لطفية ربيع

18/05/2015
النصيرات

أجرت المقابلة: سميرة أبو الهيجا
موقع: فلسطينيو48

كثيرة هي القرى التي مسحت المؤسسة الاسرائيلية تاريخها ونسبته الى مستوطنيها ولم تعد تذكر حتى في مؤلفات المؤلفين او المؤرخين في الداخل الفلسطيني، تماما كما حصل في قرية عين الصراط التي كانت رابضة منذ عام 1921 في منطقة الغابات (منطقة السهل الساحلي الممتد من ام خالد للحرم -نتانيا وهرتسيليا)، بمبادرة من رئيس الوقف الاسلامي مفتي القدس الحاج امين الحسيني.

يحدثنا عمر ربيع حفيد الحاجة لطفية ربيع في العقد التاسع من عمرها والتي كانت طفلة يوم هجرت عين الصراط فيقول : كانت اراضي القرية بالاساس اراضي مشاع للطيبة، وتبلغ مساحتها حوالي 3000 دونم اشتراها الحسيني من اهل الطيبة خوفا من تسريبها لليهود، وتم اسكان عشيرة النصيرات بها والتي انحدرت من اصول عربية من الحجاز هاجر افرادها الى الكرك جنوبي الاردن وهناك تورطوا بحادثة قتل مع عشيرة ذات سلطة، الامر الذي دفعهم للهرب من الكرك وتشتتهم في سوريا، عمان وفلسطين، في فلسطين سكنت العائلة ببلدتي كفر قدوم وكفر مالك في الضفة الغربية ، ومن ثم هاجروا الى النقب الشمالي بعين الدقيق، ومنهم من رحل الى غزة، اما القسم الآخر فتوجه الى يبنة (على انقاضها بنيت يفنة)، ومن ثم قدموا للطيبة في العام 1921 كما ذكر آنفا

شهدت قرية عين الصراط في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي نهضة عمرانية ، علما ان الاهالي اعتمدوا بشكل اساسي على الزراعة في البيارات المجاورة (خيري المنصور والحاج ابراهيم) وقسم منهم كان يضمن اراضي في قرية البصة المجاورة، ومن ثم يبيعوا المحاصيل في طولكرم او يافا او حتى في البلدات اليهودية المجاورة مثل عين فيريد (اقيمت بمنطقة عين الوردات) وايفين يهودا، كذلك اعتمد الاهالي على تربية المواشي حين كان لديهم بقر، جمال، خراف، دجاج وخيول.

وفي بداية العام 1947 وُضعت قرية عين الصراط في الجانب اليهودي بقرار التقسيم، وهذا ما زاد تخوف الاهالي،خاصة بعد مجازر اليازور والشيخ مونس، وحصل ان ذهب زعماء القرية حسين نصير، عبد اللطيف ربيع وداوود الطويل للجيش العراقي المتحصن في استحكامات امغازين (غرب قلنسوة) طالبين منهم التقدم لحماية القرية فردوا قائلين:" ماكو اوامر"..

وفي 3.2.1948 وقعت معركة في القرية، حين حاولت وحدة الاسكندروني التابعة للهاغاناة التقدم صوب قلنسوة، فصد الهجوم المتطوعون من الطيبة والجيش العراقي، فوقعت عين الصراط في الوسط (الجيش العراقي شرقي القرية والهاغاناة غربها)، وهذا ما دفع الاهالي للهجرة
في العام 1949 قام الصندوق القومي اليهودي (ككال) بهدم جميع بيوت القرية (يبلغ عددها حوالي 50 بيت) سوى بيت المختار عبد اللطيف ربيع، والذي حول لكنيس، واقيمت على انقاض القرية قرية عين سريد في العام 1950 وهي لليهود من الطائفة اليمنية المحافظة دينيا.

