زهرة عبد القادر أبو حاشية

2007, Mar
سلمة

رنين: شو اسمك الكامل يا خالتي واي سنه خلقت؟
زهرة: اسمي زهره أبو حاشية؛ خلقت بفلسطين

رنين: اي سنة ؟
زهرة (تسأل ابنها): اي سنة يمّا ان انولدت؟ الكواشين تبعتنا ضلّت بسلمة ولا اطلعنا معنا ولا اشي؛ بس انا انولدت انا بفلسطين
طلعت: 1932

رنين: احكيلي يا خالتي شو كان في حوالي سلمه من قرى؟
زهرة: جنب سلمة كانت قرى العباسية، الخيريه، هاي الخيرية كانت جنبنا بالضبط، وبعدها بتيجي يازور، بيت دجن، يافا؛ ما انتِ رحتِ وشفتِ.

رنين: والكوبانيات؟
زهرة: الكوبانيات مقابلين لسلمة، اليهود ما كانوا بعيدين عن بيارتنا. اول ما بلّشت المناوشة مع اليهود، خطف اليهود اخوي وابن عمي اللي صار بعدين جوزي عثمان أبو حاشية ابن موسى (أبو طلعت)، كانوا وقتها يدرسوا بمدرسة ببير زيت بفلسطين وكانوا جايين لأجازة. اجا عمي وقال انه بدأت المعركة مع اليهود، وإحنا قررنا ندافع عن أرضنا،  ووزّع عمي لعثمان وأخوي وبعض الشباب سلاح وبدأ بتدريبهم.
اجو اليهود بالليل، يومها ما كان في ساعات، كان التوقيت تبعنا حسب الاذان، ابوي كان شيخ ويأذّن، وكان النا بيّارة وحاووز مرتفع على سلمة باخر سلمة. كان ابوي يأذن على المرتفع حتى الناس تصلّي، قاموا اليهود هجموا علينا قبل صلاة الصبح واحنا نايمين. كان النا بستان ورد وكانوا الشباب نايمين فيه، جوزي ابو طلعت ابوه عثمان ابو حاشية درّبه على السلاح وكان سلاحه على جنبه. كان هيك ازعر مثل طلعت (ضاحكة)، يعني كان حرِك.
اجو اليهود، حطّوا على وجوههم اكياس وحطوهم بالسيارة واخذوهم، وصاروا يحاولو بدهن يفوتو على بيتنا. كان عنا خشبه بالبيت مسكتها أنا وأخوي الصغير، اليهود يدفعوا بالباب وأنا واخوي عبد الجواد الله يرحمه ندفع بالباب عشان ما يدخلوا علينا، ابوي طلع على الباب حتى ما يدخلوا علينا، هجم اليهود عليه وصاروا يضربوا فيه، هم يضربوا فيه وهو يقرأ عليهم (قرآن)، حتى ما يكشفوا السلاح بالبيت؛ المناضل يا خالتي اللي بدافع عن وطنه صدقيني ما بصير عليه اشي.
أمي طلعت على الشباك تصرخ عشان الناس تسمع لانه بيتنا بعيد عن سلمة (وسط البلد)، صارت تصرخ وتقول "اليهود اليهود"، قاللها اليهودي: "اخرس خبيبي"، وضربوا قنابل دخان عشان ما تشوف؛ بعدها راحوا على عمي موسى ابوحاشية، ضربوه على ايده وكسرلوه إصبعه، ودخلوا على عمي الثاني كان هو واولاده بالبيت قاعدين ويرجفوا من الخوف. ما كنّا نتصوّر اليهود يجوا علينا واحنا نايمين بالليل. بس قبل هيك راحوا على البيارّه وحفروا بالطوريه عشان يفتشوا على السلاح وكانوا لابسين اسود مثل الحمام الأسود.
لما شافهم عثمان ابو حاشية رمى السلاح جنب شجرة الليمون، لما رمى السلاح اجو عليه اليهود خطفوه هو واخوي وراحوا، احنا فكرناهم ماتوا وفتحنا البيت للعزى.

