نصنع واقعًا آخر
آن الأوان أن نفهم أن التطلع إلى العدالة يجب أن يكون في صلب رؤيتنا. آن الأوان أن نعترف بقيمة الحياة، كل حياة، على قدم المساواة، حياة الفلسطينيين والإسرائيليين وغيرهم. بدون هذه المبادئ فإنّ العنف سوف يستمر، إذ لا يمكن التوقع من إنسان أن يعيش في ظل الاضطهاد دون أن يقاوم.

والآن أيضًا، ما زال التغيير ممكنًا. علينا أن نسأل: من يملك القدرة على التغيير؟ الفلسطينيون يقبعون منذ عقود تحت الاحتلال والاستعمار الاستيطانيّ وهم عرضة للعنف، بينما إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة والمسيطرة، تحمل مفاتيح تغيير الواقع. لذلك فالمجتمع الإسرائيليّ، أولًا وقبل الجميع، هو الذي يجب أن يختار خيار تغيير الاتجاه.

الأمل في المستقبل
إن التغيير الحقيقيّ معناه تغيير جوهر النظام الحالي. المطلوب هو نظام يعترف بانعدام العدالة والمظالم المتواصلة منذ بداية النكبة، ويتحمل المسؤولية عن المستقبل، مما يعني: ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة لكل أفراده. في هذه الأيام المؤلمة بالذات، إن الإدراك بأن الواقع يمكن أن يكون مختلفًا هو أكثر أهمية من أيّ وقت مضى.