بيت عبد اللطيف

هناك في مدينة الطيبة تسكن الحاجة "ام نضال" مع عائلتها المكونة اليوم من 53 شخصا، وقد كانت في عين الصراط تبلغ من العمر كما ذكرت لنا " كنت من جيل حفيدتي هذه" واشارت الى طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، وبدأت تحدثنا عن قرية فلسطينية كان مصيرها كاخواتها ال530 قرية دمرت ومسحت عن وجه الارض لكنها ما زالت تعشعش ذكرياتها في مخيلة لحاجة لطفية ربيع، المهجرة من القرية، لا زالت عين الصراط التي لا تنساها ولا تنسى ذكرياتها فيها، وتسرد "لفلسطينيو 48" ذكرياتها في القرية

وقالت الحاجة لطفية: 'كنا نسكن في قرية عين الصراط التي سكنتها العديد من العائلات التي هجرت إلى مدينة الطيبة كعائلة اللوح، عمرور، تكلة، طويل ونصيرات، وكانت بنفس المنطقة بيارات لعائلة منصور وعائلة حاج يحيى واذكر اننا كنا نعيش في بيت واسع وكان عند والدي عبد اللطيف يمتلك مضافة كبيرة تسمى الديوان يتوافد الضيوف اليه وهو بجانب بيتنا بعين الصراط، كان الرجال حتى من القرى المجاورة يجتمعون في المضافة يوميا.

عمل والدي في الزراعة مثل باقي أهالي القرية - الذين عملوا في بيارات البرتقال، وفي زراعة الباذنجان، القمح، الشعير، البامية، الخيار، البندورة، وكان كل عائلة تربي الدجاج قرب بيتها، وكانت كل هذه الاطعمة ذات جودة عالية وطيب مذاق، وليس مثل جودة ايامنا هذه

وأضافت: 'كنا نذهب مرة في الأسبوع لمدينة طولكرم للتسوق وعادة يكون يوم السبت، وكنا نطلق عليه اسم يوم السوق، ونحضر مأكولات وحاجيات لم تكن متوفرة في القرية مثل الحلوى والعلكة والشوكولاطة وغيرها، وكنا نذهب إلى المدينة بلباس لائق، لان مدينة طولكرم كانت حينها مركزا بالنسبة لنا وللقرى المجاورة، ومن الضروري ان يذهب الناس للمدينة بهندام جميل، وكنا نبيع محصولنا في طول كرم وفي البلدات اليهودية المجاورة حيث كان اليهود العراقيين يشترون منا كذلك '

ووصفت الحاجة ام نضال الحياة في الريف في تلك الفترة بالقول: 'في الحقيقة كانت الحياة هانئة، وكان اليهود قلة وكانت علاقتنا بهم طيبة، كنا نبيعهم ونشتري منهم، وكانت أجواء تعايش فعلية، لكن بعد ذلك تغيرت الأحوال، ولاحظنا أن اليهود بدأوا يكثرون من حولنا خصوصا المهاجرين الجدد الذين سكنوا منطقة عين الوردات (بلدة عين فيريد، تل موند من الجنوب، ومن الشرق ايفين يهودا اليوم)، وكان يأتي لقريتنا بين الحين والآخر أطباء لتطعيم أهل القرية من الأمراض، وكنت أسمع من هؤلاء الأطباء أن حربا على وشك أن تقع، وكان الأهالي يطلبون من الاطباء عدم ذكر هذا الموضوع لعدم تخويفنا، وكنا صغارا حينها

ترهيب من الحرب القادمة

تقول الحاجة ام نضال مع اقتراب قيام دولة اليهود أصبح يأتي إلينا بعض اليهود ويقولون لنا أنه من الأفضل ان نخرج من القرية لأن الحرب قادمة، وبحال لم نخرج الآن طوعا فاننا سنخرج عنوة بالحرب، ولم نصغِ إليهم، بل ذهب بعض أعيان قريتنا وهم: أبو عبد اللطيف، داوود الطويل، حسين نصيرات ومحمود تكلة، وتوجهوا إلى الجيش العراقي الذي تحصن في أراضي منطقة" امغازين" تقع غربي قلنسوة، وأقام مع المتطوعين العرب استحكامات وخنادق، وطلبوا منهم التقدم لحماية القرية، لأن البلدات اليهودية كثرت من حولنا، فقال الجيش العراقي لهم عبارتهم المشهورة:" ماكو اوامر" ورفض الجيش العراقس تقديم المساعدة العسكرية بحجة عدم وجود كمية ساح تكفي للدفاع عن القرية .'واستمرت العصابات الصهيونية بالتقدم نحونا، وسمعنا عن المذابح والتهجير وسيطرة العصابات الصهيونية على يافا ومحيطها خصوصا بمنطقة الشيخ مونس واليازور، وكانت قصص مرعبة جدا، خصوصا وان قريتنا كانت تتبع للدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم، ومرت فترة لا أعلم كم مدتها، كان الجيش العراقي المتحصن بقلنسوة (امغازين) يقصف البلدات اليهودية التي بجوارنا، وكانت العصابات الصهيونية تقصف قلنسوة، ونحن وقعنا في الوسط، وحين شعرنا بالخطر قررنا التوجه لغابة الطيبة، وخرجنا من القرية خوفا ورعبا من مصير متوقع بعد مجزرة يازور والشيخ مونس في منطقة يافا '