طلعت: كان في سلاح صحيح؟
زهرة: كان عنا سلاح، كام قدام عينيهم (لليهود) وما شافوه.

طلعت: وين خبيتوا السلاح؟
زهرة (ضاحكة بصوت عال): كان عنا جوز خيل دفنّا السلاح تحته، في سلاح خبيناه عند الحمام وقسم عند الدجاج، ابوي كان يقرأ عليهم آية الكرسي حتى ما يلاقوا السلاح، صدقيني يا خالتي كان اليهود يضووا على السلاح وما يشوفوه، الله عمى عينيهم.  قالوا لعمي موسى إذا لاقينا فشكه واحده عندكم راح نقتلكوا. تخايلي كان عنا جوز خيل ربيناهم من وهم صغار وكل ما ييجو اليهود بدهم يضووا عليهم حتى يدوروا على سلاح كانت الخيل ترفسهم.

طلعت: من وين جبتوا السلاح؟
زهرة: عمي اشترى سلاح من السماسرة، ولما طلعنا من سلمة كنا مديونين.

رنين: وينتا بدأتوا تحسّوا بالخطر وانتوا بسلمة؟
زهرة: او ما بدأنا نحس بالخطر لما خطفوا اخوي وابن عمي، بعدها صورا يحاربوا واشترينا سلاح وكل واحد من الشباب حمل باروده حتى يحاربوا.
بعد ما خطفوهم، حبسوهم كل واحد بغرفه، قالوا لعثمان انه يعترف وين السلاح، لما أنكر ضربوه على عينه بكعب الباروده، بعدها راحوا لأخوي وقالوله ابن عمك مات وانت اعترف حتى ما تموت، قاللهم: انا مش أحسن من ابن عمي ما بعرف اشي. جابولهم حليب رفضوا يشربوه لانهم خافوا يسمّوهم. عمي هدد الأنجليز انه إذا الأولاد ما رجعولي إحنا بدنا نحرق الكوبانيات؛ اليهود رجّعوا الشباب ورموهم مربوطين وين ألبير، شافهم راعي بدوي وفكهم؛ بهذا الوقت كنا مفكرين انه الشباب انقتلوا وكان عنا عزاء بالبيت، كان ابوي يأذن ويقول: الله اكبر الله اكبر. رسميه  جارتنا كانت حاملة جرّة المي على راسها، شافت عثمان وعبد جايين، صارت تزغرد، لما شافهم ابوي صار يكبّر ودموعه تنزل ويقول: الله اكبر. لما رجعوا كانت الفرحة عنا كبيره. وبدأت الحرب

رنين: بعد ما رجعوا الشباب فاتوا اليهود كمان مره على سلمة؟
زهرة:  صارت اليهود تيجي عنا وتدور على سلاح ببيارتنا.

رنين: بس عندكم كانوا يدوّرو؟
زهرة: ما هو عمي موسى ابو حاشية هو المناضل، هو اللي سلّح اهل سلمة. احنا صارت عنا حرب هتكفا وانتصرنا عليها. اليهود خافوا، هجمت العرب عليهم، هربوا وتركوا طفلين، أخذوهم العرب، بس احنا ما كنا نذبح مثل ما هم ذبحوا اطفالنا وارعبونا؛ اخذوهم وسلّموهم للهلال الأحمر. بدأت الحرب، أهل سلمه حاربوا ستة أشهر، كنا لا ننام لا ليل ولا نهار. دار سيدي كانوا ساكنين بسلمة (بمركز البلد)، لما كانت اليهود تهجم كنت اخذ اخوي صلاح الصغير؛ بذكر كنت اخذ صلاح والدنيا عتمه، صلاح يمسك برقبتي واليهود يطخوا علينا، ونوصل عند دار سيدي وجوهنا صفرا من الخوف، بالنهار اليهود ما كانت تضرب بس بالليل بعد صلاة المغرب. لما صاروا يعتدوا على النسوان ويذبحوا بالاطفال قررنا نطلع

رنين: بسلمة صاروا يعتدوا على النسوان؟
زهرة: بسلمة اه وبدير ياسين والمناطق اللي حوالينا، حاولوا يرعبوا الشعب الفلسطيني، احنا ما كنا بدنا نطلع بس السلاح خلص وكيف بدنا نقاوم؟. لما طلعنا عمي ما فكّر انه راح نطوّل، خالتي صارت تجمع أغراض، قاللها: يا أم حسين اتركي كل شي على ارضة، بتذكر كيف تركنا حبشة او بطة نايمة على البيت واحنا طلعنا، امي كانت تحب تربي دجاج وحمام، ما كنا نشتري اشي من برا الا خرفان بالعيد. طفولتنا بسلمة كانت كتير حلوه، كنا نحس بحياتنا وانه احنا عايشين ببلدنا وهذا كله حرمونا منّه اليهود.

رنين: كيف قررتوا تطلعوا؟ متذكري اليوم اللي قرروا فيه اهلك انه تطلعوا من سلمة؟
زهرة: احنا طلعنا لما صاروا اليهود يحاربوا ليل مع النهار. عمي بعت الأطفال والنسوان والختيارية على الرمله.

رنين: كيف رحتوا على الرملة؟
زهرة: بالعربايات، من زمان الحياة كانت بسيطه وما كان في سيارات بسلمة.  كان الي اخو معه رشاش وكان على سطح بيت يحارب، لما خلصت الذخيرة نزل اخوي حتى يجيب ذخيرة، لحقوه اليهود حتى يمسكوا، وضلهم وراه من بياره لبيارة يركضوا وراه ولما يأسوا ضربوه قنبلة برجله، وضلّت الشظية برجلة حتى هاجرنا. هذا اخوي اللي تصاوب طلع معنا على الرملة، وبعد كام شهر راحت سلمة.

رنين: يعني الختيارية والاطفال والنسوان طلعوا.
زهرة: ضلّوا بس الشباب يحاربوا، ما بقي كتير بسلمة، بقي بس عشرات الناس من أصل 8 آلاف نسمة. كانت الشباب بجيل 13 او 14 تحمل سلاح؛ اخوي حمل سلاح وهو صغير.
أبوي كان قائد فصيل مع حسن سلامه، حسن سلامه كان مسؤول عن المنطقة وكلهم تابعين للحاج أمين الحسيني. المقاومة بسلمه كانت منظمه وكان في دوريات ليليّة. كل عائلة كانت تفرز للحراسة أفراد منها، بالذات المناطق المواجهة للمستعمرات. اتفقت جميع عائلات سلمه على شراء أسلحه حسب عدد الرجال فيها، كان في استحكامات وتخطيط عسكري للدفاع عن البلد ضد الهجمات، لكن كان ممكن البلد تصمد بشكل أحسن من هيك لو كان في إمكانيات مادية وإمدادات، لما اشتدت المعارك انتهت الذخيرة من المقاتلين. كان في شعور عام انه أهل سلمه صعب يصمدوا بدون إمدادات، حسن سلامه والحاج أمين الحسيني ما أرسلوا ذخيرة، صار في إحباط عند المقاتلين بس مع هذا استمروا بالقتال. وبعد شهر من خروجنا سقطت سلمة بنيسان.
اليهود قعدوا يطلقوا رصاص لمده 3 أيام بعد ما طلعوا جميع أهل سلمه، كانوا خايفين يدخلوا سلمة بسبب المقاومة القوية.

رنين: احكيلي شوي يا خالتي عن سلمة قبل الحرب؟ احكيلي مثلا عن المدرسة اللي درستِ فيها
زهرة: بذكر ايامنا كانت كتير حلوة، بيتنا كان بعيد عن المدرسة، بيّارتنا بآخر سلمة، كانت بسلمة مدرسة واحده، بس الصفوف غير مختلطة، أنا تعلمت للصف الثاني بعدها صارت الحرب وطلعنا، اغلب الأهالي اتركوا بناتهم من المدرسة.