في ذاكرة ام نضال

صمتت الحاجة ام نضال لتستعيد ذكريات مرت على حدوثها اكثر من 67 عاما فتقول : لم يكن في عين الصراط مدرسة لكن الطلاب الذكور كانوا يتعلمون في قلنسوه لكن البنات لم يتعلمن وانا لم اتعلم بتاتا مع ان والددي اراد ان يعلمنا في وقت متاخر من النكبة لكنا رفضنا فيما تعلمت شقيقتي الاصغر

"وفي عين الصراط كان زعامة بمعنى الزعامة مش مثل زعامة هذه الايام فقد منعوا العنف ان يكون في القرية فاذكر ذات مرة ان عائلة تشاجرافرادها وكان بينهم شجار عنيف استعملت به " النبابيت" ( العصي الثخينة) وكان هناك الكثير من الاصابات لكن بعدها الزعماء تداركوا الامر واجروا صلحة بين افراد العائلة ولم يستمر الشجار عدة ايام " تقول الحاجة.

وتطرقت ام نضال الى قرية البصة المجاورة:' البصة كانت قرية كبيرة، أرضها وتربتها خصبة جدا جدا، كان بها ينابيع ماء صافية، واذكر كيف كنا ننقل الماء من البصة من بئر يسمى «حفاير أبو كلام»، إلى قريتنا عين الصراط، ولكون تربة البصة خصبة فإن الكثير من الفلاحين كانوا يمتلكون المزارع هناك، كانت عائلة تدعى حويطات هي اكبر عائلات البصة، اعتقد أن قسما منهم هاجر الى الطيرة والقسم الآخر إلى الضفة
مرة اخرى تبتسم الحاجة ام نضال وقالت : اذكر أني شاركت في عرس عمي فقد كانت عروسه من العمارين وأذكر اني شاركت " بالفارده" (القافلة التي تذهب الى بيت والد العروس وتنقلهها الى بيت اهل العريس) وكان الناس يصبغون اياديهم بالحناء وكذلك كانوا يصبغون اقدام العروس بالحناء ، ويومها جاءوا بالجمال وركبوا الهودج واذكر كانت تركب من كل جهة ثلاث نساء وسرنا الى بلد العروس بالاهزيج والدبكة والزغاريد انها كانت حياة احسن من هذه الايام.

هكذا خرجنا من عين الصراط

تقول الحاجة ام نضال : رغم اننا كنا بعلاقة جيدة مع اليهود الذين كانوا بجوارنا لكن عندما بدأت الحرب قاموا بمهاجمة القرية بالرشاشات فقتل من القرية عفيف بن احمد علي وقتل من العراقية الكثير وذلك قبل الحرب لان العراقيون كانو يقصفون المستعمرات واليهود يطلقون باتجاه قلنسوة ونحن بوسط الميمعة ،كما قتل شخص من دار ابو مخلوف ومحمود ابو سليم وابو جابر ، ولما كانت هذه الخسائر والخوف الذي دب في قلوب الاهالي غادرنا القرية فكنا نبيت في الطيبة والكبار عادوا مرة اخرى الى عين الصراط فقد ترك الاهالي الشعير والقمح والذرة والترمس ومحاصيلهم كما هي وبعد اسبوعين من العودة الى القرية خرجوا جميعا ولم يبق احد ، واذكر انه عندما خرجنا كان جدي يركب على حمار مردفا شقيقي خلفه ونحن نركض وراءه فما زلت اذكر هذا المنظر حتى اليوم.

يشارالى ان المؤرخ فايز العامري ذكر إن عين الصراط هجرت بتاريخ 3.2.1948، إلا ان بعض المصادر ذهبت لتواريخ أبعد من هذا التاريخ، على كل حال، فقد قامت الكيريت كييميت ( الصندوق القومي اليهودي) في العام 1949 بهدم جميع بيوت القرية ولم يبق إلا بيتا واحدا، يستعمل اليوم ككنيس وفي العام 1950 بنيت على انقاض القرية بلدة عين سريد يسكنها يهود من اصول يمنية .