رنين: ليش؟
زهرة: لأنهم خافوا على البنات من اليهود. بذكر مرّة جارنا كان حاطت يهودي يمني حرس على بيارته، في يوم كنت أنا وصفيّه بنت عمي وهدى نلعب بالبيّاره. قرر جارنا يومها يجرّب البارودة اللي اشتراها لانه كانوا يبيعولنا بارود خربنان، فقال لليمني روح عند بنات أبو حاشية وقلهم انه بدي أجرب الباروده وانه ما يخافوا، أجا هذا اليمني علينا وما فهمنا عليه، خفنا وصارت صفيه تصرخ وصرنا تركض مع الخرفان اللي معنا (ضاحكة)، هربنا عند ابن عمي، وقلناله: اليهود هجمت، اليهود هجمت، وطلعنا بعدها عند عمتي كانت دارها مرتفعه، اجا واحد بدوي صار يصرّخ ويقول وين اليهود يا بنتي وينهم؟، بس بالآخر عرفنا انه جارنا رَشاد عم بجرّب البارودة.

طلعت: المدرسة كانت مجهّزة؟
زهرة: المدرسة كانت مجهّزه واللي علّمونا كانوا مدرّسات من يافا. كان في احترام وقتها للمدرسين مش مثل اليوم ما في اي قيمة للمُدرّس، لما كانت تفوت المُدرّسة على المدرسة كانت المسطرة اللي معها طويله (تشير بيدها الى طول المسطرة).
عنا كان من جميع أنواع الفواكه بالبيّاره، وكانت لما تطلب منا المعلمة نرسم مثلا موز او برتقال كان أبوي يعبي السلة موز ونوخذها للصف عشان نرسم الفواكة. في ناس ما بعتت بناتها للمدرسة عشان تشتغل بالأرض. لما هاجرنا علمت كل اولادي. حياتنا وطفولتنا كانت حلوة.

رنين: مين كانوا يبعتوا اكثر على المدرسة الأولاد ولا البنات؟
زهرة: كانت الاولاد والبنات نفس الاشي بس لما صارت الحرب ضلوا الشباب واطلعوا البنات.

رنين: في عائلات ما كانت تعلّم اولادها؟
زهرة: اه طبعا في اهل ما بعتوا بناتهم واولادهم لانهم كانوا يشتغلوا معهم بالأرض.

رنين: احكيلي عن عمل النساء بالأرض؟
زهرة: النسوان عنا كانوا يشتغلوا مثل الرجال، النسوان كانت تزرع وتلقط الزرع وتبعته على يافا، كانت تربي دجاج وخرفان، عيشتنا من أرضنا، بذكر أمي كانت عاملي بستان ورد كبير، كنت أروح القط الورد وأساعدها، كنت نشيطة كتير، انا تعلمت الغسيل والعجين من جيل سبع سنين، أمي كانت تخبز للعمّال بالبيارة وأنا ابعته. كانت امي كتير نظيفه ودايما تقلي صوبني ايديك يمّا واشتغلي، بذكر مره اشتهيت رغيف افتّه بالزيت والسكّر، حتى كاسة الشاي كان الها طعمة، كنا نجيب نعهع من الأرض ونحطه على الشاي؛ لما كنا نعمل سلطه كنا نعرف انه هاي سلطة من رائحة الخيار، اليوم الخيار ما اله طعم. بذكر المحشي اللي كانت تعمله امي ايام زمان. كل شي كان حلو، كنا نوكل من ارضنا. الخُبيزة مثلا كتير مفيدة للضغط وللنسوان اللي بخلفوا وللالتهابات.

رنين: يعني اللي كانوا يمرضوا كنتوا تداوهم من الخضرا والأعشاب ؟
زهرة: اه من الخضرا اللي بالبيت والاعشاب مثل البابونج والميرامية. ما كانت الناس تروح للدكاتره او تلجأ للمستشفيات.

رنين: بس كان في حواليكو مستشفيات؟
زهرة: بس يبافا، بذكر مره اخوي الله يرحمه عبد الكريم صابته لفحة (بَرد)، اخذه ابن عمي عند الدكتور بيافا، رجع على كتفه ميّت، قالتله امي اعطيني عبد الكريم، قاللها: يا خالتي عبد الكريم مات. انا اكبر من عبد الكريم، كانت امي حتى ما اضربة تمسّكني المخدة، عبد الكريم صابوه بالعين ومات.
بذكر لما صاروا يعملوا شوارع بسلمه ويزفتوا فيها، وصار فيها حضارة، كنا احنا اطفال والزفته السودة اثّرت على طاحونتي، من زمان لا كان ابر ولا اشي، رحت عند الكتور وقلعلي ايّاها، هذه هي المرّه الوحيده اللي رحت فيها على يافا عند الكتور.

رنين: واللي بدها تولد؟
زهرة: كان في دايات، مرت عمي تعلمت وصارت داية.

رنين: مين علّمها؟
زهرة: هي لحالها تعلمت وصارت تولّد نسوان العائلة، تقطع الحبل السري وتلف الولد، يدهنوه بالملح والزيت لأسبوع عشان يطلع قوي، كانوا يحطّوله على ركبه ملح وزيت، ايامها الحياة بسيطة احسن من هاي الأيام.

رنين: كان في اولاد تموت؟
زهرة: لا ما في، نادرا ما كانت تتعسّر الولاده ولا اي واحده من سلمة تعسّرت ولادتها، كانت النسوان تولد وتنزل تشتغل بالأرض. أنا لما كنت بمخيم بلاطه كنت اخلف وأروح أكمل شغل البيت. النسوان البدو كانوا يوَلدوا حالهم بحالهم، كانت تمسك بعامود الخيمة وتولد لحالها، تحطّ الولد بكيس على ظهرها وتربطه وتروح تكمل شغل؛ هدول البدو كانوا يشتغلوا عنا بالأرض وطبعا يوخدوا خضرا ببلاش.

رنين: وين كانوا يناموا؟
زهرة: كانوا يناموا بسلمة، بس بخيم، أو ببيوت طين يحطوا عليها زينكو عشان المي ما تنزل عليهم. الحياة كانت بسيطة واحسن وما كان في مرض، ريحة الهوا حلو، نادرا ما كان حدا يرشّح.

رنين: سلمة كان فيها فعاليات وبرامج صحيح؟
زهرة: نعم
رنين: كان في مثلا مسرحيات؟
زهرة: لا، بس مدارس وجامع
طلعت: بالاعراس شو كنتو تعملوا؟
زهرة: الأعراس بسلمه كانت 3 أيام، النسوان لحال والرجال لحال، كانوا يحَنّوا رجلين وايدين العروس، وبعدين يعملوا عشاء وغداء ويصير العرس، بس العريس ما كان يشوف العروس بس خالها أو أبوها كانوا يطلعوها من البيت. انا مثلا مش كنت عايشي قبل ما اتزوج مع ابن عمي، ما كنت اشوفه، كنت اخاف منه، كنت صغيرة، انا وابن عمي تجوزنا بعد الهجرة.
جيل اليوم هو جيل التلفزيون الكمبيوتر، احنا بسلمة اللي عنده راديو كان يكون احسن واحد.

رنين: مين كان عنده راديو بسلمة؟
زهرة: عمي كان عنده راديو، وكان في ديوان فيه راديو، ويسهروا الرجال ويحكو.

رنين: النسوان كمان كانت تتجمع مع بعضها وتحكي؟
زهرة: لا لا النسوان لا
رنين: ولا حتى على فنجان قهوه؟
زهرة (ضاحكه): ولا قهوه ولا سيجارة. لما هاجرنا على بلاطة كانوا ييجو عنا النسوان، بس انا جوزي ما كان يطلّعني كتير من البيت، كان يقللي: انت علمي الاولاد والك الجنة.

رنين: انت شو كنت حابة تعملي؟
زهرة: كنت حابي اكمل تعليمي، خواتي تعلّموا لما هاجرنا، واحده كمّلت التوجيهي وهي متزوجة وواحده أنهت الدبلوم.

رنين: لما طلعتوا قديش كانوا اعماركو؟
زهرة: لما هاجرنا كان عمري 11 سنة، اخر اخت الي طلعت تحبي، كنا بالبيت 3 بنات و 3 أولاد، بس الاولاد كانوا شباب. أمي جابت 8 بنات وصاروا يموتوا، راح أبوي وأمي عند شيخ وبعدها صارت أمي تخلف وما يموتوا الأولاد، بسلمه كان في شجره سدره تتبارك فيها الناس، أنا ما بذكر الشجرة بس أمي كانت تحكيلي عنها.
انا نسيت احكيلك قصّة اخوي عبد الجواد، كان يملك باروده، ولما جرّبها طلعت الطلقة بحلقه، أمي مَزعت الشاشة من اللحُف وسكّرَت على الجُرح، وأخذوه بعدها على يافا واطلعوا الفشكة، السلاح كان خربان. احنا سبب هجرتنا انه ما كان في سلاح واللي ساعد اليهود هم الأنجليز.

رنين: الأنجليز كانوا يفوتو على سلمة يزعجوا الناس؟
زهرة: اه كانوا يفوتو، كانوا ييجو يدوروا على عمي موسى ابوحاشية.

رنين: كمان اليهود وكمان الأنجليز كان يدوروا على عمك؟
زهرة: اه، خالي سجنوه الأنجليز خمس سنين وبقيت زوجته ساكني معنا هي وابنها.

رنين: بشو اتهموه؟
زهرة: ما بدهم يدافع عن وطنه، الاستعمار بده فلسطين، اللي ساعد اسرائيل بريطانيا وامريكا، لانهم معتمدين انه اسرائيل ركن الهم.
أبوي شارك بثوره 36 وكان اله دور متميز. الأنجليز حكموا عليه بالإعدام، رَهَن البياره عشان يشتري سلاح، هو بدأ بنفسه انه سلّح أولاده وعائلته عشان الأرض وأهل البلد عملوا مثله. السلاح كانوا يشتروه من الجهاد المقدس (حسن سلامه). حسن سلامه كان قائد منطقه يافا في الجهاد المقدس وعمي كان قائد منطقة سلمة وضواحيها وكان القائد العسكري الفعلي. بعض السلاح كان تبرع أو دعم ومعظمه شراء. وكمان مرات كانوا يسرقوا سلاح من الجيش البريطاني أو اليهود.

رنين: اهل سلمة كانوا يشتغلوا عند اليهود؟ كنتوا تنزلوا على تل ابيب مثلاً؟
زهرة: احنا لا، احنا بيت ابو حاشية لا، وما بعرف اذا من سلمة ناس اشتغلت عند يهود، احنا كنا بيت محافظ البنات ما تطلع كتير.
رنين: انتو شو كنتوا تفكروا عن بنات اليهود وخصوصا انه قسم منهم اجو من حضارة ثانية ومن اوروبا وعندهم عادات وتقاليد بتختلف؟
زهرة: عندهم غير حضاره، اليهود اجو من جميع العالم، كان في يهود مظاليم، بذكر ابن عمتي راح يشوف بيته بعد ما طلعنا من سلمة، كانوا ساكنين فيه يهود من اليمن، قاللهم: هذا بيتي، رحّبوا فيه ودخّلوه على البيت وضيّفوه وقالوله: احنا خابيبي مظلومين مثلكم، لما جينا هون قالولنا فلسطين ذهب ومثل ما انتوا ضحايا احنا كمان ضحايا؛ اليهود فيهم ناس بدهم سلام وفيهم ناس بدهم حرب.

رنين: خالتي متذكري الأيام الأخيرة قبل ما تطلعوا من سلمة؟
زهرة: النساء كانت تبكي حزن، خالتي كانت تنوّح، وتلقي شعر على الأرض وتبكي، إحنا كتير تأثرنا، احنا بسلمة كنا كتير مدللين ولما طلعنا لا كان في مي ولا اشي، نمنا بخيم بالبرد ببيت نبالا، نولع حطب عشان نسخن الشاي، كنا نروح من الصبح نملي مي، ما كان في كاز ولا اشي، نروح بالليل نلم حطب على روسنا عشان نطبخ ونغسل، اول ما هجرنا اكلنا تمر وخبز امي تعجنة، لحد ما صار ت الوكالة توزع علينا علب السردين واللحمة اللي كانوا يضحكوا علينا فيهم؛ شفنا المرارة. حياتنا كانت صعبة، لحد ما بدأت الشباب تشتغل وتجيب مصاري.
سمعت عن قصه انه ابو عثمان كان يقول: أنا لا يمكن ارفض طلب لأهل بيت نبالا لأنه لما حاصرنا الجيش الأردني اجو بدهم يجردوا المقاتلين من أسلحتهم، خبوا السلاح في حفرة وسط البلد، وما قدروا يكتشفوا انه هاي الحفرة فيها سلاح.
أجينا بعدها على سهل بلاطه، بلاطة كانت نواة لمخيم، سكنا بالكروم على طرف البلد. عين بلاطة كانت وسط البلد والنساء الصبح كانت تروح تملي عن العين بعد صلاة الفجر حاملات الجرار. كان في بعض الناس اللي عندها إمكانيات وكانت تروح على الحمير، بس الحياة هناك ما كانت نظيفة مثل سلمه، إحنا كنا من أوائل اللاجئين اللي وصلوا المخيم، عين بلاطه كان قريبة من المنطقة اللي سكنا فيها؛ الناس المثقفين من سلمة كانت ترفض التعامل مع وكاله الغوث لأنه إذا سجّلنا في المخيم معناه انه إحنا اقرّينا الهجرة وما راح نِرجَع، في كتير ناس سكنوا داخل المخيم بعد سنين لأنه كانوا رافضين الفكرة.
جوزي عثمان ضلّوا مناضل لحد ما مات ورغم انه أنا ما تعلمت بس كنت كثير افهم بالسياسية واسمع راديو. الأرض النا ولازم ندافع عنها، جيلنا عم بموت ولازم نزرَع بالأجيال الجديدة حب الأرض والوطن.

رنين: يعني لما هاجرتوا النساء عملت معظم الشغل والرجال شو عملوا؟
زهرة: أول ما هاجرنا عمي اخذ ارض بالغور يشتغلوا فيها عشان يصرفوا على حالهم ويبيعوا خضرا، بس تركوا الأرض لانه ما ربحوا من هذا الشغل، ودوروا على شغل تاني؛ يعني عيشه يوم بيوم، اللي ياكل يعيش؛ مش مثل ما كنا بأرضنا وبخيرنا.
عمي، الله يرحمه، مرض بالهجرة ومن كثر حزنه صابوا جلطة وبطّل يحكي، جابوله الدكتور على البيت. تعالج بس ما رجع يحكي مثل اول. أبوي كان يجيبلنا خضرا من نابلس ولما كان يجيب فواكة عمي حَلف يمين انه ما بوكل فواكة إلا من فلسطين ويبكي، لانه كان مناضل والاستعمار أخد بلده. الرجل بكبت حزنه والمرا بتنفس عن حالها.

رنين: وين معظم عائلتك اليوم
زهرة: بنابلس بمخيم بلاطة.

رنين: وفي حدا من عائلتك راح زار سلمة؟
زهرة: بعد ال 67 راحوا ناس من عائلتي، ابن عمتي راح على بيتنا وجاب لي ليمونة ومسامير من البيت واحتفظت فيهم، عندي ذكريات من بيتي. الله يرحمه جوزي ابو طلعت قاللي مره يا ريت يا ام طلعت ساعتين اروح على بلادي اشوفها وبعدها يطخوني اليهود.

رنين: ليش اهل سلمة ما راحوا على يافا يحتموا فيها وراحوا على الرملة؟
زهرة: لانه اهل يافا هاجروا كمان همّي

رنين: شو سمعتوا على دير ياسين؟
زهرة: سمعنا انه بدير ياسين كانوا يذبحوا الطفل ويقطعوا صدر المرأة ويعتدوا على النسوان ويذبحوا رجال، الناس خافت وطلعت، الحرب النفسية هي اللي اطلعت الناس.

رنين: كيف سمعتوا عن دير ياسين؟
زهرة: الرجال بسلمة مثقفين وعمّي قائد وثوري وكان يعرف كل شي عم بصير. انا بعد ما طلعت سمعت عن دير ياسين من امي وابوي.

رنين: المقاومة بسلمة كانت منظمة؟
زهرة: طبعاً، كان في حراسة ليله، كل عائله تفرز للحراسة شاب لحراسة حدود البلد وبالذات المناطق المواجهه للمستعمرات، كان في استحكامات. سلمة تعرضت لأكثر من هجوم واليهود ما استطاعوا يخترقوا سلمة الا بعد ما خلصت الذخيرة؛ سلمة حاربت اكثر من يافا.
رنين: في ناس من غير المحاربين استشهدوا بسلمة؟ مثلاً اطفال او نساء؟
زهرة: اطفال ما ماتوا، بس كانوا يذبحوا بالختيارية. ذكّرتيني بامي اللي حملت لحاف بدل ما تحمل اخوي، لما هجموا علينا اليهود بالليل، اجا واحد من الشباب وقال لامي اطلعوا من الدار لانه اليهود بدهم ييجوا يذبحوكو، طلعت امي وبدل ما تحمل اخوي صلاح حملت لحاف. احنا عانينا من الخوف، ما في حدا ببيع ارضه ولو كان معنا سلاح ما طلعنا.
طلعت: بالبداية كانت المعارك اغلبها على أطراف البلد؛ أطراف سلمة كانت بيّارات ومناطق زراعية؛ احنا كنا ساكنين بالمناطق الزراعية يعني البيت والبياره بنفس المكان، ولما تشتد المعارك كانوا يطلبوا من الأطفال والنساء يخلوا البيت ويروحوا لوسط البلد لأنه اكثر أمان في الداخل.

زهرة: اليهود نسفوا بيت جيراننا دار الحاج أبو داوود لأنه كان على مرتفع والشباب يقعدوا فيه يطخّوا على اليهود؛ اخوي هرب من بالبيت وضلهم يركضوا وراه عشان يمسكوه ولما يأسوا ضربوه قنبلة برجله، دخلت الشظايا فيها وبقيت رجله متصاوبه لبعد ما طلعنا من سلمة.

رنين: في حدا من اخوتك بعده عايش؟
زهرة: اخوتي ماتوا كلهم، اخوي مات والشظية ظلت برجله، مات بنابلس لما اليهود سجنوله ابنه.
دايما ببكي وبتذكر سلمة، وبتذكر صوت امي وهي تنادي. انا الكبيره باخواتي وكانت تحبني كتير. هاي فلسطين مش لليهود، اليهود جبوهم من كل البلاد ع فلسطين واقنعوهم انه فلسطين ذهب.
رنين: شكرا خالتي على المقابله والله يطولنا بعمرك.

_______________________

شهادة زهرة ابو حاشية وابنها طلعت ابو حاشية
مكان الولادة: قرية سلمة (قضاء يافا)
سنة الميلاد: 1932
مكان السكن الحالي: عمان - الاردن
مكان المقابلة : بيت الراوية في عمان
اجرت المقابلة: رنين جريس
تاريخ المقابلة: آذار، 2007